رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ أحمد بن عطية الوكيل 27 أكتوبر، 2014 0 تعليق

أعلام الإسلام- إلى من يجهله ويطعن فيه(2) وقفات مع الإمام البخاري وصحيحه

سئل الدارمي عن حديث، وقيل له: إن البخاري صححه، فقال: «محمد بن إسماعيل أبصر مني، وهو أكيس خلق الله، عقل عن الله ما أمر به ونهى عنه من كتابه وعلى لسان نبيه، إذا قرأ البخاري القرآن: شغل قلبه وسمعه وبصره ، وتفكر في أمثاله ، وعرف حلاله من حرامه».

قلت : الدارمي - رحمه الله - من شيوخ البخاري . وقد مات قبله . ولما جاء نعي الدارمي للبخاري، وهو في المسجد؛ بكى وأنشد:

إن عشت تفجع بالأحبة كلهم

                        وفناء نفسك لا أبا لك أفجع.

(22) قال فتح بن نوح النيسابوري: «أتيت علي بن المديني ، فرأيت محمد بن إسماعيل جالسا عن يمينه، وكان إذا حدث التفت إليه مهابة له»،
قلت: علي بن المديني شيخه، فمن شدة وثوقهم في حفظ البخاري، فكان مشايخه يهابونه .

(23) شيوخ البخاري يطلبون منه النظر في كتبهم وتصحيح ما فيها من خطأ في الأحاديث.

يقول موسى بن قريش: قال عبدالله بن يوسف للبخاري: «يا أبا عبدالله انظر في كتبي، وأخبرني بما فيها من السقط، فقال: نعم - يعني أنه أجابه إلى ما طلبه».
قلت: وعبدالله بن يوسف هو التنيسي أصله من دمشق ونزل تنيس بصعيد مصر وهو أحد شيوخ البخاري الذين يروي من طريقهم أحاديث مالك في الموطأ.

(24)  يقول البخاري: «قال لي ابن أبي أويس: انظر في كتبي، وجميع ما أملك، وأنا شاكر لك أبدا ما دمت حيا»، وقال محمد بن أبي حاتم وراق البخاري: سمعته يقول: «كان إسماعيل ابن أبي أويس إذا انتخبت من كتابه، نسخ تلك الأحاديث - التي انتقيتها - وقال: هذه الأحاديث انتخبها محمد بن إسماعيل من حديثي».
قلت: إسماعيل بن أبي أويس شيخ البخاري، روى عنه عن الليث، وعنه عن مالك؛ وهكذا يفتخر شيوخ البخاري بأنه انتقى من كتبهم أحاديث؛ وذلك لثقتهم العالية في تمام معرفته وحفظه للحديث .

(25)  شيوخ البخاري يسألونه عن أخطاء الرواة. يحدث البخاري - رحمه الله - عن نفسه، فيقول: «كنت إذا دخلت على سليمان بن حرب، يقول: بين لنا غلط شعبة».

( 26 )  قال البخاري: «لم تكن كتابتي للحديث كما كتب هؤلاء، كنت إذا كتبت عن رجل سألته عن اسمه، وكنيته، ونسبته، وأحمل الحديث إن كان الرجل فهما ، فإن لم يكن - يعني فهما - سألته أن يخرج إلي أصله، فنسخته؛ أما الآخرون فلا يبالون بما يكتبون(ارجع إلى ترجمته في ت بغداد».

     قلت: إذاً لم يكن طلب البخاري لعلم الحديث كطلب غيره من المحدثين، فهو يستوثق لرواية الحديث بالتأكد من بطاقة هوية الشيخ، ومعرفة أحواله، والتثبت من صحة نقله، وفهمه لما يروي وإلا اطلع بنفسه على كتاب شيخه.

(27) قال أبوبكر الكلواذاني: «ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل، كان يأخذ الكتاب من العلم ، فيطلع عليه اطلاعة، فيحفظ أطراف حديثه من مرة واحدة»، قلت: هكذا بلغ من قدرة البخاري الفائقة على الحفظ اللحظي - يعني من أول لحظة - وما أظن ذلك إلا لصفاء ذهنه، وعدم إنشغال باله، وفراع قلبه من أمور الدنيا، وشدة تعلقه وشوقه وحبه للحديث؛ وعلو همته، وانعقاد عزمه لتلقي الحديث وتبليغه إلينا صافيا رائقا.

ويدل عليه قول الحسين بن حريث : «لا أعلم أني رأيت مثل محمد بن إسماعيل، وكأنه لم يخلق إلا للحديث»!

(28) لما كانت قدرة البخاري على الحفظ تبهر الناس وتدهشهم فتوهموا أنه يشرب علاجا خاصا لتمكينه من الحفظ بهذه الظاهرة الفذة.

قال محمد بن أبي حاتم وراق البخاري: «بلغني أن البخاري يشرب البلاذر لأجل الحفظ . فقلت له مرة في خلوة: هل من دواء للحفظ؟ فقال: لا أعلم شيئا أنفع للحفظ من نهمة الرجل ومداومة النظر».

(29) انظر كيف كان البخاري - وهو شاب - عند أهل زمانه؟!

     حكى يوسف بن موسى المروزي، فقال: كنت في البصرة في جامعها؛ إذ سمعت مناديا ينادي: يا أهل العلم لقد قدم محمد بن إسماعيل البخاري، فقاموا إليه، وكنت معهم، فرأيناه رجلا شابا، ليس في لحيته بياض، فصلى خلف الأسطوانة، فلما فرغ أحدقوا به، وسألوه أن يعقد مجلس الإملاء، فأجاب بأنه يجلس غدا في موضع كذا.

     فلما كان الغد حضر: المحدثون، والحفاظ، والفقهاء، والنظارة، حتى اجتمع قريب من كذا كذا ألف نفس؛ فجلس أبوعبدالله - يعني البخاري - للإملاء، فقال قبل أن يأخذ في الإملاء: يا أهل البصرة أنا شاب، وقد سألتموني أن أحدثكم، وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدونها - يعني يحدثهم بأحاديث بلدهم وليست عندهم فتكون فائدة لهم لم يكونوا يعرفونها من قبل -.

     قال: فتعجب الناس من قوله، فأخذ في الإملاء، فقال: حدثنا عبدالله بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد العتكي ببلدكم، قال: حدثني أبي، عن شعبة، عن منصور وغيره، عن سالم بن أبي الجعد، عن أنس بن مالك: أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله، الرجل يحب القوم... الحديث.

ثم قال : هذا ليس عندكم عن منصور؛ إنما هو عندكم عن غير منصور.

قال يوسف بن موسى: فأملى عليهم مجلسا من هذا النسق، يقول في كل حديث: روى فلان هذا الحديث عندكم كذا، فأما من رواية فلان - يعني التي يسوقها - فليست عندكم . انتهى .

(30)  كان البخاري - رحمه الله - يذكر كيف كان استقبال البصريون له..

قال حمدويه بن الخطاب: «لما قدم البخاري قدمته الأخيرة من العراق، وتلقاه من تلقاه من الناس، وازدحموا عليه ، وبالغوا في بره؛ قيل له في ذلك، فقال: كيف رأيتم يوم دخولنا البصرة ؟
قلت: يشير للقصة التي حكاها يوسف بن موسى ونشرتها برقم ( 29).

(31) انظر كيف كان حجم استقبال البخاري في مدينة نيسابور؟!

     قال محمد بن يعقوب الأخرم - سمي محمد بن يعقوب الأصم وكلاهما من شيوخ الحاكم أبي عبدالله -: «سمعت أصحابنا يقولون: لما قدم البخاري نيسابور استقبله أربعة آلاف رجل على الخيل، سوى من ركب بغلا أو حمارا، وسوى الرجالة».

قلت: زمان كان الناس يعرفون قدر العلم وأهله. فيا حسرة على ما نراه في زماننا ، يهان فيه العلماء هكذا!!

(32) قال مسلم بن الحجاج - صاحب الصحيح - : «لما قدم محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور ، ما رأيت واليا ولا عالما فعل به أهل نيسابور ما فعلوا بالبخاري، استقبلوه من مرحلتين من البلد أو ثلاث ».
قلت: كانوا يعرفون للعلماء قدرهم فكيف بإمامهم البخاري!

(33)  شهادة العلماء للبخاري بالفقه، روى الخطيب البغدادي في تاريخه 2/16 بسنده إلى حاشد بن إسماعيل، قال: «كنت بالبصرة فسمعت قدوم محمد بن إسماعيل، فلما قدم قال محمد بن سيار: دخل اليوم سيد الفقهاء».

راجع هدي الساري ص486؛ تهذيب الأسماء واللغات 1/68.

(34)  شهادة العلماء للبخاري بالفقه، قال قتيبة ابن سعيد - وهو من شيوخ البخاري -: «جالست الفقهاء والزهاد والعباد فما رأيت منذ عقلت مثل محمد بن إسماعيل؛ وهو في زمانه كعمر في الصحابة، وقال أيضا : لو كان محمد بن إسماعيل في الصحابة لكان آية»! .

راجع مقدمة فتح الباري ص483 .

(35) شهادة العلماء للبخاري بالفقه، أسند الخطيب البغدادي في تاريخه 2/22، عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قال: «محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة»، قلت: يعقوب الدورقي أحد شيوخ البخاري، وانظر طبقات الشافعية الكبرى 2/223.

(36)  شهادة العلماء للبخاري بالفقه، روى الخطيب في تاريخه 2/22 بسنده إلى موسى ابن هارون الحمال ببغداد: «لو أن أهل الإسلام اجتمعوا على أن ينصبوا مثل محمد بن إسماعيل آخر ما قدروا عليه».

(37) شهادة العلماء للبخاري بالفقه، قال محمد ابن بشار بندار عن البخاري: «هو أفقه خلق الله».

قلت: وبندار شيخه .ر : هدي الساري ص483.

(38)  شهادة العلماء للبخاري بالفقه، قال أحمد بن إسحق السرماري : «من أراد أن ينظر إلى فقيه بحقه وصدقه فلينظر إلى محمد بن إسماعيل»: هدي الساري ص485 .

(39)  شهادة العلماء للبخاري بالفقه، قال علي بن حجر: «أخرجت خراسان ثلاثة: فبدأ بالبخاري، وقال: هو أبصرهم وأعلمهم بالحديث وأفقههم . وقال : ولا أعلم أحدا مثله».

هدي الساري ص485، تهذيب الأسماء واللغات 1/69 .

(40) شهادة العلماء للبخاري بالفقه والإمامة، قال الحافظ في هدي الساري ص485: قال محمد بن أبي حاتم الوراق: سمعت يحيى بن جعفر البيكندي، يقول: لو قدرت أن أزيد من عمري في عمر محمد بن إسماعيل لفعلت، فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموت محمد بن إسماعيل فيه ذهاب العلم.

    قال أيضا : سمعته - يعني يحيى بن جعفر البيكندي - يقول له: لولا أنت ما استطعت العيش ببخارى. وقال عبدالله بن محمد المسندي: محمد بن إسماعيل إمام، فمن لم يجعله إماما فاتهمه. وقال أيضا - يعني المسندي -: حفاظ زماننا ثلاثة : وبدأ بالبخاري .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك