رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: كمال الدين شيخ محمد عرب 16 يونيو، 2015 0 تعليق

أسباب التوتر بين الحكومة الفيدرالية وإدارة (جوبالاند) الصومالية

يتحيرالمتابع السياسي فضلا عن العادي التوترات والحروب التي تسود مدينة (كسمايو) عاصمة إدارة (جوبولاند) بخلاف غيرها من المدن أو المناطق الصومالية، بدءا من سقوط الحكومة المركزية عام 1991م، ومرورا بالجبهات التي نشأت إثر سقوط الحكومة التي عاثت فيها فسادا وخرابا، وانتهاء بمليشات العقيد (بري هيرالي) الذين لم يقصروا بدروهم في إراقة المزيد من الدماء، وما من شارع من شوارع المدينة إلا ويروي لك قصة من قصص الحروب التي حدثت، والدماء التي سالت، إلى أن وقعت تحت حكم حركة الشباب المجاهدين الذين أحكموا السيطرة على المدينة بيد من حديد، وحكم لا يرحم، واصبحو سببا في نزوح الشعب منها فرار من بطشهم، حتى أصبحت المدينة خاوية على عروشها، وتم السيطرة عليها أخيرا من قبل أحمد مدوبي الرئيس الحالي للمنطقة، المدعوم من قبل الحكومة الكينية، وكل يسعى للتفرد بالهيمنة على هذه المدينة الاستراتيجية التي تضم مطارا وميناء إقليميين، وتعد إحدى أكبر بؤر التوتر السياسي في جنوب الصومال.

رفض البرلمان الصومالي شرعية مجلس نواب إدارة جوبا، وذلك بعد مصادقته في جلسته بمقر البرلمان بأغلبية ساحقة على مقترح ضد تشكيلة برلمان جوبا، تقدم به نواب صوماليون في وقت سابق.

     وصوت 132 نائبا صوماليا لصالح تأييدهم المقترح ضد تشكيلة برلمان إدارة جوبا، فيما صوت أربعة أعضاء لصالح رفضهم المقترح، وامتنع ستة أعضاء عن التصويت؛ الأمر الذي أغضب إدارة جوبا واصفين القرار بغير الشرعي، وتحميل الحكومة الصومالية مسؤولية العواقب الوخيمة لذالك القرار.

     تقع (كسمايو) على ساحل المحيط الهندي، ويصب نهر جوبا من البحر في ـقرية (جوب وين) التّي تبعد عن المدينة 15 كم شمالا، وفي المدينة أجمل الأراضي السّياحيّة، والمناظر الخلّابة الجميلة، فضلا عن الأراضي الزّراعيّة الخصبة الّتي تتميز بها، ولوقوعها على ذلك الموقع الاستراتيجي المهّم بذاته، فإنها أصبحت محط أطماع الكثير من الدول والسياسيين.

     لم يتم انتخاب السيد أحمد محمد إسلام (أحمد مدوبي) رئيسا لإدارة جوبا في أواخر عام 2013م، حتى تصاعدت وتيرة الخلافات بين الحكومة الصومالية وإدارة جوبا، وكانت قضية (جوبالاند) قد طال حديثها وتطاول ليلها حتى عقدت أخيرا الحكومة الإثيوبية مؤتمرا في أواخر شهر أغسطس من عام 2013م واستضافت فيه كلا من رئيس الحكومة الصومالية وقائد إدارة جوبا أحمد مدوبي، وبعد مد وجزر تم توصل الطرفين إلى اتفاقية سميت فيما بعد بـ(اتفاقية أديس أبابا) التي وقعها الطرفان، ووصلت إليه الأطراف المشاركة إلى توقيع اتفاقية سلام تلزم الموقعين عليها بعدم اشعال فتيل العنف في (كسمايو) مرة أخرى، تم عده بمثابة «حقن الدماء» ومبادرة جديدة لوقف نزيف الدم بين أطراف الصراع في (كسمايو).

أزمة الإدارة في المدينة

     غير أن الحكومة الفيدرالية من منطلق حفاظها على سيادة البلد، فإنها أيضا تريد أن تكون لها اليد العليا في إدارة المدينة بحكم استراتيجيتها وخيراتها وكون إدارة الموانئ والمطارات من اختصاص الحكومة المركزية، وهي تخاف كذلك من مآلات تكوين إدارة للمدينة وعلاقتها بالحكم المركزي فيما إذا تمخض الاختيار عمن لا يتناغم معها أو لا يُكنّ لها أي احترام، وربما يكون ولاؤه للقوى الإقليمية أعمق وأقوى من ولائه للصومال.

     ولا تخلو من الساحة لعبة سياسية من قبل دول عالمية تساهم بدروها في زعزعة الأمن والاستقرار، بحثا عن مصالحها، لا سيما النفط الذي اكتُشف قريبًا في سواحل الصومال، ولم يكن هذا البلد الفقير الذي يقع على القرن الإفريقي (الصومال) يحظى بهذا الاهتمام المتزايد من قبل تلك الدول، لولا الخيرات الطبيعية الهائلة المخرونة فيه، من النفط غير المنقب عنه، فضلا عن اليورانيوم؛ الأمرالذي جعل البلد مفتوحا للأيادي الخارجية.

مسارالأزمة وآفاق المستقبل

     يصعب التكهن بما ستؤول إليه أمور مدينة (كسمايو) الساحلية، لكثرة الطامعين واختلاف أطماعهم، غير أن الباحثين يؤكدون ان تورط الحكومة الصومالية في ملف (كسمايو) فشل ذريع، وأن المواقف الشديدة التي تتخذها الحكومة ضد إدارة جوبا، هي محض خطوات غير حكيمة ليست لصالحها، بينما يعتقد آخرون أن الحكومة تخوض حربا بالوكالة، وليست سوى ورقة ضغط لتحريك ملف (كسمايو)، على أساس أنها تخدم جهات خارجية، وتطمع بالمدينة الساحلية حسب روايتهم.

     ويبدو أن ملف مدينة (كسمايو) ومن يديرها أصبح صداعا مزمنا في رأس إدارة الحكومة الصومالية، ويبقى هكذا إلى أجل يصعب تحديده، بحكم موقعها الاستراتيجي، والأطماع الدولية الكثيرة؛ حيث تريد كل جهة أن تستأثر بإدارة المدينة، ولذلك فمن الصعب بمكان أن تعيش المدينة هدوءاً سياسيا، إلا من خلال تقاسم الأدوار بين الحكومة الصومالية و(جوبولاند)، ويحصل التفاهم بينهما على كيفية إدارة المدينة خصوصًا ما يتعلق بأمنها واستقرارها، لكن هذا الاتفاق يظل بعيد المنال في ظل الأطماع القبلية والشخصية والدولية.

     وعلى الرغم من أن نقاط الاتفاق أكثر من نقاط الاختلاف بين جميع الأطراف المعنية بالمدينة إلا أن هناك تباينًا واستياء بين الحكومة الصومالية وإدارة (جوبالاند) في كيفية إدارة المدينة؛ الأمرالذي أدى إلى اتهامات متبادلة بين الطرفين؛ حيث يتهم كل فريق الآخر بعرقلة المشروع، ويبدو أن الحكومة الصومالية تتوجس من القوات الكينية التي يُعتقد أنها وجه آخر لقبيلة معينة، والإثيوبية التي يُنظر إليها على أنها تساند قبيلة معينة وتخاف من أخري، وبهذا تتهمهما بإهمال الحكومة وتهميشها، أو الرغبة في الإستحواذ على سيطرة المدينة لصالحها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك