أعدادهم 42 مليونًا ومعظمهم مسلمون اللاجئون دفعوا ثمنًا باهظًا للمؤامرات الدولية وفساد أنظمة الحكم
كشف أكثر من تقرير أممي صادر عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن أعداد اللاجئين في العالم قد سجلت ارتفاعات قياسية خلال الأعوام الثلاثة؛ إذ وصلت هذه الأعداد إلى 24.4 مليون لاجئ مسجل من مختلف أنحاء العالم ولاسيما من الشرق الأوسط والقارة الأفريقية وجنوب شرقي آسيا فيما تصل بعض التقديرات بأعداد اللاجئين إلى 42 مليونًا.
ولفت التقرير إلى أن أعداد اللاجئين قد سجلت ارتفاعًا ملحوظا خلال العام الماضي بنسبة 20%؛ حيث استمر العراق في تصدر قوائم الدول الموردة للاجئين بسبب التوترات الأمنية وفرار الملايين من العنف المتفشي في بلادهم الدور ليسجلوا ثاني أعلى نسبة لاجئين في العالم، فيما استمر اللاجئون الأفغان يتصدرون الترتيب الأول للدول الأكثر تصديرًا للاجئين منذ سقوط ظاهر شاه وما تلاه من غزو سوفييتي لبلادهم وهو ما استمر مع الاجتياح الأمريكي لكابول أواخر عام 2001.
ورصد التقرير ظاهرة مهمة تمثلت في عجز الأمم المتحدة عن تقديم الخدمات لأكثر من 13.7 مليون لاجئ، فيما بقي أكثر من 10 ملايين لاجئ بدون حتى الملاذ الآمن أو الخدمات الأساسية، لافتًا إلى احتياج الأمم المتحدة لأكثر من 102 مليون دولار لتقديم خدمات لأكثر من 5.3 ملايين لاجئ يتوقع انضمامهم إلى طابور اللاجئين ولاسيما من العراق وباكستان.
ولفت التقرير الدولي إلى أن دول الشرق الأوسط وبعض الدول الآسيوية تؤدي الدور الأهم في تصاعد مأساة اللاجئين؛ حيث تتصدر أفغانستان قائمة الدول الأكثر تصديرًا للاجئين؛ حيث تجاوزت أعدادهم حوالي 3 ملايين تستضيف باكستان مليونين ونصفا منهم وهو ما يضعها في مصاف الدول المستضيفة للاجئين، بل إن باكستان دخلت هي الأخرى على خط الأزمة بعد تفجر أزمة المواجهات العسكرية في منطقة وادي سوات لدرجة أن ما يقرب من 3 ملايين قد تحولوا إما للاجئين أو مشردين في بلادهم يفتقدون للملاذ الأمن تليها سورية التي تستضيف ما يقرب من مليوني لاجئ يشكل العراقيون منهم النسبة العليا، فيما تستضيف إيران مليون لاجئ يليها ألمانيا التي تأوي 479 ألف، فضلا عن المملكة الأردنية الهاشمية التي ينتشر في مدنها أكثر من نصف مليون لاجئ مسجل.
صراعات وضحايا
وتابع التقرير بالتأكيد على تصاعد أعداد اللاجئين الصوماليين؛ حيث سجلت المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين وصول أرقامهم لـ 400 ألف لاجئ، فيما يعاني أكثر من مليون صومالي في البحث عن ملاذ آمن ومستقر لهم بعد 17 عامًا من الحرب الأهلية.
ولم تتوقف المأساة الصومالية عند هذا الحد بحسب التقرير الأممي؛ حيث أسهم الصراع بين القوى الإسلامية في الصومال (جناحي جيبوتي وأسمرة) في انضمام ما يقرب من 50 ألف لاجئ صومالي للقائمة موزعين على اليمن وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا يواجهون ظروفًا معيشية صعبة بسبب نقص الإمكانات وعدم قدرة الدول المستضيفة على الوفاء باحتياجاتهم.
