رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: صلاح الشرقاوي 21 يناير، 2014 0 تعليق

أسس النهوض لأهل السنة والجماعة(1)


لا يخفى على أحد ما يمر به أهل السنة الآن من تكالب الأعداء عليهم من كل حدب وصوب، وما انتشر بينهم من خلاف وشقاق مع غياب رأس يجتمعون عليه، أو رؤية موحدة يسعون إلى تحقيقها، حتى تشرذموا وضعفوا وأصبحوا شذر مذر؛ ولذا هممت أن أسطر كلامًا في كيفية النهوض من هذه الكبوة لعل الله أن ينفع بها مستعينا بالله تعالى راجيًا فضله وستره وأن يصلح نيتي وذريتي وأن يفتح بها قلوب عباده:

- من أول القواعد والأسس التي يجب أن يلتزمها أهل السنة والجماعة الاعتصام بالكتاب والسنة وما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان في الاتفاق والاختلاف، فإن الأدلة متضافرة على الأمر بالاعتصام والنهي عن التفرق قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (آل عمران: 103)، وقال: {وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}(الروم: 31- 32)، وقال: {ولاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(آل عمران: 105)، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(الأنفال: 46)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تحاسَدوا، ولا تَناجَشوا، ولا تباغَضوا، ولا تدابروا، ولا يبِعْ بعضُكُم علَى بيعِ بعضٍ، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا المسلمُ أخو المسلمِ، لا يظلِمُهُ ولا يخذلُهُ، ولا يحقِرُهُ التَّقوَى ههُنا ويشيرُ إلى صدرِهِ ثلاثَ مرَّاتٍ بحسبِ امرئٍ منَ الشَّرِّ أن يحقِرَ أخاهُ المُسلمَ، كلُّ المسلمِ علَى المسلمِ حرامٌ، دمُهُ، ومالُهُ، وَعِرْضُهُ»، وقال صلى الله عليه وسلم : «المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيان، يشدُّ بعضُه بعضًا. وشبّك بين أصابعِه»، وقال صلى الله عليه وسلم : «لا تَجْتَمِعُ هذِهِ الأمَّةُ – أوْ قال: أمةُ محمدٍ – على ضلالَةٍ، ويدُ اللهِ على الجماعَةِ ، ومَنْ شَذَّ شَذَّ في النارِ».

     وأما ما جاء في القيد المذكور: «وما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم باحسان»؛  فدليله قول ربنا: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(التوبة: 100)، وقول النبي: «عليكم بالسَّمعِ والطَّاعةِ وإن تأمَّرَ عليكم عبدٌ حبشِيٌّ كأنَّ رأسَهُ زَبيبةٌ، وعليكم بسنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشدينَ المهديِّينَ من بعدي تمسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنَّواجذِ وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ محدَثةٍ بدعةٌ وكلَّ بدعةٍ ضلالَةٌ».

- ثانيًا: تحقيق الأخوة الإيمانية وتجنب العصبية: قد يظن بعضهم أن الكلام عن هذا الموضوع من نافلة القول وإنه كلام مكرر محفوظ، ولكن واقعنا يشهد أن من فهموا معنى الأخوة وحققوها قلة نادرة جدا وليس أدل على ذلك مما نحياه الآن في ظل الخلافات التي تعصف بأهل السنة عصفا.

     فكم من أخ ما كنت تتخيل أبدا أن تفارقه يوما من الدهر، فضلا عن أن تتجرأ عليه «فتسبه أو تطعن في نيته أو تسخر منه أو تتهمه بما ليس فيه أو تهجره أو تشنع عليه» ثم قد صار كل ذلك.

     ومازال الأمر هكذا حتى يعرض هذا ويعرض هذا، ثم ندخل في تأويل المواقف بتأصيل الهجر الشرعي وما يتبعه من أحكام تكون في غالبها قائمة على التسرع وليس على التحقيق من اتهام «بخيانة أو جبن أو خبث أو انتكاسة فضلا عن التبديع والتكفير عياذا بالله من سوء المنقلب».

     ولأن هذه الركيزة - الأخوة الإيمانية - من أعظم الركائز فسوف أطيل الكلام عنها بما ييسر الله تعالى، فأرجو أن لا يمل المتابع، وأن يفتح قلبه لهذه المعاني؛ فإنها ترقق القلب، وتورث الخشوع بإذن الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}(ق: 37).

     لقد  حرص النبي صلى الله عليه وسلم عليها حرصا شديدا عندما هاجر فآخى بين المهاجرين والأنصار؛ فحققوا أعلى مقامات الإيثار والتضحية، كما قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }(الحشر: 9)، وأرجو أن تتامل ما في هذه الآية من أسرار: يحبون من هاجر إليهم وهم لا يعرفون ذواتهم من قبل، وليس مع المهاجرين ما يطمع فيه فينتظرون رد العطايا منهم  ولا يجدون في صدورهم حاجة قال ابن كثير: ولا يجدون في أنفسهم حسدا للمهاجرين فيما فضلهم الله به من المنزلة والشرف، والتقديم في الذكر والرتبة «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة» قال ابن كثير: يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدؤون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك.

     فهذه أخلاقهم وتلك سماتهم كانت ثمرة طبيعية لتربية مستمرة متأنية {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}(الفتح: 29)، أما نحن فنتعجل دوما، ومن تعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه، فحرمنا هذه المعاني الجميلة، فترانا أسرع الناس فرقة وقت محنة إلا ما رحم ربي اللهم اجعلنا من المرحومين؛ فاقتسموا البيوت وهَمَّ بعضهم أن يطلق إحدى نسائه لأخيه فحجبته عفته كما في الحديث.

     قدِمَ عبدُ الرحمَنِ بنُ عَوفٍ المدينَةَ، فآخَى النبي صلى الله عليه وسلم بينَهُ وبينَ سعدِ بنِ الرَّبيعِ الأنْصاريّ،ِ فعرَضَ عليهِ أنْ يُناصِفَهُ أهلَهُ ومالَهُ، فقال: عبدُ الرحمَنِ بارَكَ اللَّهُ لك في أهلِكَ ومالكَ دُلَّني علَى السُّوقِ، فرَبِحَ شَيئًا من أَقِطٍ وسَمْنٍ، فرآهُ النبي صلى الله عليه وسلم بعدَ أيامٍ وعليهِ وضَرٌ من صُفْرَةٍ، فقال النبيُّصلى الله عليه وسلم : «مَهيَم يا عبدَ الرحمَنِ». قال: يا رسولَ اللهِ، تزوجتُ امرأةً من الأنصارِ، قال : «فماسُقْتَ فيها». فقال: وزنَ نَواةٍ من ذهبٍ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «أولِم ولو بشاةٍ» (رواه البخاري).

ومما يعين على تحقيق الحب في الله أن تعرف ثمراته، فالحب في الله له ثمرات طيبة يجنيها المتحابون من ربهم في الدنيا و الآخرة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك