«أسرار الدار»
- أولى من يعرف أسرار أعظم دار هو من عاش فيها بالفعل وهن أمهات المؤمنين وقد أذن لهن في جواز كشف تلك الأسرار لتعميم الفائدة وتحقيق الهدف السامي وهو الاقتداء بسيد الخلق أجمعين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم .
بين أيدينا كتاب جديد أضيف للمكتبة الإسلامية، عنون له مؤلفه الشيخ. خالد سلطان السلطان (مدير إدارة الكلمة الطيبة) بـ(أسرار الدار)، تناول فيه 34 خبرًا من أخبار العلاقة بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وزوجاته أمهات المؤمنين (سيدات نساء العالمين)، وجاء الكتاب في جزء واحد مغلف، ويبلغ عدد صفحاته 172 صفحة، وقد قدم له الشيخ د. عبدالله بن صالح بن محمد العبيد، وختمه بوصية للشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه لله- للأزواج.
مقدمة الشيخ د. عبدالله بن صالح بن محمد العبيد
جاء في مقدمة الشيخ د. عبدالله بن صالح بن محمد العبيد: وجدت هذا الكتاب لطيفا في بابه، أحسن فيه مؤلفه الفكره والاستنباط، وأبدع في الاختيار والالتقاط، كما حث الأزواج والزوجات، والأولاد والبنات، ولاسيما المقبلين على الزواج على اقتناء هذا الكتاب؛ لما فيه من حسن العشرة، ودوام الألفة، وختم الشيخ العبيد مقدمته بالدعاء للمؤلف وتوجيه الشكر له على هذا الجهد المبارك.مقدمة المؤلف
وقد أسماها المؤلف مقدمة الأسرار، وفيها تعرض لقصة هذا الكتاب، وأنه تلقى دعوة من فرع جمعية إحياء التراث الإسلامي بمدينة سعد العبدالله؛ لإلقاء محاضرة؛ فاقترح عليهم أن تكون بعنوان (أسرار من داخل البيت)، ثم ذكر قيامه بإلقاء سلسلة من الدروس، فكانت فرصة لزيادة هذه الأسرار ونشرها للعامة والخاصة. وقد بين د. السلطان أن أولى من يعرف أسرار أعظم دار هو من عاش فيها بالفعل وهن أمهات المؤمنين، وقد أذن لهن في جواز كشف تلك الأسرار؛ لتعميم الفائدة وتحقيق الهدف السامي وهو الاقتداء بزوجهن سيد الخلق أجمعين محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم -، قال الله -جل وعلا-: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}.مهام رسول الله - صلى الله عليه وسلم
بين المؤلف بعض مهام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ومنها: أنه - صلى الله عليه وسلم- كان يتلقى الوحي من ربه، وأنه - صلى الله عليه وسلم- مأمور بتبليغ رسالة الإسلام للناس جميعا، كما أن من الأعمال الموكلة إليه - صلى الله عليه وسلم- تعليم الناس الدين والشرع الحكيم، ومن وظائفه - صلى الله عليه وسلم- الكبرى- دعوة الناس إلى دين الله، كما بين أن من أكبر مهامه - صلى الله عليه وسلم-، إدارة الدولة، وتصريف حاجة الناس والقيام بترتيب الأمن الداخلي والخارجي، وأن من وظائفه العظمى - صلى الله عليه وسلم-، إمامة الناس في الصلاة وخطبة الجمعة والعيدين وغيرها من المناسبات، ومن أعمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم أيضا-، الخروج بنفسه غالبا للجهاد في سبيل الله مع الجيش الذي يخرج مدافعا عن المدينة وحرماتها، وأن من مهامه الإنسانية والبشرية، أنه - صلى الله عليه وسلم- زوج، وأب، وجد، وذو رحم وقرابة، وجيرة وإخوة في الله.أسرار الدار
ثم شرع في الكتاب بتناول العديد من أسرار بيت النبوة التي أذن بذكرها، وكان له منهج في تناول هذه الأسرار؛ حيث يتعرض لكاشف السر ببطاقة تعريفية ثم السر نفسه ثم تحليل السر، ثم نتائجه، والنهاية تكون بالمسرة. ونتناول فيما يلي ثلاثة من أسرار الكتاب التي ذكرها المؤلف على سبيل المثال لا الحصر:(1) كان بشرا من البشر
بطاقة تعريف لكاشف السر: أم المؤمنين عائشة بنت الإمام الصديق الأكبر خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، أبي بكر عبدالله بن أبي قحافة التي تلتقي بنسبها الرفيع مع ذي النسب الشريف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بجده الثامن (مرة) فما فوق، وقد نقل المؤلف عن الذهبي قوله عنها -رضي الله عنها وعن أبيها- أنها أفقه نساء الأمة على الإطلاق، تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بمكة قبل الهجرة بعامين، ودخلت عروسا في بيت رسول الله بعد الهجرة في المدينة بشهر شوال سنة اثنتين. مع السر: قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: «كان - صلى الله عليه وسلم- بشرا من البشر». تحليل السر: قال الله -تعالى-: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}. قال البغوي في تفسيره قال الله -تعالى-: {قل} أي يا محمد للناس جميعا. {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} قال ابن عباس -رضي الله عنه -: علم الله رسوله التواضع؛ لئلا يزهو على خلقه؛ فأمره أن يُقر فيقول: إني آدمي مثلكم، إلا أني خُصصت بالوحي وأكرمني الله به. نتائج السر: خاطب الشيخ مؤلف الكتاب كلا من الزوجين قائلا: أيها الزوج، أيتها الزوجة، تواضعا لبعضكما، وعيشا البشرية التي خلقكما الله عليها، والفطرة السليمة التي جبلكما الله عليها، ولنقتدي بسيد الخلق - صلى الله عليه وسلم- حتى نصل للسعادة في دنيانا وآخرتنا.. المسرة: قل وقولي: أنا بشر.. وعيشا حياتكما.(2) سترته وناولته
