رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فَتْحي بِن عَبدِ الله المَوْصِليِّ 30 يناير، 2023 0 تعليق

أسرارٌ قرآنيةٌ في بناء الدعوة الربانيّة

 

لا يتصف الداعية إلى الله -تعالى- بالفقه الجامع والنظر الشامل في باب الدعوة إلا إذا كان مستنده: التوجيهات القرآنية والأدوية النبوية والتجارب العلمية، تحركه النوايا الصالحة والمقاصد النافعة والهمم العالية، وهذا الوصف لا يقدر عليه إلا فقيه النفس بالأحوال، وفقيه الأحكام بالمسائل والأعمال، لهذا كان الدعاة إلى الله -تعالى- على بصيرة في كل زمان هم أطباء القلوب وحكماء العقول وفطناء النفوس، تارةً يخاطبون بالحكمة وتارة أخرى يذكرون بالموعظة وتارة ثالثة يجادلون بالحُسنى، أما تشخيصاتهم فدقيقة وأدويتهم نافعة وعلاجاتهم متكاملة؛ حتى صارت نتائجهم سليمة وأحكامهم صحيحة وثمراتهم كثيرة.

ومن خصائص هذا النوع من الدعاة ما يلي:

- أولاً: قدرتهم على التشخيص: فهم يستفصلون -في مقام التشخيص- هل الحالة من قبيل الزلة والعثرة أم من قبيل الفتنة والشهوة أم من قبيل المرض والشبهة؟

- وثانيا: ومن خصائصهم أنهم يجمعون في خطاب الدعوة بين المناصحة والمباعدة، وبين المعالجة والمعاقبة، وبين المطالبة والمدافعة في آن واحدٍ.

التشخيص بناء على فقه الواقع

     فعملهم يقوم على التشخيص بناء على فقه الواقع، وعلى تعيين الخلل بناء على التجارب، وعلى الشروع بالمعالجة بناء على فهم الواجب، وقد يستعملون أكثر من دواء للعلاج، ولا سيما إذا كان مرض المدعو يصنف على أنه مرض قلبي مزمن عضال، ولنضرب مثالا من القرآن لهذا النوع من العلاج:

     وهذا المثال يتعلق بدعوة المنافقين ومحاورتهم؛ فإن النفاق مرض قلبي معد في الأفكار ومتعدي الضرر بين الأشخاص؛ لهذا نحتاج في دعوة أهل النفاق إلى:

- التحذير من نفاقهم.

- دفع الشبهات الواردة على لسانهم.

- مناصحتهم ووعظهم.

     فالدواء مركب من المباعدة والمناصحة، أو المعاقبة والمعالجة معاً، أو المدافعة والمناصحة، كما قال الله -تعالى-: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا}، فجمعت الآية بين الابتعاد عنهم وتركهم وعدم الاشتغال بهم، وبين موعظتهم على سبيل التعليم والتذكير، وبين مناصحتهم سرا أو علناً بحسب المصلحة، ومخاطبتهم بخطاب فيه قوة وتأثير وشدة وتخويف وتحذير، جمعت كل هذه الأساليب.

     لهذا لا يصلح في خطاب المنافقين ودعوتهم الإعراض والعقوبة والابتعاد فقط، كما لا يصلح معهم اللين والمناصحة والوعظ فحسب؛ فلابد أن تكون المعالجة بالمعاقبة الممزوجة بالمناصحة، وقد يغلب جانب العقاب على جانب الوعظ والإرشاد والعكس، بحسب الحال والزمان، وقد تقوم طائفة بوظيفة الوعظ والإرشاد، وتقوم طائفة أخرى بمهمة المباعدة والمعاقبة على وجه التعاون والتكامل بين الدعاة.

     وهذا هو السر في وصف القرآن لبعض أنواع الانحراف بالمرض؛ لا لمجرد بيان خطرها، ولا للوقوف على أسبابها، وإنما لبيان أن هذا النوع من الانحراف والاختلال يتطلب طبيبًا معالجًا ودواءً ناجعًا، وأسلوبًا خاصا في المعالجة، ومن ليس له نور من القرآن في دعوة الناس فلا يقدر على فقه العلاج والمعالجة للفساد.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك