رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد آل رحيم 11 مارس، 2017 0 تعليق

أسباب الانحراف الفكري ( 2)

من أخطر الأمراض التي تفشت في مجتمعاتنا قديماً وحديثاً، بل وربما يكون أهمها على الإطلاق  مرض الانحراف الفكري الذي نشأ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،  وتصدى له بكل قوة،  كما في حديث ذي الخويصرة الذي طعن في عدالة النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيرها من المواقف، ولكن نور النبوة قضى على تلك الانحرافات.

     وقلنا: إن هذا الانحراف له أسباب كثيرة ذكرنا منها ترك العمل بالقرآن الكريم، والخلل في فهم نصوصه، واليوم نتكلم عن السبب الثالث وهو: ترك العمل بالسنة.

تعريف السنة ومكانتها

     إن للسنة مكانة عظيمة في الإسلام؛ فهي شقيقة القرآن، ومثله في الحجة، وهي المبينة للقرآن، تفصيلاً لمجمله وتوضيحاً لمبهمه، وهي وحي من الله -تعالى- القائل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}؛ ولهذه المكانة العظيمة أجمع أهل العلم على أن الاشتغال بطلبها من أعظم القربات إلى الله لارتباط أمر السنة بأصول الاعتقاد؛ ولذلك فالزلل في شأنها خطير، والعمل لتصحيح الاعتقاد حولها واجب.

تعريف السنة لغة واصطلاحاً

 لغةً: السيرة المتبعة والطريقة المسلوكة والمنهج والمذهب حسناً كان أم قبيحاً، غير أن استعمالها في الحسن أكثر.

ومنه قول خالد بن عتبة الهذلي: «فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها، وأول راض سنة من يسيرها».

      وقد ورد إطلاق السنة في القرآن على معاني معتمدة منها هذا المعنى: وهو الطريقة والسيرة والنهج الذي كان عليه الأسلاف، ومنها  النموذج الذي يُحتذى ويُقتدى به، والإمام الذي يؤتم به، ومنها البيان وابتداء الأمر، وجميعها لها صلة بمعنى السنة في الاصطلاح.

السنة في الاصطلاح

     وللسنة اصطلاح عام أجمع عليه العلماء، ولها اصطلاحات خاصة بحسب أغراض العلوم الشرعية، قال ابن منظور: والسنة إذا أطلقت في الشرع فإنما يُراد بها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، ونهي عنه، وندب إليه قولاً وفعلاً مما لم ينطق به الكتاب العزيز (انتهي).

     قال شيخ الإسلام: إن السنة التي يجب اتباعها، ويحمد أهلها، ويذم من خالفها هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور الاعتقادات وأمور العبادات، وسائر أمور الديانات، وذلك إنما يُعرف بمعرفة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم  الثابتة عنه في أقواله وأفعاله، وما تركه من قول وعمل. (مجموع الفتاوى).

     وقد تطلق السنة على ما كان عليه عمل الصحابة -رضي الله عنهم-  واجتهدوا فيه، وأجمعوا عليه، وذلك كجمع المصحف، وتدوين الدواوين، قال صلى الله عليه وسلم : «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين».

     كما تطلق السنة على ما يقابل البدعة،  وذلك فيما يحدثه الناس في الدين من قول أو عمل مما لم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه؛ فيقال فلان على سنة إذا عمل على وفق ما عمل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ،  ويقال فلان على بدعة إذا عمل على خلاف ذلك، وقد تطلق السنة على غير الفرائض من نوافل العبادات التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم وندب إليها .

السنة وحي كالقرآن

     قال -تعالى-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}؛ وقد نص أهل العلم على أن ذلك يشمل السنة أيضاً: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ}. أي قرآناً وسنة، {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ  إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ  فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ  ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَه}.

     وبيان القرآن هو السنة: {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}، قال الإمام الشافعي: سمعت ممن أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (الرسالة).

{مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}، فقد قرر -تعالى- أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي طاعة الله؛ وما ذلك إلا لأن سنته وحي من الله.

الأدلة من السنة

     قال صلى الله عليه وسلم : «ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله؛ فما وجدنا فيه حلالا استحللناه، وما وجدنا فيه حراما حرمناه، وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم  كما حرم الله» رواه  الترمذي كتاب العلم، وقوله صلى الله عليه وسلم : «ألا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَه». أبي داوود

     وعن عبد الله بن عمرو قال : كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم  أريد حفظه  فنهتني قريش  فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر  يتكلم في الغضب والرضا،  فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: «اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق». رواه أحمد حديث صحيح والأدلة أكثر من أن تٌحصى، وكذلك نص السلف على ذلك: فقد كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى أنس عندما كان عامله على البحرين، وفيه: هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أمر  الله بها رسوله. وقال عمر رضي الله عنه: يا أيها الناس إن الرأي إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيباً؛ لأن الله -تعالى- كان يريه.

وقال التابعي حسان بن عطية: كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن.

وقال الإمام ابن حزم: القرآن والخبر الصحيح بعضهما مضاف إلى بعض، وهما شيء واحد في أنهما من عند الله.

وقال أبو البقاء: والحاصل أن القرآن والحديث (السنة) يتحدان فى كونهما وحياً منزلاً من عند الله.

 وجوب العمل بها والتحذير من مخالفتها

     قال ابن باز -رحمه الله-: أجمع العلماء قديماً وحديثاً على أن الأصول المعتبرة في إثبات الأحكام وبيان الحلال والحرام كتاب الله  الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحى. (انتهي).  

     قال أما الأصل الثاني: وهو ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  وما جاء فى كتاب الله من الأمر باتباعه وطاعته، وذلك موجه إلى أهل عصره ومن بعدهم؛ لأنه رسول الله إلى الجميع؛ لأنهم مأمورون باتباعه وطاعته حتى تقوم الساعة، قال -تعالى-: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}،  وقال -تعالى-: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً}، وقال -تعالى-: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}. 

     قال ابن باز: وفي هذه الأيات الدلالة الواضحة على أن الهداية والرحمة في اتباعه صلى الله عليه وسلم ، وكيف يمكن ذلك مع عدم العمل بسنته أو القول بأنه لاصحة لها أو لا يُعتمد عليها؟! (انتهي). 

التحذير من مخالفة السنة

     قال -تعالى-: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وقال -تعالى-: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، والأيات كثيرة وكلها تدل على وجوب طاعته كما سبقت الأدلة بوجوب اتباع كتاب الله  وطاعة أوامره ونواهيه، وهما أصلان متلازمان، من جحد واحداً منهما فقد جحد الآخر وكذب به، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى». البخاري.

     وروي أن عمران بن حصين كان جالساً ومعه أصحابه، فقال رجل من القوم: لا تحدثونا إلا بالقرآن قال: فقال له: أدنه فدنا فقال: أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعاً وصلاة العصر أربعاً والمغرب ثلاثاً تقرأ قي اثنتين ؟أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد الطواف بالبيت سبعاً والطواف بالصفا والمروة؟ ثم قال: أي قوم خذوا عنا؛ فإنكم والله إلا تفعلوا لتضلن.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك