أزمة الإنتاج الإعلامي الإسلامي
يشكل الإنتاج والتوليد الجديد أزمة فعلية في القطاعات الحيوية كافة؛ فالدول تنهض بالإنتاج الذاتي، وتتفرد بالإبداع المتميز، وهذا الأمر ينسحب برمته على القطاع الإعلامي الهادف والإسلامي منه بصفة خاصة؛ فالمتأمل والمحلل لواقع الإعلام الإسلامي المرئي يجد أن أزمته الفعلية إنتاجية إبداعية احترافية بالدرجة الأولى، وهي أزمة شددت عليها الكتابات المتخصصة في هذا الشأن الإعلامي.
قصور الإنتاج الإعلامي
فالمشاهد يلمس قصورًا في الإنتاج الإعلامي المتعلق بتنشئة الطفل المسلم، إذا ما قارنا الأمر بالسيل الإنتاجي الاحترافي في قنوات إنتاج برامج الأطفال وشركاتها التغريبية الأخرى، كما يلمس المشاهد فقراً في الإنتاج الوثائقي الإسلامي المنبثق من رؤية إسلامية منضبطة، إذا ما قورن الطرح بإنتاج القنوات والشركات الوثائقية المتخصصة، الفقر ذاته يسري على إنتاج البرامج الميدانية المتناولة لقضايا الأمة وهمومها على أرجاء المعمورة كافة وبكل اللغات التي ينطق بها أبناء الأمة الإسلامية. أما عن غرف الأخبار وشبكة المراسلين حول العالم فإن البون شاسع جداً بين عموم القنوات الإسلامية والقنوات الإخبارية العالمية المتخصصة.
خطوط عامة
في هذه المقالة الموجزة سنحاول تسليط الضوء على بعض الخطوط الإنتاجية العامة التي قد تساهم في تطوير أداء الإعلام الإسلامي المرئي.
- أولاً: إشكالية الإنتاج والبث عند أصحاب القنوات الإسلامية
الإشكال الذي يقع فيه كل من يحاول المساهمة في الدعوة الإسلامية وخدمة الأمة عبر الاحتساب أو الاستثمار في إنشاء فضائية؛ هو أنه يبدأ في حجز مساحة البث واختيار كوادر العمل والمعدات والاستوديوهات وغيرها من مستلزمات الفضائيات، قبل تكوين الرؤية (الإنتاجية الإبداعية)، ومن ثم السعي لتوفير حزمة من المنتجات الإعلامية المتميزة والجديدة، وكذا وضع آليات احترافية للإنتاج الإعلامي المستمر، والإعلام الميداني والإخباري الفعال والمواكب للأحداث العالمية، ليتفاجأ صاحب القناة بعد فترة وجيزة أنه قد أنفق مبالغ طائلة على البث ومستلزماته، والمحصلة مجموعة من البرامج النافعة ولكنها تقليدية الطرح، وغالبيتها ساكنة لا تخرج عن دائرة الموقع الداخلي الذي صورت فيه، ومن ثم تتحول القناة إلى (إذاعة مرئية) لتفقد بذلك بريقها وجاذبيتها الجماهيرية.
لذا كان من المهم ابتداءً تحديد آليات بناء الإنتاج الإعلامي المبدع عند المستثمر، قبل التفكير في آليات البث، وتخصيص الأموال الطائلة اللازمة لانطلاق الفضائيات، من هنا تأتي أهمية تحديد العلاقة بين الإنتاج الإعلامي والبث الفضائي وضرورة فك الارتباط والتشابك بينهما.
ثانيا: المستثمر الإعلامي بين الإنتاج والبث والتسويق
إذا نجح المستثمر الإعلامي في فك الارتباط بين الإنتاج الإعلامي من ناحية والبث الفضائي المصاحب بالتكلفة الباهظة من ناحية أخرى؛ وعدل المعادلة إلى ارتباط بين الإنتاج الإعلامي والتسويق الفضائي لتوفرت لديه مبالغ مالية ضخمة كانت مستنزفة في البث الفضائي المتكرر والمعاد وفارغ المحتوى والسائر بفلسفة سد الخانات، مبالغ ستمكنه من توجيهها إلى دائرة الإنتاج الإعلامي المخطط، والقائم على عناصر بشرية مبدعة؛ ليتولد لديه منتج إعلامي هادف ومتميز، يستطيع أن يسد به احتياجات الإعلام الإسلامي المرئي، ويكون بذلك المنتج الإعلامي هو المتحكم في البث الفضائي وليس العكس، ويدخل من خلال منتجه المتميز إلى دائرة التسويق الإعلامي المفتوحة والمربحة في الوقت ذاته، وكلما كانت بضاعته الإعلامية متفردة كانت دائرته التسويقية والتنافسية الإعلامية العالمية أكثر اتساعاً وحضوراً وتأثيراً.
