أسلوب اللعب الهادف في التربية والشريعة
احرص أن يكون لعب أطفالك من اللعب المباح والمفيد كألعاب الذكاء، وتقوية الانتباه، وتنشيط الذاكرة، وألعاب الفك والتركيب، وتلوين العبارات النافعة كالأذكار والأدعية
اللعب المباح الهادف لا شك في جوازه للصغار، وأما ما كان لعبًا بمحرم أو أشغل عن واجب، فهذا هو المحرم
إن منهج لعب الصغار مسألة أقرتها الشريعة، بل وحرصت على التربية من خلالها على بعض الأمور، من مثل: ملاعبة النبي صلى الله عليه وسلم لصغير لعله فُطم بقوله: «يا أبا عمير ما فعل النُغير»، ليلهيه عن الحزن على طائرٍ له مات، متفق عليه. ومن ذلك أيضًا ملاعبته صلى الله عليه وسلم للحسين رضي الله عنه ؛ فعن يعلى بن مرة رضي الله عنه أنهم خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعام دعوا له، فإذا حسين يلعب في السكة قال: فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم وبسط يديه، فجعل الغلام يفر ها هنا، وها هنا، ويضاحكه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى في فأس رأسه، فقبله، وقال: حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط، رواه ابن ماجه بسند حسن.
وعن الربيع بنت معوذ -رضي الله عنها- قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائما فليصم، قالت: فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار،. متفق عليه. وفيه تربية الصبيان على الصوم وهم صغار وإشغالهم عن الطعام باللعب.
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق، فقال: «ارموا بني إسماعيل! فإن أباكم كان راميًا، وأنا مع بني فلان» لأحد الفريقين، فأمسكوا بأيديهم، فقال: « ما لكم؟ »، قالوا: وكيف نرمي وأنت مع بني فلان؟ قال: «ارموا وأنا معكم كلكم»، رواه البخاري، وفيه التربية الجادة والتدرب على القتال.
بل وجاء عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لُعب، فقال: «ما هذا يا عائشة؟«، قالت: بناتي، ورأى بينهن فرسًا له جناحان من رقاع، فقال: «ما هذا الذي أرى وسطهن؟»، - قالت: فرس، قال: «وما هذا الذي عليه؟»، قالت: جناحان، قال: «فرس له جناحان!»، قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت نواجذه، رواه أبو داود بسند صحيح، وهذه تربية مقصدها آخر.
وقد قررت هذا -رضي الله عنها- بوصفه منهجاً للصغار، قالت: رأيت النبيصلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا التي أسأم، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو، متفق عليه.
ولما دخل عمر رضي الله عنه والحبشة يلعبون في المسجد، فزجرهم. وفي رواية: «فأهوى إلى الحصباء يحصبهم بها»، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «دعهم يا عمر فإنما هم بنو أرفدة»، الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه ، وقد أخرجه البخاري ومسلم.
قال الألباني -رحمه الله- في الثمر المستطاب 2 /508: «واللعب بالحراب ليس لعباً مجردًا، بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو»، وقال المهلب: «المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين، فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه»، ثم قال -رحمه الله-: وهذا فيه تقييد اللعب الجائز في المسجد بما فيه مصلحة عامة، وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى.
وقد كان هذا من طريقة السلف -رحمهم الله- تطبيقًا لهذه النصوص، فعن إبراهيم بن يزيد النخعي قال: «كان أصحابنا يرخصون لنا في اللِعب كلها، غير الكلاب»، قال أبو عبد الله: يعني للصبيان، رواه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح.
• وأما حديث: «رحم الله أخي يحيى حين دعاه الصبيان إلى اللعب وهو صغير، فقال: اللعب خلقنا؟! فكيف بمن أدرك الحنث من مقاله»، فقد رواه ابن عساكر عن معاذ رضي الله عنه، وهو موضوع، راجع السلسلة الضعيفة 2413.
وليس المراد تفصيل المسألة؛ فاللعب المباح الهادف لا شك في جوازه ولاسيما للصغار، وأما ما كان لعبًا بمحرم أو أشغل عن واجب؛ فهذا هو المحرم، وقد ذكر علماء التربية أن من فائدة اللعب التربوية: إزالة المخاوف عن الطفل، وتنمية مداركه العقلية ومهاراته الحركية، وإثارة تفاعله مع الآخرين، فضلا عن كونه وسيلة تعليمية هادفة لو استغلت استغلالا جيداً.
