رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 7 أغسطس، 2017 0 تعليق

أساليب نافعة في مخاطبة الصغار..!

 

 تعد أساليب الخطاب ومضامينه هي الجسر الذي تعبر من خلاله رسائلنا التربوية إلى أبنائنا يومياً، فلا يكاد الكلام ينقطع بين المربي وأبنائه على مدار اليوم والليلة؛ لذا كان علينا أن نقف قليلاً لنراجع معاً مفردات خطابنا اليومي للأبناء، في أي الاتجاهات تسير؟ وما الرسائل التي توصلها إليهم؟

ولأن الصورة التي يرسمها الطفل عن نفسه هي نتيجة كلماتنا عنه؛ كان لنا أن نبين هذه الأساليب التربوية المثلى لمخاطبة الأبناء بنهج إيجابي وبنّاء:

- خاطبهم على قدر عقولهم:

     ففي مدرسة النبوة نتعلم أنّ مخاطبة الأبناء في حدود إمكاناتهم ومستواهم العقلي، يعد الجانب التطبيقي لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم - وسنته في مخاطبة الناس عموماً على اختلاف طبقاتهم في الفهم والإدراك، وفي مخاطبة الصغار بنهج يتناسب مع مداركهم التي لا تزال في بواكيرها، يقول -صلى الله عليه وسلم -: «نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، ونكلمهم على قدر عقولهم»، ولقد أشار الإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- إلى تلك القاعدة التربوية بقوله:

«ويقتصر المعلم بالمتعلم على قدر فهمه، فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله فينفره» «د. محمد بدري: اللمسة الإنسانية، ص470- بتصرف -».

     كما أنّ كلاًّ من الأبناء يحتاج إلى لغة الخطاب التي تتفق مع عمره، ومستواه العقلي والإدراكي، والمرحلة التي يمر بها، ومن ذلك أيضاً أن يلتزم بالمستوى اللغوي الذي يستوعبه الابن، ولا يتحدث معه بلغة ذات أبعاد ومعان بعيدة لم يصل إليها بأفكاره بعد، ولم يستوعب معانيها، فالإجابة عن أسئلة الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة وحواراتهم مع والديهم تختلف لغة الخطاب فيها تماماً عن حوارات المراهقين القريبة إلى الجدال والمماراة، وهكذا لكل مقام مقال.

قلل من الأوامر والنواهي:

كثرة إلقاء الأوامر تساعد على تكوين المقاومة لدى الطفل؛ فطفلك مثلك تماماً لا يحب الأوامر الكثيرة المتتالية والتي تَحِدُّ من حريته، وتؤدي به إلى العصيان والتمرد.

     ولو أننا راقبنا ألفاظنا يوماً واحداً لوجدنا أنّ أسلوب الأمر يحتل الغالبية العظمى من مفردات حديثنا مع الطفل، وهو ما لا يساعد في بناء شخصيته بناء متوازناً سليماً. (كريم الشاذلي: الآن أنت أب،ص:117). فلتكن تلك الأوامر مقترحات أو طلب، من خلال جمل قصيرة وإيجابية، فبدلاً من: «لا ترم كتبك – توقف عن الإهمال والفوضى»، تقول بحزم: «الكتب مكانها فوق الرف.. !».

تكلم بوضوح، ولا تعمم:

     تفشل الإرشادات إذا كانت غير واضحة للطفل، يكتنفها التعميم والغموض، فمثلاً إذا قلت لولدك وقد تناثرت لعبه في أرجاء حجرته: «لا تترك لعبك هكذا» فماذا عساه أن يفهم من هذه العبارة؟ قد لا يفهم ما الذي عليه أن يفعله، وبالتالي سيحجم عن فعل أي شيء، بينما لو كانت العبارة: «اجمع لعبك، وضعها في السلة المخصصة لها»، فقد توصل هذه العبارة أمراً واضحاً للطفل يمكنه أن يقوم به.

وقولك: «اذهب ونظّف غرفتك».. هذه الجملة قد يتبعها التقصير من الصغير، بخلاف قولك: «اذهب وضع ملابسك في الدولاب، واللُعَب في الصندوق، والكتب في المكتبة، ثم اجمع المهملات من الأرض وضعها في سلة القمامة».

وهكذا فالعمومات في الألفاظ لا يفهمها الطفل لأنها تعطيه توجيهات غير دقيقة.

اختصر؛ فخير الكلام ما قل ودلّ:

     لا يتحمل الطفل أن يتلقى باستمرار محاضرات كلامية لا تجدي نفعاً ولاسيما في حالة تعليمه سلوك أخلاقي؛ فغرس السلوك الحسن له أساليب فعّالة سوى الكلام؛ إذ لا تمثل الكلمات سوى 7% من عملية الاتصال، بينما تمثل نبرة الصوت 38%، في حين تمثل حركات الجسم وتعبيرات الوجه 55%.

     كذلك فإنّ مدة تركيز الطفل بمتواصل = عمر الطفل+ دقيقتين، وهذا يعني أن طفل الخامسة يستطيع أن يركز لمدة سبع دقائق متصلة، لذلك يحسن بك-عزيزي المربي- مراعاة قلة الكلام وانتقاء الألفاظ عند توجيه الطفل، مع الاهتمام بالإيماءات ونبرة الصوت والإشارات والحركات. (محمد سعيد مرسي : كيف تكون أحسن مرب في العالم؟، ص:119).

غيّر من نغمة صوتك لصالح المعنى المراد:

فصوتك أداة فعّالة، وتنوع النبرات الصوتية حسب الانفعال النفسي من معجزات الله -سبحانه- في جانب البيان الإنساني.

بل قد يكون صوت الإنسان من أهم وسائل التعبير عما يريد، وتراوح نغمة الصوت بين الارتفاع والانخفاض، والانحباس والانطلاق، والسرعة والبطء في الأداء، والرقة والفخامة، يؤدي إلى توصيل المعاني بطريقة صحيحة.

وقد يفلح تغيير مستوى الصوت في توقف المشاغبة أو إلزام الطفل بفعل ما تريد أكثر من أي وسيلة أخرى. »عمرو أبوليلة - نسيبة أحمد: حتى لا يتحول طفلك من امبراطور إلى ضفدعة، ص:55»

لا لعسف الأوامر:

     ونقصد هنا الأسلوب الخطابي الذي يحتوي على ألفاظ متعسفة، ويتضمن إملاء الأوامر على مسامع الطفل بأسلوب ينتهره، ولا يقبل منه مناقشة تلك الأوامر، كما يخلو عادةً هذا الأسلوب من احترام رغبات الطفل ولا يمنحه اختيارات بل يلزمه بتنفيذ رغبات الوالدين فقط، وعلى الفور، وبدون مناقشة، مع التهديد والتلويح بالعقاب إذا حدث ثمة تأخير، مثل:» انتبه، اسكت، امنع الصوت، اخفض صوتك، لا تتحرك، اذهب لغرفتك، اذهب الآن للبقالة وأحضر الطلبات،.... » وهكذا.

إنّ أقل الأضرار التي تسببها الأوامر الصارمة والأساليب المتعسفة، هي إصابة الطفل بالخوف، وشعوره الدائم بالإحباط والفشل، وعدم ثقته بنفسه، وعجزه عن تأكيد ذاته. (زهرة عاطفة زكريا: التربية الخطأ وعواقبها، ص:56).

لا للتهديد:

«اسكت وإلا أحضرت لك البوليس، اذهب لتنام أو أحبسك في حجرة الفئران.. !»

     كثيراً ما تنطلق عبارات التهديد من فم الوالدين موجهة للأبناء محاولين بذلك حجزهم عن ارتكاب خطأ ما، على حين يعد التهديد المستمر وسيلة تربوية تعلن عن فشلها، فالمربي الذي يظل طوال اليوم يهدد ويتوعد إنما يعبر بذلك عن ضعف شخصيته، وهذه هى الفكرة التي تنطبع حتماً في ذهن الأبناء عنه.

كما أن التهديدات العنيفة التي تنطلق نارية في لحظات الغضب تُحدث نتائج عكسية تماماً، فهي تجعل الطفل لا يعبأ بها، بل ويتجاهل مصدرها؛ لأنه سرعان ما يدرك أن تلك التهديدات غير جادة، وأنّ شيئاً منها لن يحدث.

زيّن عباراتك:

     زيّن كلامك وألفاظك وعباراتك، وكل ما يصدر من فمك لأبنائك بألفاظ تعبر بصراحة عن عظيم حبك لهم، وتقديرك لذواتهم، وأنك تشتاق إليهم إذا غبت عنهم؛ فالكلمة الطيبة صدقة، ولها أثر كبير على نفسية الأبناء وتعلقهم بالوالدين، فكن أباً رحيماً لا يهجر الحب قلبه، صاحب قلب معطاء ومحب بلا شروط.

وأخيراً.. عزيزي المربي.. كن هادئاً

فكلما كان صوتك هادئاً كان طفلك أسرع في الفهم والقبول، وكلما كان الإرشاد رفيقاً، حصلنا من أبنائنا على ما نريد من السلوك الجيد، وأشعرناهم بالخجل من تصرفهم الخطأ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك