رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. هند بنت مصطفى شريفي 18 أبريل، 2016 0 تعليق

أسس بناء العلاقة الزوجية في الإسلام

أهم أسس المحافظة على العلاقة الزوجية مراعاة خصوصياتها وعدم إفشاء أسرارها؛ فليس كل ما يدور بين الزوجين قابلا لأن يذاع

 

هناك جملة من الأسس الإسلامية والآداب التي تبنى عليها العلاقة الزوجية المتوافقة الناجحة، التي بدورها إذا توافرت ساعدت على تحقيق مقاصد الزواج وأهدافه، ويمكن إجمالها على النحو الآتي:

محبة الله وطاعته

 الأساس الأول: قيام العلاقة الزوجية على محبة الله -تعالى- وطاعته:

     إن اجتماع الزوجين على ما يرضي الله -تعالى- هو أعظم أساس لبناء السعادة في الأسرة المسلمة، فالله وحده -تعالى- هو الذي يؤلف بين القلوب ويجمع بينها، وطاعته لها أثر كبير في سيادة الألفة والمحبة والتوافق بين الزوجين، والتأمل في الصورة الرائعة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم تبين حلاوة هذه العلاقة: «رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت رش في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى رشت في وجهه الماء»، كما أكد النبي صلى الله عليه وسلم  على أهمية بدء الحياة الزوجية بطلب التوفيق والسعادة من الله بالدعاء الذي علمه لمن أراد الدخول على أهله: «اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه».

العشرة بالمعروف

 الأساس الثاني: العشرة بالمعروف: لقد أمر الله -عز وجل- الزوج بحسن العشرة، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(النساء 19)، وكرم الأخلاق والاحترام والتقدير المتبادل بين الزوجين أمر مهم لنجاح هذه العلاقة، وقاعدة العشرة بالمعروف تقوم على ركنين هما: حسن الخلق، والرفق، اللذان يزينان كل أمر كانا فيه، ويشينان كل أمر نزعا منه، وقد تسوء معاملة الزوج لزوجته نتيجة موروثات فكرية خطأ تقضي بأن على الرجل أن يفرض شخصيته القاسية على زوجته منذ يوم زواجهما الأول، مع الفهم المغلوط لمعنى القوامة وتغليفها بالقسوة، وقد أشارت إحدى الدراسات الخليجية إلى أن سوء المعاملة بين الزوجين كان سببا أساسيا في 79% من حالات الطلاق، والباحثة ترى أن سبب ذلك هو البعد عن الهدي النبوي في التعامل الزوجي.

تحمل المسؤولية

الأساس الثالث: تحمل المسؤولية من كلا الطرفين: لا يستقيم بناء العلاقة الزوجية إلا بتأدية الحقوق الواجبة - معنوية كانت أو مادية - لكل طرف على الآخر، وتحمل كل منهما مسؤوليته المناطة به في كيان الأسرة، ذلك أن المسؤولية مقسمة وموزعة في الحياة الزوجية على كل من الزوجين بما يتلاءم مع طبيعته وخلقته، قال صلى الله عليه وسلم : «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الأمير راع والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».

     فالعلاقة الزوجية علاقة تعاون بين الزوجين؛ حيث تقع عليهما مسؤولية حفظ هذا البناء بوصفه مسؤولية مشتركة بينهما، وعموما يزداد التوافق إذا كان لدى الزوجين القدرة على أن يقوم كل منهما بواجبه ومسؤولياته تجاه الآخر، وتجاه الأبناء والأسرة عموما، وكذلك إذا كان لدى الطرفين القدرة على التعامل مع المشكلات الداخلية والخارجية بكفاءة وإيجابية في اتجاه الحل والمواجهة دون إخلال بدوره أو تفريط في مسؤوليته، رغم أن الملاحظ في واقعنا المعاصر جهل الكثير من الأزواج والزوجات بحقوق الآخر، مع تشدده في المطالبة بحقوقه هو، وهذا من الأسباب الرئيسة لانفصام هذه العلاقة، فكم من الأزواج من يحتل شريك حياته ذيل قائمة الاهتمامات لديه بعد الوظيفة والأهل والأصدقاء والرغبات الخاصة!

المحافظة على الأسرار

الأساس الرابع: المحافظة على أسرار الحياة الزوجية: من أهم أسس المحافظة على العلاقة الزوجية مراعاة خصوصياتها وعدم إفشاء أسرارها؛ فليس كل ما يدور بين الزوجين قابلا لأن يذاع على الأهل والجيران والأصدقاء، وهذا يشمل العلاقة الزوجية الخاصة والمعاشرة بين الزوجين؛ حيث بين النبي صلى الله عليه وسلم سوء من يفعل ذلك بقوله: «إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها»، فكم تهدمت أسر حين فوجئ الزوج بأن الجيران يعرفون أدق أسرار حياته ويتناقلونها بينهم، وكم طلبت الزوجة الطلاق عندما علمت أن ما تستره عن أعين الناس قد بات مكشوفا أمام أصدقاء زوجها، يتسامرون به في سهراتهم.

العدل

الأساس الخامس: العدل: يعد العدل أحد أسس الحياة الزوجية المهمة؛ لأنه يقوي بناء الأسرة، ويحقق صفاء القلوب وتآلف النفوس، ويؤدي إلى التوازن في النظر إلى إيجابيات شريك الحياة وفي سلبياته، كما وجه النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بقوله: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر، ومنه الاعتراف بفضل العشير وشكره والثناء عليه وتقدير ما يقدمه وتكرار ذلك لطيب أثره على العلاقة الزوجية، كما ضرب لنا صلى الله عليه وسلم أكمل المثل في العدل بذكر الحسنات حتى بعد الموت، بوفائه لذكرى أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها-، حتى غارت عائشة -رضي الله عنها- من ذكره لها فتقول: «ما غرت على امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما غرت على خديجة لكثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها وثنائه عليها».

     ومن العدل المطلوب في العلاقات الزوجية العدل عند تعدد الزوجات، وقد تميز الهدي النبوي بالمثل الإنساني العالي في هذا العدل في العديد من المواقف التي حفظتها لنا سيرته الطاهرة، كما أن من صور العدل المؤثرة على صفاء العلاقة الزوجية العدل في إعطاء الحقوق لأصحابها؛ فللزوج حق، وللوالدين حق، وللأبناء حق، ولذوي الأرحام حق، وعلى الزوجين إعطاء كل ذي حق حقه.

اختيار الأكفاء

الأساس السادس: اختيار الأكفاء من الأزواج: عندما يشب الفتى والفتاة ويصبحان في سن الزواج، وتتطلع أنفسهما لذلك، تعتريهما أصناف من الحيرة، وتنتابهما أفكار عديدة تحمل الخوف والأمل لتحديد مواصفات شريك الحياة المناسب، فكل طرف في العلاقة المرتقبة قد نشأ وعاش في ظروف قد تكون متباينة تماما عن ظروف الآخر، ويتصف أحدهما بخصائص وسمات مختلفة غاية الاختلاف عن خصائص وسمات الآخر، ولكل منهما تكوينه النفسي والثقافي الفريد، وبالرغم من ذلك فلا ضير ولا خوف من زواج شخصين بينهما هذا الاختلاف؛ فالفروق الفردية تعد من الأشياء الطبيعية في الكيان الإنساني، والزواج ليس نهاية المطاف، بل هو بداية طريق جديدة، وعلاقة متينة تنجح- بعد توفيق الله- إذا تم الاختيار وفق أسس سليمة وواقعية دون غش أو تزوير أو خداع، وقد وجه الشرع الحكيم إلى أهم عنصر في الاختيار، وهو الدين في قوله صلى الله عليه وسلم عن صفات المرأة: تنكح المرأة لأربع: لجمالها وحسبها ولمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك، كما بين أن الدين والخلق هي أهم صفات الرجل، بقوله: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد: فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلا وكمالا؛ فلا تزوج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر، ولم يعد القرآن والسنة في الكفاءة أمرا وراء ذلك، فإنه حرم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث، ولم يعد نسبا ولا صناعة، ولا غنى ولا حرية، فجوز للعبد القن نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفا مسلما، وجوّز لغير القرشيين نكاح القرشيات، ولغير الهاشميين نكاح الهاشميات، وللفقراء نكاح الموسرات.

      وكذلك إرشاده ومشورته لفاطمة بنت قيس -رضي الله عنها- لما استشارته وقد تقدم لخطبتها معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم -رضي الله عنهم- فقال لها: «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد» فكرهته، ثم قال: «انكحي أسامة» فنكحته، فجعل الله فيه خيرا واغتبطت، قال الإمام النووي -رحمه الله-: وأما إشارته صلى الله عليه وسلم  بنكاح أسامة فلما علمه من دينه وفضله وحسن طرائقه وكرم شمائله فنصحها بذلك، فكرهته لكونه مولى، وقد كان أسود جداً، فكرر عليها النبي صلى الله عليه وسلم الحث على زواجه لما علم من مصلحتها في ذلك وكان كذلك.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك