رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر 18 أغسطس، 2020 0 تعليق

أصول الإيمان – من أعظم نعَم الله -تعالى- على عباده نعمة الإيمان (1)

                   

إن أعظم نعَم الله -جل وعلا- على عباده وأفضلها وأكرمها وأولاها بالعناية والاهتمام والشكر والثناء نعمة الإيمان، التي اختص الله -جل وعلا- بها من شاء من عباده، اختص بهذه النعمة العظيمة من شاء من عباده فأكرمهم بها، ومنَّ عليهم بها وأكرمهم بهذه النعمة، {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (الحجرات:17)، {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} (الحجرات:7) {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس:58).

     وإن من يريد أن يقدُر هذه النعمة قدرها، ويعرف مكانتها فليلتفت يمنةً ويسرة، ولينظر في هذا العالم وفي أرجائه، يجد أن الناس متفاوتون تفاوتاً عظيما؛ فمنهم الملاحدة، ومنهم الكفرة، ومنهم العلمانيون، ومنهم اليهود والنصارى، ومنهم من ينتمون إلى الإسلام ولكنهم أهل بدع وأهل خرافات وأهل أضاليل وغير ذلك.

الواجب على كل مسلم

     إذا تأملت أخي المسلم أحوال الناس ورأيتهم كيف أنهم قد انحرفوا وضلُّوا وجانبوا الصواب وابتعدوا عما جاءت به الأنبياء، عرفتَ عِظم هذه النعمة، وعرفت قدرها ؛ فلهذا الواجب على كل مسلم عرف هذه النعمة وعرف قدرها أن يخضع لربه، وأن يستكين له، وأن يلقي نفسه بين يديه -سبحانه وتعالى- وأن يسأله الثبات دوماً على هذا الدين، وقد كان رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وقدوتنا وأسوتنا إذا خرَّ ساجداً لله -عز وجل- يقول: «اللَّهُمَّ مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - يعرف قيمة ها الدين ويعرف قدره، كيف لا؟ وهو الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، وهداهم به من العمى إلى الهدى، ومن الضلال إلى الهدى والفلاح، فالواجب على المسلم أن يشكر الله -جل وعلا- على هذه النعمة.

شكر الله -عز وجل

     ثم لنعلم أن شكر الله -عز وجل- على هذه النعمة لا يكون باللسان فقط، كأن تقول اللهم لك الحمد أو أشكرك يا الله على ما مننتَ به عليّ من نعمة الإسلام؛ فهذا لا يكفي، بل الواجب في شكرك لله أن يكون شكرك له بقلبك ولسانك وجوارحك، فالإيمان بالله -سبحانه وتعالى- ليس كلمة تقال ولا لفظةً يُتلفظ بها بل هو قول واعتقاد وعمل، فشكرك لهذه النعمة أن تتدارس أمور الإيمان ولاسيما أصوله وأركانه، وتتعلمها تعلماً سليماً كما جاء بها النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وأن تتعلم أقواله وأعماله كما جاء بها الرسول - صلى الله عليه وسلم .

الإيمان لغةً وشرعًا

     الإيمان في اللغة هو الإقرار؛ لأنه مشتق من الأمن الذي هو ضد الخوف، من الأمن الذي هو أمن القلب وقراره وسكونه وثقته، فالأمن لغةً: الإقرار، وشرعاً عرَّفه أهل السنة والجماعة - وتعريفهم هو التعريف الذي يعوَّل عليه وما خالفهم فلا يلتفت إليه - عرَّفوه بأنه: قول واعتقاد وعمل، أن تعتقد اعتقاداً جازماً بما أمرك الله -عز وجل- باعتقاده من إيمانٍ به وبملائكته وكتبه ورسله وغير ذلك مما أمرك أن تعتقده، والقول: هو أن تتلفظ بالشهادتين بلسانك، ويكون هذا التلفظ مستنداً إلى اعتقاد القلب الجازم بما يتلفظ الإنسان به، ثم تعمل جوارحك في طاعة الله -سبحانه وتعالى-؛ فليس الإيمان ما كان في القلب فقط، وليس الإيمان ما كان في اللسان فقط، وليس الإيمان ما كان في الجوارح فقط، بل الإيمان مشتمل على هذه الأمور كلها؛ فهو اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، كل هذه تعمل وتخضع وتستكين وتستسلم وتنقاد لأوامر الله -جل وعلا-، هكذا يكون الإيمان.

هكذا يتلقى الخلف عن السلف

     ثم إن هذا الإيمان الذي نتحدث عنه له أصول بيَّنها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتلقاها عنه أصحابه -رضي الله عنهم-، وتلقاها عن أصحابه تابعوهم بإحسان، وهكذا يتلقى الخلف عن السلف ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أصول الإيمان وأسسه وأركانه، فمن أراد الاهتداء والفلاح والفوز والسعادة فليتعلم الإيمان تعلُّماً صحيحا، وليتعلم أركانه كما جاء بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكما نقلها أصحابه -رضي الله عنهم-، هكذا ينبغي للمسلم أن يتعلم الإيمان ومن هذه الطريق ينبغي عليه أن يتلقى الإيمان طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - وطريق الصحابة وطريق سلف الأمة (أهل السنة والجماعة).

أصول الإيمان ستة

     إن (أصول الإيمان) التي نتحدث عنها ستة، بيَّنها النبي - صلى الله عليه وسلم - أتم بيان، فقد جاءه جبريل وهو بين أصحابه - صلى الله عليه وسلم - فسأله أسئلة منها: أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ؟ فقَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ»؛ فهذه أصول الإيمان، ستة أصول بيَّنها لنا نبينا - صلى الله عليه وسلم -؛ فلسنا بعد ذلك بحاجة إلى من يتكلف اختراع أصولٍ من قبَل نفسه أو من هواه، تناقض وتخالف أصول النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما حسبنا أن نتبع ما جاء عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - ؛ فأصول الإيمان ستة: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ». هذه أصول الإيمان الواجب على كل مسلم أن يؤمن بها بقلبه إيماناً جازماً لا يخالطه أدنى شك ولا ريب.

أصول متلازمة مترابطة

     وهذه الأصول الستة متلازمة مترابطة لا ينفك أحدها عن الآخر ؛ فمن آمن ببعضها دون بعض يكون كافراً بها جميعها، فمن قال إني أؤمن بالله وبرسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره وبالكتب، إلا أنني لا أؤمن بالملائكة، ولا أقر بوجودهم؛ لأنني لا أراهم ولا أحسهم أو ما أشبه ذلك فهذا ليس كافراً بالملائكة فحسب! بل هو كافر بالله وبرسله وبكتبه وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره؛ لأن هذه الأركان متلازمة الإيمان ببعضها؛ فيقتضي الإيمان بها جميعاً، فلا يصح الإيمان بركن منها أو بخمسة أركان منها دون الركن الأخير، لا يُقبل هذا العمل من أي أحد، فالواجب الإيمان بهذه الأصول الستة والإيمان بها كما جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكما تلقاها عنه أصحابه -رضي الله عنهم وأرضاهم.

بيانها في القرآن الكريم

     ثم إن هذه الأصول الستة لأهميتها وعظم مكانتها ورفعة شأنها وعلو درجتها، جاء بيانها في القرآن الكريم في مواضع عديدة وفي أماكن مختلفة من القرآن الكريم، ولنأخذ على سبيل المثال: سورة البقرة، هذه السورة اشتملت على هذه الأركان ودلت عليها في أولها وفي آخرها وفي وسطها وفي مواضع أخرى منها، دلت على هذه الأركان وعلى وجوب الإيمان بها، وعلى أن المؤمنين آمنوا بها والتزموها، وعلى ذلك أمر الله -جل وعلا- عباده بالإيمان بها، كل ذلك دلت عليه سورة البقرة.

أوصاف المتقين

     ففي أولها يقول الله -سبحانه وتعالى- في أوصاف المتقين: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)} هذه هي أركان الإيمان الستة الواجب على كل مسلم أن يؤمن بها وأن يعتقدها بقلبه اعتقاداً جازما.

{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}

     ذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- عن أبي العالية وعن غيره من السلف في معنى قوله -سبحانه وتعالى-: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} قال: «أي الذين يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار ولقاء الله كل ذلك من الإيمان بالغيب» هكذا قال أبو العالية وغيره من سلف الأمة، وهذه صفة عظيمة من صفات المؤمنين، أنهم يؤمنون بالغيب، وامتازوا بها عن غيرهم من الناس، فامتازوا بهذه الصفة صفة الإيمان بالغيب ؛ فالكفرة والملاحدة لا يؤمنون بالغيب، لا يؤمنون إلا بما يشاهدونه أو يحسونه أو يرونه أو يسمعونه، لا يؤمنون إلا بشيء تحسه حواسهم الخمسة وما سوى ذلك لا يؤمنون به.

الذين امتنَّ الله عليهم بالإيمان

     أما المؤمنون الذين امتنَّ الله عليهم بالإيمان وهداهم له، ووفقهم إليه، فإنهم يؤمنون بأمور كثيرة لم يشاهدوها ولم يروها ولم يلمسوها، ومع ذلك يؤمنون بها إيماناً جازماً لا يخالطه أدنى شك ولا ريب، فالمؤمنون يؤمنون بوجود الجنة والنار، وأن الله أعد الجنة للمتقين، والنار للعصاة والكافرين والذين منهم أولئك الذين لا يؤمنون بالغيب، فالمؤمنون يؤمنون بالغيب وكل ما يتضمنه الإيمان بالغيب من الإيمان بالله وملائكته وغير ذلك من أمور الغيب، كل ذلك يؤمنون به وإن كانوا لم يروه؛ لأنهم يؤمنون بأن الله بعث إليهم رسولاً صادقاً في أقواله، لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فما قاله ذلك الرسول صدَّقوا به، فهم يشهدون لهذا الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة، ومعنى شهادتهم له بالرسالة أن يصدِّقوه في أخباره، وأن يطيعوا أوامره، وأن ينتهوا عن نواهيه؛ ولهذا كان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه وأرضاه- يحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنه ما آمن أحد بأفضل من إيمانٍ بغيب، الذي آمن بالغيب آمن بأركان الإيمان الستة، وآمن بأمور أخرى جاءت بها رسل الله لم يطَّلع عليها ولم يرها لصدق إيمانه ولرسوخ عقيدته وثبات يقينه، هكذا شأن الإيمان بالغيب وهكذا شأن الإيمان بأركان الإيمان الستة المأمور بالإيمان بها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك