رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مركز سلف للبحوث والدراسات 4 ديسمبر، 2016 0 تعليق

أسعد الناس باتباع السلف في أسماء الله وصفاته

المنهج العلمي يحصل بالنقل عن السلف أنفسهم ومن ينتسب إليهم من الأئمة -رحمهم الله-  فهم أحق الناس ببيان ما يعتقدونه وأصدق لهجة في الإفصاح عما يريدون

علماء الحديث المتقدمون هم الحجة في نقل ما كان عليه السلف؛ لأنه قد حصل لهم من عِلْمِه ما لم يحصل لسواهم ممن جاء بعدهم

الصحابة لم يختلفوا في شيء من قواعد اﻹسلام لا في الصفات ولا في القدر ولا في مسائل اﻷحكام ولا مسائل اﻹمامة

 

يكثر في هذه الآونة الحديث عن منهج أهل السنة في أسماء الله وصفاته، وفي أثناء ذلك تُبرَز بعض المناهج المخالفة ويدّعى كونها ممثلة لأهل السنة، حتى صوَّر بعضهم أن منهج أهل السنة إنكارُ اتصاف الله -تعالى- بشيء من الصفات وأن ما ورد منها في النصوص الشرعية معدول به عن معناه، وإنما يقول بهذا في هذا العصر من هو مقلد للمعتزلة فحسب.

     ومنهم من يرى إثبات سبع صفات وحسب ، ويؤولون أو ينكرون ما ورد في غيرهن من النصوص؛ وحقيقة هؤلاء تقليد المنتسبين إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري من المتكلمين، وفئة ثالثة تزعم أنها مثبتة للصفات لكنها مفوضة للمعنى، أي يقولون: إن معاني هذه الصفات مجهولة، وهؤلاء قوم حاولوا الجمع بين مذهب السلف في صفات الله -تعالى- ومنهج المتكلمين، فلم يصيبوا الحقَّ ولم يحسنوا الجمع.

مذهب السلف

وبين هذه الأقوال المتنازعة يحق لطالب الحق أن يسأل: أي هذه الأقوال هو مذهب سلف الأمة من الصحابة وتابعيهم، والأئمة المتبوعين من بعدهم؟!

     والجواب الذي يقتضيه المنهج العلمي يحصل بالنقل عن السلف أنفسهم ومن ينتسب إليهم من الأئمة -رحمهم الله- فهم أحق الناس ببيان ما يعتقدونه، وأصدق لهجة في الإفصاح عما يريدون، وإذا قالوا عن أمر إنه مذهبهم فهو كما قالوا، وينبغي أن تكون عقيدة أهل الإسلام مِن بعدهم تبَع لهم، في توحيد العبادة والربوبية، وفي مسائل الإيمان والقدر، وغير ذلك مما يتعلق بالاعتقاد، ومنه القول في الأسماء والصفات؛ فينبغي إذاً أن تكون عقيدة المسلم في كل ذلك امتداداً لما كان عليه سلف اﻷمة من الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين لهم من اﻷئمة اﻷعلام.

المعتقد في أسماء الله وصفاته

     وعلماء الحديث المتقدمون الذين رووا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال وتقريرات، ورووا آثار أصحابه وتابعيهم بالأسانيد، واعتنوا بدراستها رواية ودراية؛ هؤلاء العلماء هم الحجة في نقل ما كان عليه السلف؛ لأنه قد حصل لهم من عِلْمِه ما لم يحصل لسواهم ممن جاء بعدهم، وقد حكى هؤلاء هذا المعتقد في أسماء الله وصفاته عن الصحابة والتابعين، فدل ذلك على أنه هو مذهبهم الذي ليس للناس بعده معتقد ولا رأي، ولكبار أئمة الحديث من الأقوال ما يؤكد ذلك:

قال اﻹمام الأوزاعي : «كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله -تعالى- فوق عرشه، ونؤمن بما وردت السنة به من صفاته» (اجتماع الجيوش الاسلامية ص ٤٣).

اﻷخبار في صفات الله

     وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة -رحمه الله-: «إن اﻷخبار في صفات الله موافقة لكتاب الله نقلها الخلف عن السلف قرنا بعد قرن، من لدن الصحابة و التابعين إلى عصرنا هذا، على سبيل صفات الله والمعرفة واﻹيمان به، والتسليم لما أخبر الله في تنزيله، مع اجتناب التأويل والجحود وترك التمثيل والتكييف» (ذكره ابن قدامة في ذم التأويل ص١٨).

إثبات ما أثبته الله لنفسه

     وقال اﻹمام ابن خزيمة -رحمه الله-: «فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز، وتهامة، واليمن، والعراق، والشام، ومصر، مذهبنا: أنا نثبت لله ما أثبته الله لنفسه، نقر بذلك بألسنتنا، ونصدق ذلك بقلوبنا من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد المخلوقين، عز ربنا عن أن يشبه المخلوقين وجل ربنا عن مقالة المعطلين، وعز أن يكون عدما كما يقوله المبطلون؛ ﻷن ما لا صفة له عدم، -تعالى- الله عما يقول الجهميون الذين ينكرون صفات خالقنا الذي وصف بها نفسه في محكم تنزيله وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم » (التوحيد لابن خزيمة ج ١ ص ٢٥).

     وتوافق على نقل هذا المعتقد في أسماء الله وصفاته عن الصحابة والتابعين كل من صنفوا في الاعتقاد من أهل الحديث، وكان من متأخري من ألفوا في الاعتقاد على منهج الرواية بالأسانيد، اﻹمام اﻵجري -رحمه الله- (ت٣٦٠)، قال: «اعلموا وفقنا الله وإياكم للرشاد من القول و العمل أن أهل الحق يصفون الله -عز وجل- بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله[، وبما وصفه به الصحابة، وهذا مذهب العلماء ممن اتبع ولم يبتدع، ولا يقال كيف، بل التسليم له واﻹيمان به»(الشريعة ٢ / ٥١).

عصر شيخ اﻹسلام ابن تيمية

     ولم يختلف النقل أن هذا هو مذهب السلف -رضي الله عنهم- حتى جاء عصر شيخ اﻹسلام ابن تيمية -رحمه الله- الذي طلب إلى معاصريه أن يثبتوا له نقلا عن السلف غير ذلك فلم يستطيعوا، رغم أن فيهم أساطين العلماء بالفقه والحديث والتفسير والرواية والدراية، كابن المرحل وابن الزملكاني والصفي الهندي ومن في درجتهم من أئمة عصرهم؛ ولذا قرر -رحمه الله- عقيدة السلف في الأسماء والصفات على ما ثبت نقلها عنهم، فقال -رحمه الله-: «ومذهب سلف هذه اﻷمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فلا يجوز نفي صفات الله التي وصف بها نفسه، ولا يجوز تمثيلها بصفات المخلوقين، بل هو -سبحانه- {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله».(مجموع الفتاوى ٥ / ١٩٥).

اعتقاد أهل السنة

     فأهل السنة يثبتون الصفات بلا تمثيل و ينزهون الله بلا تعطيل { ليس كمثله شيء } نفي للتمثيل، والمراد بالتمثيل : القول بمشابهة الخالق للمخلوق تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً { وهو السميع البصير} نفي للتعطيل،  والمراد بالتعطيل إنكار اتصاف الخالق بالصفة.

     ومن المتقرر أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يقرؤون القرآن بتدبر و فهم ﻵياته، وكانوا يعملون به حق العمل، وكانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عما أشكل عليهم فهمه وانغلق عليهم علمه، فيسألونه عن الحلال والحرام، و المتأمل لكلام الله يرى بوضوح كثرة آيات الصفات، فهل يمكن أن يقال: إنهم ــ أي الصحابة ــ كانوا يقرؤون اﻵيات ولا يفهمون معناها، وقد اشتهر عنهم السؤال عما أشكل؟! لا يمكن!

     جاء في الصحيحين: أن عائشة -رضي الله عنها- كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حُوسب عذب» قالت عائشة: فقلت: أوليس يقول تعالى {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} قالت: فقال: «إنما ذلك العرض ولكن من نوقش الحساب يهلك».

     قال ابن أبي حاتم : «فأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل، وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله -عز وجل- لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقه فرضيهم له صحابة وجعلهم لنا أعلاما وقدوة فحفظوا عنه صلى الله عليه وسلم ما بلغهم عن الله -عز وجل- وما سن وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدب، ووعوه وأتقنوه ففقهوا في الدين، وعلموا أمر الله ونهيه ومراده – بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاهدتهم له تفسير الكتاب وتأويله، وتلقفهم منه واستنباطهم عنه؛ فشرّفهم الله -عز وجل- بما منّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة؛ فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والغمز، وسماهم عدول الأمة؛ فقال -عز ذكره- في محكم كتابه: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} ففسر النبي صلى الله عليه وسلم عن الله -عز ذكره- قوله (وسطا) قال: عدلا، فكانوا عدول الأمة وأئمة الهدى، وحجج الدين ونقلة الكتاب والسنة. وندب الله -عز وجل- إلى التمسك بهديهم والجري على منهاجهم والسلوك لسبيلهم والاقتداء بهم فقال: {ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى} اهـ. (مقدمة الجرح والتعديل ص ٧).

حال الصحابة رضي الله عنهم

     قال شيخ اﻹسلام ابن تيمية ــ مبينا حال الصحابة -رضي الله عنهم- في أصول الدين ــ: «والصحابة لم يختلفوا في شيء من قواعد اﻹسلام لا في الصفات ولا في القدر ولا في مسائل اﻷحكام ولا مسائل اﻹمامة، لم يختلفوا في ذلك بالاختصام في اﻷقوال فضلا عن الاقتتال بالسيف، بل كانوا مثبتين لصفات الله التي أخبر بها عن نفسه، نافين عنها تمثيلها بصفات المخلوقين، مثبتين للقدر كما أخبر الله به ورسوله مثبتين للأمر و النهي والوعد والوعيد، مثبتين لحكمة الله في خلقه وأمره، مثبتين لقدرة العبد واستطاعته ولفعله مع إثباتهم للقدر إلى غير ذلك من أصول اﻹسلام وقواعده» (منهاج السنة ٦ / ٣٣٦).

     وقال ابن القيم -رحمه الله-:  «وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل اﻷحكام وهم سادات المؤمنين وأكمل المؤمنين إيمانا ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة في مسائل اﻷسماء والصفات واﻷفعال، بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب و السنة كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم، ولم يسموها تأويلا، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلا، ولم يبدوا لشيء منها إبطالا، ولا ضربوا لها أمثالا، ولم يقل أحد منهم: يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها، بل تلقوها بالقبول و التسليم و قابلوها باﻹيمان و التعظيم، وجعلوا اﻷمر فيها كلها أمرا واحدا، ولم يفعلوا كما فعل أهل اﻷهواء والبدع؛ حيث جعلوها عضين وأقروا ببعضها وأنكروا بعضها من غير فرقان مبين، مع أن اللازم لهم فيما أنكروه كاللازم فيما أقروا به وأثبتوه» (أعلام الموقعين ١ / ٨٣ ــ٨٤).

محل إجماع بين السلف

فاﻹيمان باﻷسماء و الصفات و إثباتها على حقيقتها محل إجماع بين السلف، والآثار في ذلك كثيرة معلومة. ومن القواعد السلفية التي قررها أهل السنة والجماعة في باب اﻷسماء والصفات وقد دل عليها الكتاب والسنة:

صفات الله توقيفية

     صفات الله توقيفية فلا تُثبت أو تُنفى إلا بدليل من الكتاب أو السنة، وقد جاء الكتاب و السنة بلغة العرب، وعلى وفق أفهام العرب ينبغي أن يفهما، وإن أي تأويل لمعاني الكتاب و السنة خلاف ما كانت العرب تفهم فإنه تحريف للكلم، قال اﻹمام أحمد رحمه الله : «لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسولهلا يتجاوز القرآن والحديث».(الحموية ص ٦١ ).

معرفة الله وأسمائه وصفاته بالسمع لا بالعقل

     وجوب معرفة الله وأسمائه وصفاته بالسمع لا بالعقل: قال اﻹمام اللالكائي -رحمه الله- : «وجوب معرفة الله -تعالى- وصفاته بالسمع لا بالعقل».(شرح أصول اعتقاد أهل السنة ٢ / ٢١٦). فيتحصل مما سبق أن صفات الله -تعالى- من عالم الغيب، وأن المصدر الوحيد لمعرفة تفاصيل عالم الغيب الكتاب والسنة وليس شيء غير ذلك .

وإثبات معاني أسماء الله وصفاته لا يستلزم العلم بالكيفية ، كما أن الجهل بالكيفية لا يستلزم الجهل بالمعنى، ولذلك قال اﻹمام مالك -رحمه الله-: «الاستواء معلوم والكيف مجهول واﻹيمان به واجب والسؤال عنه بدعة»

     ومع ثبوت الصفات بالنصوص لا يصح التحجج بالعقل لإثباتها ، فإن كل ما كان من عالم الغيب فمصدره النص ، والعقل مصدّق للنص في ذلك وليس حاكماً عليه، بل لا يجوز تحكيم العقول في النصوص، قال اﻹمام السجزي -رحمه الله-: «ولا خلاف بين المسلمين في أن كتاب الله لا يجوز رده بالعقل بل العقل دل على وجوب قبوله والائتمام به، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ثبت عنه لا يجوز رده، وأن الواجب رد كل ما خالفهما أو أحدهما؛ واتفق السلف على أن معرفة الله بالعقل ممكنة غير واجبة، وأن الواجب من طريق السمع؛ ﻷن الوعيد مقترن بذلك {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} فلما علمنا بوجود العقل قبل اﻹرسال وأن العذاب مرتفع عن أهله، ووجدنا من خالف الرسل والنصوص مستحقا للعذاب، بينا أن الحجة هي ما ورد به السمع لا غير».(الرد على من انكر الحرف والصوت ص ١٣٥).

أسماء الله وصفاته تثبت بخبر اﻵحاد

     قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} إلى غير ذلك من اﻷدلة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث اﻵحاد من أصحابه إلى أرجاء المعمورة ليعلموا الناس العقائد واﻷحكام، قال اﻹمام الشافعي: لو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبّته جاز لي، ولكن أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد بما وصفت من أن ذلك موجود على كلهم».(الرسالة ص٤٥٨).

فخلصنا أن عقيدة السلف في أسماء الله وصفاته من الصحابة والتابعين ومن بعدهم هي: إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من اﻷسماء والصفات، دون تكييف أو تمثيل، وترك الجحود و التعطيل.

     وخلصنا إلى أن أسعد الناس وأحقهم بوصف أتباع السلف وعقيدة السلف وطريقة السلف هم الذين يقولون بهذه العقيدة، ويقفون عند حدود علم السلف، وينتهون عن الخوض في تعمقات المتكلفين وتأويلات المتكلمين وتحذلق المستدركين على سلف الأمة في أخص ما اختصوا به وهو العقيدة الصافية والمحجة البيضاء.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك