أسلم سالمها الله..
امتدح رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - قبائل عربية، كان همها الأول حقن الدماء والعفو والصفح الجميل، جاء ذلك في صحيح البخاري: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال على المنبر: غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، وعصية عصت الله ورسوله».
فكانت غفار كلما جاء فرد من أفرادها عند رئيس العشيرة يشتكي تصرف فرد من قبيلة أخرى يريد توغير الصدر وإذكاء الماضي الأليم أو إيجاد الفتن كان حكيمهم يقول: اغفروا لهم ذلك حتى سميت غفاراً، ولم تخض حربا قط مع أي قبيلة لا في الجاهلية ولا في الإسلام.
والحال نفسه مع قبيلة أسلم التي كان وجهاؤها يدعون دوما إلى السلم وحقن الدماء وإماتة الفتن في مهدها حتى تطور الأمر، وكانت تقبل شفاعتهم بل وتدخل في الصلح، ومثل هذا الخلق دعا إليه الإسلام. ودخل رسولنا -صلى الله عليه وسلم - في حلف الفضول قبل أن يكلف بالرسالة مع أعمامه وقبائل أخرى، وكانت بنوده السلم وحقن الدماء.
وهذا خلق عظيم تميزت به تلك القبيلتان فضلا عن ذلك الحلف الذي امتدحه النبي -صلى الله عليه وسلم -؛ حيث قال: «ولو دُعيت به في الإسلام لأجبت»؛ فحري بكل مسلم أن يمتثل ذلك الخلق الكريم.
وتؤدي الكويت ممثلة بصاحب السمو أمير البلاد -حفظه الله ورعاه ووفقه- دوراً مهماً للتدخل في وساطة لمسألة معقدة بين دول الخليج وتحالفهم الذي يضرب به المثل على أنه أفضل تحالف في المنطقة، فمهما كثرت الخلافات والنزاعات لابد للحكماء والوجهاء أن ينزعوا فتيله، حتى تستمر المحبة والألفة والمودة بينهم؛ مما يعود على الدول والشعوب بالأمن والاستقرار، ولا يظن ظان أن الدول ليس بينها خلافات ولكن تبذل جهدها في التنازل والتفاهم والحوار ووضع الأولويات وإدخال دول أخرى للإصلاح؛ ولذلك قال -سبحانه-: {والصلح خير} وقال -جل في علاه-: {وأصلحوا ذات بينكم}، وهذا ليس للخيار بل للوجوب لتصلح النفوس، وتلتئم الجراحات، ويدخل العفو، وتزال أسباب العدواة، قال -تعالى-: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} (النساء:114).
وقال -صلى الله عليه وسلم -: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدق؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: إنها تحلق الشعر، ولكنها تحلق الدين».
وأجاز الشارع الحكيم الكذب للصلح بين الناس، كما ورد في الحديث «لم يكذب من نمى بين اثنين ليصلح»؛ لأن مصلحة إصلاح ذات البين أعظم من مفسدة الكذب.
ولما بلغ رسولنا -صلى الله عليه وسلم - أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، قال: «اذهبوا بنا نصلح بينهم». فلاينبغي أن ننظر إلى دولنا وقد دخل الشيطان بينهم وزين لهم دون أن نتدخل؛ لأن الذي يجمعنا أكثر مما يفرقنا ويمزقنا؛ ولذلك قال -تعالى-: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}.
فإذا كانت النية طيبة جاءت النتيجة طيبة: {إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما}..
فالصلح خير من الشقاق وخير من الفراق، وخير من البغضاء. نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يصلح النفوس والأحوال، ويؤلف على الخير والمحبة قلوبنا، ويبعد أهل الزيغ والفساد عن طريقنا؛ إن ربي سميع قريب مجيب الدعاء.
لاتوجد تعليقات