وعليه فاحرص أن يكون لعب أطفالك من اللعب المباح والمفيد في الوقت نفسه: كألعاب الذكاء، وتقوية الانتباه، وتنشيط الذاكرة، وألعاب الفك والتركيب، وتلوين العبارات النافعة كالأذكار والأدعية، ونحو ذلك، وابحث عن مثل كتاب: لون وفكر والعب، ونحوه من الكتب النافعة.
ومن ذلك أيضًا برامج الحاسوب للأطفال، ففيها خير بديل عن التلفاز، فهي تحفظ القرآن والأذكار، وتعلم التجويد، وتشرح أحكام بعض العبادات، وتشتمل على بعض القصص وشرح الغزوات إلى غير ذلك من النافع بأسلوب رائع.
واجتنب من الألعاب ما فيه صور أو معازف، أو صلبان، أو صوت جرس؛ وغير ذلك مما نهينا عنه.
التربية على النظام
علي بن حسين بن أحمد فقيهي
النُّظُم: هي مجموعة من القواعد والضوابط والتشريعات التي تقوم عليها حياة الأفراد وشؤون المجتمع وأمور الدولة.
تبرز أهمية النظُم وضرورة التشريعات في الجوانب الآتية:
١ - حاجة الإنسان النفسية للاجتماع والتآلف، والتعاون والتعامل، والعيش والتفاعل، ورفع الضرر ودفع الأذى.
٢ - كبح جماح الغرائز الإنسانية والنوازع البشرية الداعية للظلم والجهل، والتعدي والتسلط، والفوضى والتفلت.
٣ - الراحة النفسية والطمأنينة الذاتية بمعرفة الحقوق المتاحة، والواجبات المفروضة، والالتزامات المطلوبة.
٤ - صلاح الإنسان، ورقي المجتمع، ونهضة الدول، واستمرار الحياة، وعمارة الكون: بالالتزام بالمبادئ، والمحافظة على النظم العامة والمشتركة.
٥ - تطبيق العدل وتحقيق المساواة بحسب الإمكانات والقدرات، والحكم والتقويم للأشياء وفق معايير ثابتة، ومقاييس مطَّردة، وقوانين مستقرة.
تمتاز وتنفرد التشريعات والنظم الإسلامية بكونها:
١ - ربانية المصدر والتأسيس.
٢- شاملة لجميع الجوانب المتصلة بالإنسان (الإله، النفس، المجتمع)، وملبية لكل الاحتياجات البشرية.
٣ - تستهدف مراعاة المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.
٤ - الربط والتوافق بين الديني والدنيوي، والذاتي والمتعدي.
٥ - المرونة والملاءمة للظروف والمتغيرات الزمانية والمكانية، والبيئية والمجتمعية.
المتأمل في الواقع النبوي يجد الدعوة والتوجيه، والتشجيع والتحفيز، والتربية والتعويد على الالتزام بالأسس التشريعية والقواعد التنظيمية في جميع الجوانب والمجالات:
١ - في النفس والذات: إن «لنفسك عليك حقًّا»، «لعينِك عليك حقًّا»، «لجسدك عليك حقًّا».
٢ - في الأسرة والعائلة: «الرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته»، «والزوجة راعية في بيت زوجها».
٣ - مع الأقارب والأرحام: «لا يدخل الجنةَ قاطعُ رحم».
٤ - مع الصديق والجار: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
٥ - مع المجتمع والأمة: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(آل عمران: 104).
٦ - مع الإمام والحاكم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}(النساء: 59).
٧ - مع المسلم والكافر: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(الممتحنة: 8).
٨ - في أدنى الآداب: «لقد نهانا أن نستقبل القِبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم».
٩ - في أعظم الواجبات: «ألا تصفُّون كما تصفُّ الملائكة عند ربها؟»، فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: «يُتمُّون الصفوف الأُول، ويتراصون في الصف».
١٠ - في التنسُّك والتعبُّد: «إنَّ الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيءٍ من الدلجة».
لاتوجد تعليقات