أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة
اقتبسها: فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان
النهي عن الغلو في القبور
يتكلم الشيخ(1) -رحمه الله- عن الغلو في القبور والنهي عن ذلك لما يجر إليه من الشرك والمفاسد العظيمة، فيقول: السفر لزيارة قبر من القبور - قبر نبي أو غيره - منهي عنه عند جمهور العلماء، حتى إنهم لا يجوّزون قصر الصلاة فيه بناء على أنه سفر معصية؛ لقوله[ الثابت في «الصحيحين»: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا»(2)، وهو أعلم الناس بهذه المسألة، وكل حديث يروى في زيارة القبر - يعني قبر النبي[ - فهو ضعيف بل موضوع، بل قد كره مالك وغيره من أئمة المدينة أن يقول القائل: زرت قبر النبي[، وإنما المسنون السلام عليه إذا أتى قبره[. وكما كان الصحابة والتابعون يفعلون إذا أتوا قبره، كما هو مذكور في غير هذا الموضع.
ومن ذلك الطواف بغير الكعبة، وقد اتفق المسلمون علي أنه لا يشرع الطواف إلا بالبيت المعمور؛ فلا يجوز الطواف بصخرة بيت المقدس ولا بحجرة النبي [ ولا بالقبة التي في جبل عرفات ولا غير ذلك، وكذلك اتفق المسلمون على أنه لا يشرع الاستلام إلا للركنين اليمانيين، فالحجر الأسود يستلم ويقبل، واليماني يستلم، وقد قيل: إنه يقبل وهو ضعيف.
وأما غير ذلك فلا يشرع استلامه ولا تقبيله كجوانب البيت والركنين الشاميين ومقام إبراهيم، والصخرة، والحجرة النبوية، وسائر قبور الأنبياء والصالحين.
وفي «الصحيحين» عن أبي هريرة ] عن النبي [ أنه قال: «قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»(3)، وفي رواية لمسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، وفي «الصحيحين» أيضا عن عائشة وابن عباس(4) قالا: لما نُزل برسول الله[ طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»؛ يحذر ما صنعوا.
وفي «الصحيحين»(5) أيضا عن عائشة قالت: قال رسول الله[ في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا. وفي «صحيح مسلم» عن جندب بن عبدالله قال: سمعت رسول الله[ قبل موته بخمس وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل؛ فإن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر، ألا وإن من كان قبلكم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك»(6)، وفي «صحيح مسلم»(7) عن أبي مرثد الغنوي أن رسول الله[ قال: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها»، وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله[: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام»، رواه أهل «السنن» كأبي داود والترمذي وابن ماجة، وعلّله بعضهم بأنه روي مرسلا وصححه الحفاظ(8). وفي «الصحيحين»(9) عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما اشتكى النبي [ ذكر له بعض نسائه أنها رأت كنيسة بأرض الحبشة يقال لها: «مارية»، وكانت أم سلمة وأم حبيبة أتيتا أرض الحبشة فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، فرفع رأسه فقال: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله»، وعن ابن عباس ] قال: «لعن رسول الله [ زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج». رواه أهل «السنن» كأبي داود والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن. وفي بعض النسخ: صحيح(10).
وفي «موطأ مالك» عن النبي [ أنه قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد»(11). وفي «سنن أبي داود» عنه أنه قال: «لا تتخذوا قبري عيدا ولا تتخذوا بيوتكم مقابر»(12).
الهوامش
(1) «المجموع» (4/520).
(2) رواه البخاري (1189)، ومسلم (1397) من حديث أبي هريرة.
(3) رواه البخاري (437)، ومسلم (530).
(4) رواه البخاري (435، 436)، ومسلم (531).
(5) رواه البخاري (1330)، ومسلم (529) من حديث عائشة.
(6) رواه مسلم (532).
(7) رواه مسلم (972).
(8) رواه الترمذي (317) وقال: فيه اضطراب، وأبوداود (492)، وابن ماجة (745)، وأحمد (3/83)، وصححه ابن خزيمة (791)، وابن حبان (1699)، والحاكم (1/380)، من حديث أبي سعيد، وانظر: «الفتح» (1/277).
(9) رواه البخاري (427)، ومسلم (528) من حديث عائشة.
(10) رواه الترمذي (1056)، وأبوداود (3236)، والنسائي (2170)، وابن ماجة (1574)، وله عدة طرق عن أبي هريرة وابن عباس وحسان.
(11) سبق (ص168) وأنه صحيح.
(12) «السنن» لأبي داود (2042) وصححه الألباني.
لاتوجد تعليقات