بطاقة تعريف لكاشف السر: أخذ المؤلف يعرف بصاحبة السر التي كانت أمنا ميمونة بنت الحارث، التي من عطر سيرتها أن شهد لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالإيمان هي وأخواتها -رضي الله عنهن أجمعين- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «الأخوات الأربع: ميمونة وأم الفضل وسلمى وأسماء بن عميس أختهن لأمهن مؤمنات». مع السر: تقول أمنا ميمونة: وضعت لرسول الله غسلا وسترته بثوب (فاغتسل)، ثم قالت: فناولته خرقة، فقال بيده هكذا ولم يردها. تحليل السر: أعدت أم المؤمنين ميمونة غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فهيأت له كل ما يحتاج إليه. ثم قامت تستر النبي بثوب؛ لكي يغتسل بكل حرية ولا تدع مجالا لأي أحد لكشف خلوته، ولما انتهى من غسله ناولته خرقة (أي: المنشفة والفوطة؛ لتنشيف جسده) وفيه بيان لحملها المنشفة واستعدادها لخدمة زوجها - صلى الله عليه وسلم- فرد رسول الله الخرقة، واكتفى بلباس ثيابه من غير حاجة للتنشيف. نتائج السر: قيام الزوجة بخدمة زوجها في مثل هذه الحال دليل على التحبب والتقدير ورغبة في التودد وحسن العشرة. المسرة: كن سيدا وكوني سيدة بخدمة شريك حياتك.(3) مسح دموعها بيده
بطاقة تعريف لكاشف السر: صفية أم المؤمنين بنت حيي بن أخطب بن سعية، من سبط لاوي بن نبي الله إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم، -عليهم السلام- ثم من ذرية رسول الله هارون -عليه السلام. مع السر: تقول أم المؤمنين صفية بنت حيي: إن النبي - صلى الله عليه وسلم- حج بنسائه فلما كان في بعض الطريق نزل رجل فساق بهن فأسرع؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: كذلك سوقك بالقوارير؟! يعني النساء فبينما هم يسيرون برك بصفية بنت حيي جملها، وكانت من أحسنهن ظهرا، فبكت وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حين أخبر بذلك فجعل يمسح دموعها بيده. تحليل السر: طلب المؤلف بالتأمل في تلك العاطفة الجياشة التي جرت على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم مسح دموع زوجته صفية، فواساها بعد سقوطها من جملها، وفي هذا دليل على شفافية روحه وكريم أخلاقه ورقة قلبه وكمال بشريته - صلى الله عليه وسلم. نتائج السر: نصح المؤلف القارئ أن يكون رحيما بزوجته، وأنه إذا رأى عبراتها يواسيها، وإذا سالت دموعها يمسحها بيديه، وأن يقتدي بالرسول - صلى الله عليه وسلم-، كما نبه على أهمية إخراج صدق المشاعر والرحمة لشريك الحياة مع عدم البخل بهبا فيفوت خير كثير. المسرة: لا تنتظر؛ فإذا جاءت المناسبة فبادر وأظهر لخلك صدق المشاعر! ثم تناول المؤلف الخلاصة واختصارا لعدد من الوصايا إلى الزوجين من العالم الجليل الوالد (محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله).وصية العلامة الألباني للأزواج
على الزوجين أن يتطاوعا ويتناصحا بطاعة الله -تبارك وتعالى- واتباع أحكامه الثابتة في الكتاب والسنة، ولا يقدما عليها تقليدا أو عادة غلبت على الناس، أو مذهبا. كما أن عليهما أن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض الله عليه من الواجبات والحقوق تجاه الآخر، فلا تطلب الزوجة -مثلا- أن تساوي الرجل في جميع حقوقه، ولا يستغل الرجل ما فضله الله -تعالى- به عليها من السيادة والرياسة؛ فيظلمها، ويضربها دون حق. وأنه على المرأة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به، في حدود استطاعتها؛ فإن هذا مما فضل الله به الرجال على النساء.الخاتمة
ثم كانت خاتمة الكتاب بعنوان: (خاتمة الأسرار) التي نبه فيها د. السلطان على أهمية العمل بنتائج الأسرار المذكورة في الكتاب، وأنها رحمة كلها وإحسان وأخلاق ومودة وحب وحكمة كلها، ولم لا؟ وهي تشريع إلهي وسلوك نبوي مقبول عقلا ومشروع نقلا، وهي طرائق للسعادة ومنهج لحسن العشرة، وبين أننا علينا أن نستعين بالله في تطبيقها، وأن نجتهد ونجاهد أنفسنا في عملها مصطحبين أمرين عظيمين:- الأول: إخلاص النية لله -جل وعلا.
- الثاني: الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم- الذي هو أسوتنا وقدوتنا، وقد أمرنا بأن نعمل بعمله وأن نقتدي بفعله في شأننا كله.
لاتوجد تعليقات