وإذا كانت الصورة بهذا الشكل القاتم فإن التقرير رصد وجها إيجابيا سجله التقرير وهو نجاح الأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين في توزيع أكثر من 75 ألف لاجئ على عدد من دول العالم منحدرين من العراق وأفغانستان والعراق والصومال والكونغو وإقليم دارفور السوداني؛ حيث رحبت 14 دولة باستضافتهم فضلا عن استطاعتها تقديم الرعاية اللازمة لحوالي 199 ألف لاجئ في الأشهر الست الأخيرة.
مأساة
وبعد الاستعراض للأرقام التي سجلها التقرير الأممي جدير بنا أن نسجل ملاحظتين مهمتين، أولهما: تجاهل التقرير لأكثر من 6 ملايين فلسطيني يعيشون مأساة كبيرة ويتوزعون في مخيمات تفتقد لأبسط درجات العيش الآدمي في معظم الدول العربية، وزادت مأساتهم مع احتلال العراق وتعرضهم لعملية تصفية على يد ميليشيات القتل الطائفية ورفض عدد من الدول العربية استقبالهم لدرجة أن عديدًا من الدول مثل البرازيل أبدت موافقة على استقبالهم فيما «إسرائيل» تقوم بالسطو على أراضيهم وتنهب ما بها من ثروات ومياه وتستغل أجود أنواع الأراضي لزراعة الخضار والفواكه وتصديرها لمعظم أنحاء العالم، فيما يشكو الفلسطينيون الفقر والتشرد وعدم الترحيب بهم في أغلب دول العالم.
ولم يتطرق التقرير للمخاطر الصحية التي تعصف بالعالم مثل إنفلونزا الطيور والخنازير والسارس والعديد من الأوبئة، ولم تتحدث عن برنامج أممي لتجنيب اللاجئين مثل هذه المخاطر، بل تتركهم أسرى للإصابة بهذا المرض داخل المعتقلات الجماعية قبل البت في طلبات لجوئهم، وهو ما يثير العديد من علامات الاستفهام حول مصداقية التقرير.
وما دمنا نتحدث عن المصداقية فقد غض التقرير الطرف عن استغلال الدول الكبرى لمأساة اللاجئين في العالم ومعها الشركات متعددة الجنسيات لهذه المآسي، والسعي للسيطرة على أراضيهم ودفن نفايات نووية مستغلة غياب حكومات أو سلطات حقيقية في هذه البلاد، وهو ما حدث في أكثر من منطقة في العالم مثل الصومال وأنجولا وأفغانستان، بل إن عددا من لوردات الحرب بهذه البلدان قد تلقوا ملايين الدولارات من أجل غض الطرف عن هذه الجرائم.
المسلمون أغلبية
من الملاحظات المهمة أن أعداد اللاجئين في العالم التي قدرها بعضهم بحوالي 42 مليون لاجئ ينحدرون من 150 دولة، ويتوزع المحظوظون منهم على العديد من الدول في مقدمتهم الدول الأكثر تلقيًا لطلبات اللجوء مثل الولايات المتحدة والسويد والدانمارك والنرويج وأستراليا أغلبهم أو ما يزيد على 70% منهم من بلدان الشرق الأوسط وجنوب الصحراء ومن بلدان أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي ارتبطت مأساتهم بصراعات ومصالح دولية وأطماع إقليمية دفع ثمنها هؤلاء من استقرارهم وأمنهم.
وتعد الولايات المتحدة اللاعب الأهم في مأساة هؤلاء اللاجئين، فبدعمها المطلق لـ «إسرائيل» تتحمل المسؤولية عن مأساة ما يقرب من 6 ملايين فلسطيني، وهي مأساة مرشحة للتكرار ولكن بصورة أكثر مع اللاجئين العراقيين الذين تسجل أرقامهم كل عام أكثر من 1.4 مليون لاجئ بعد الغزو الأمريكي والاحتلال لبلد الرافدين.
ويتكرر السيناريو نفسه مع المأساتين الأفغانية والصومالية، فقد أدت التوازنات والأطماع الدولية دورًا في تشريد الملايين في أفغانستان التي تحولت لأكبر مورد للاجئين في العالم بفعل سقوط الملكية والغزو السوفييتي والخلافات بين المجاهدين، وصولاً لشن حملة عسكرية على طالبان واحتلال أراضيها، وهو الأمر الذي تسبب في تغييب الاستقرار والأمن مما أسهم في نزوح ملايين اللاجئين.
وأما في الصومال فالأمر أكثر سوءاً، فالمأساة ما زالت مستمرة منذ ثمانية عشر عاما؛ حيث أدت القوى الدولية والإقليمية دورا مهما في عرقلة المحاولات المستمرة لحل الأزمة الصومالية، وأحبطت واشنطن اتفاقات صومالية عديدة من بينها اتفاق عرتة، بل وشجعت القوى الدولية إثيوبيا على غزو الصومال واحتلاله، وهو ما فاقم من الأوضاع السياسية والإنسانية والمعيشية في الصومال، بل إنها تدعم حاليا حكومة الشيخ شريف أحمد بالأسلحة بحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، وهو ما سيفاقم المأساة الصومالية ويضاعف من أعداد اللاجئين.
إشعال صراعات
من البديهي الإشارة للدور الكبير للصراعات و النزاعات العسكرية في تفاقم مأساة اللاجئين بها، فالأوضاع في بورما والكونغو الديمقراطية وسيراليون ودارفور وتشاد، فضلا عن الصراع المشتعل في باكستان بين مقاتلي حركة تطبيق الشريعة المحمدية "طالبان باكستان "والجيش الباكستاني في وادي سوات التي خلفت أكثر من 3 ملايين لاجئ أسهمت في تزايد أعداد اللاجئين الذين يعتنق أغلبهم الإسلام كأنه كتب على هذه الأمة أن تعاني أزمات إنسانية ومعيشية تجبر مواطنيها على مغادرة أوطانهم والتحول للاجئين في بلاد الشتات.
ولم تكتف القوى الدولية بالمأساة الرهيبة التي يعانيها اللاجئون وفي طليعتهم حوالي 30 مليون مسلم، بل عملت على زيادة معاناتهم بالربط بين هؤلاء اللاجئين وبين اتهامات بالتورط في أنشطة مشبوهة في مقدمتها طبعا تورط هؤلاء اللاجئين ولاسيما الأفغان منهم في الإتجار في المخدرات والعمل على نشرها في محيط أفغانستان والدول المستضيفة بوصفها محطة للانتقال إلى الغرب، وهي الاتهامات التي حاول أحد أهم مراكز البحوث السياسية والاستراتيجية الأمريكية الترويج لها بالتأكيد على استغلال بعض القوى للاجئين في ترويج المخدرات، وهي اتهامات لم يقدم التقرير أدلة دامغة عليها رغم وجود تقارير دولية تؤكد أن الاحتلال الأمريكي لأفغانستان قد أسهم في رواج زراعة المخدرات بأنواعها المختلفة بعد أن كانت حركة طالبان قد نجحت في الحد من هذه الظاهرة.
أنشطة مشبوهة
وتتضمن الاتهامات التي تساق ضد اللاجئين إقامة اتصالات مع «القاعدة»، والانخراط في أنشطة مؤيدة لها في العديد من الدول المستضيفة للاجئين؛ حيث عملت أجهزة استخبارات غربية على محاولة اتهام اللاجئين العرب والمسلمين في البلدان الأوروبية بالسعي للعمل خلايا نائمة للقاعدة، وتوفير الدعم اللوجيستي لكوادرها، وهي اتهامات لم يتم تقديم أدلة عليها ولاسيما في قضايا مثل تفجيرات مدريد ولندن؛ حيث تورط في هذه العمليات أشخاص يتمتعون بالإقامات القانونية، بل ويحملون الجنسية البريطانية، وهو ما يؤكد عدم استناد الاتهامات التي تسوقها واشنطن لهؤلاء اللاجئين إلى أدلة قوية.
وهناك اتهامات ساقتها الأمم المتحدة عبر بعض أجهزتها بالتورط في أنشطة مشبوهة مثل غسيل الأموال والدعارة وغيرها من الاتهامات، بالرغم أن هذه الجرائم لا تقتصر على اللاجئين فقط بل تورطت فيها شخصيات أممية وقوات حفظ السلام الدولية، وهو ما يجعل تعميمها على اللاجئين غير دقيق ولا يستقيم عند أي تدقيق فيها.
تقاسم نفوذ
يأتي هذا في الوقت الذي انتقد فيه اللواء وجيه عفيفي سلامة الخبير الاستراتيجي السياسي الموقف الدولي المعادي لمأساة اللاجئين في العالم؛ حيث لا يكتفي المجتمع الدولي بعدم التدخل لحل مشكلاتهم، بل يضع العراقيل أمامهم عبر محاولات تشويه صورتهم، لافتا إلى دور واضح للقوى الدولية البارزة في إشعال هذه المأساة؛ حيث دفعت شعوب منطقة الشرق الأوسط وجنوب الصحراء ثمن التنافس بين هذه القوى على مناطق النفوذ.
وشدد سلامة على أن العراق والسودان وتشاد وأفغانستان وباكستان أصبحت تشكل الرافد الأول لهذه الظاهرة حيث أدت الأطماع الدولية في ثرواتهم ولاسيما النفطية دورًا في إشعال الصراع في بلدانها؛ لافتًا إلى أن أغلب اللاجئين في العالم أصبحوا ينحدرون من أصول عربية وإسلامية، وهو ما يؤكد أن نظرية المؤامرة ليست بعيدة عن هذه المأساة؛ حيث سعت واشنطن وحلفاؤها لإشعال الصراعات في بلدان إسلامية لتحقيق إطماع سياسية وإستراتيجية ونفطية، دون الوضع في الاعتبار تداعيات أطماع واشنطن على الأوضاع الإنسانية والاجتماعية في هذه البلدان.
تفاقم المأساة
فيما يرى السفير عبد الحليم بدوي الدبلوماسي والمحلل السياسي أن مأساة اللاجئين في العالم مرشحة للتصاعد خلال الأعوام القادمة ولاسيما في ظل تصاعد الصراعات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وجنوب الصحراء؛ ولافتًا إلى أن دولاً مثل كينيا وزيمبابوي والكونغو ستنتقل إلى مصاف الدول المصدرة للاجئين لتشارك العراق وأفغانستان والصومال والسودان هذه الظاهرة، فضلا عن الأزمة المالية العالمية التي أوجدت حالة من الرفض لاستقبال اللاجئين، وقلصت من الدعم المقدم لهم.
وأوضح الدبلوماسي والمحلل السياسي أن الأطماع الأمريكية الصهيونية في ثروات المنطقة والسعي لحماية "إسرائيل" قد تفاقم من هذه المأساة ولاسيما إذا اشتعلت صراعات مسلحة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، أو اندلعت الحرب بين واشنطن وطهران.
ولفت السفير بدوي إلى أن غياب الديمقراطية في المنطقة وانعدام فرص تداول السلطة وتبني الأنظمة لأفكار شمولية؛ تعزز من فرص استمرار نزوح اللاجئين من دول المنطقة، فضلاً عن دور بعض القوى الدولية في إشعال الصراعات في المنطقة وتحقيق مصالحها على جماجم أطفال وشيوخ المنطقة.
وشدد بدوي على أهمية دور المنظمات الإقليمية مثل منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية لإنشاء صندوق لمواجهة تداعيات تصاعد أعداد اللاجئين في الدول العربية والإسلامية وتخصيص ميزانيات ثابتة، بدلا من تجاهل مأساة اللاجئين الذين دفعوا ثمنا باهظا لمؤامرات دولية وفساد أنظمة الحكم والأوضاع الاقتصادية السيئة, مشددا على أهمية وجود تعاون إسلامي لتجفيف منابع هذه الظاهرة المؤلمة.
لاتوجد تعليقات