ثالثاً: البحث الدقيق عن محترفي الإنتاج الإعلامي الإسلامي
عملية بناء الإنتاج الإعلامي الإسلامي تحتاج إلى أربع شخصيات أساسية هم بمثابة نواة لفريق عمل متكامل في كافة شركات الإنتاج الإعلامي الإسلامي:
1- مخطط: له رؤية إسلامية منضبطة، يعي قضايا الأمة، ولديه ملكات إعلامية تمكنه من وضع الخطوط العامة، وتحديد الاحتياجات الإعلامية للإنتاج الإعلامي الإسلامي، من برامج ميدانية وأفلام وثائقية وبرامج واقعية وتفاعلية، وبرامج أطفال، وغرف أخبار وغيرها من الوسائل الإعلامية المتعددة.
2- باحث: لديه ملكات بحثية متفردة وقدرة على تكوين قواعد البيانات والإحصائيات والأدبيات الشاملة لقضايا الأمة المتعددة؛ لتكون وقوداً معلوماتياً لمستلزمات الإنتاج الإعلامي في المجالات المتعددة.
3- منفذ: لديه وضوح في استيعاب الرؤية العامة الموضوعة، واحتراف إعلامي وإبداعي في التنفيذ.
4- فني: شديد الاحتراف والإبداع الإعلامي، ومتوفر له أحدث الوسائل التصويرية المعينة.
رابعا: المجالات الإنتاجية الإعلامية التي تحتاجها الأمة الإسلامية
سنحاول تقديم نموذجين ملحين تحتاجهما الأمة الآن وهما: مجال الأطفال، ومجال الأفلام الوثائقية؛ حيث يمكن في ضوئهما إنشاء شركات إنتاج إعلامي عدة تسد العجز في الإنتاج الإعلامي للقنوات الفضائية الإسلامية.
1) شركات الإنتاج الإعلامي في مجال الأطفال
فالساحة الإسلامية بحاجة إلى مجموعة من شركات الإنتاج الإعلامي المتخصصة في مجال الأطفال؛ وذلك من أجل إنتاج برامج الأطفال والكرتون التي من شأنها مساعدة الأسرة المسلمة على تنشئة الأبناء تنشئة سوية وهادفة؛ فغالب منتجات الأطفال الإعلامية الموجودة على الساحة الآن هي منتجات إعلامية غربية مدبلجة، والعربي منها إما أن معظمه أغان وأناشيد، أو برامج ليست في معظمها بذات الجاذبية الفنية المصاحبة للمنتج الغربي. من هنا كان الاحتياج ملحاً لتكوين فرق عمل محترفة تكون متخصصة في إنتاج برامج كرتون الأطفال الهادفة والجاذبة والمنافسة عالمياً للمنتجات الإعلامية الغربية المهلكة لوقت الطفل المسلم وهويته.
2) شركات إنتاج الأفلام الوثائقية الإسلامية
تؤدي الأفلام الوثائقية دوراً بارزاً في نشر الدعوة الإسلامية، وتوثيق تجارب الأمة الناجحة، ومعالجة القضايا الإسلامية ونقلها إلى الداخل والخارج بصورة جذابة وفعالة في ذات الوقت ذاته، كما أن هذه الأفلام الوثائقية والعلمية يمكنها تحقيق عبادة التدبر في خلق الله سبحانه وتعالى، وتكون باباً من أبواب نشر الإسلام في خارج ديار المسلمين، وهي رغم كلفتها العالية في التنفيذ نظراً للإعداد والأسفار والتصوير والإخراج، إلا أن مردودها التفاعلي والتأثيري كبير وممتد لسنوات طويلة.
وكذلك فإن تسويقها الجيد قد يغطي تكلفتها الإنتاجية إذا وضعنا في الاعتبار التنافس الإعلامي، والأرباح الدوارة اللازمة لاستمرار العمل الإنتاجي.
في الختام قد يرى بعض الناس أن القنوات الإسلامية الحالية يمكنها تطوير أوضاعها والقيام بمهام الإنتاج الإعلامي الموضحة أعلاه، نقول: إن هذا ممكن لكن شريطة التحول في رؤية القائمين على تلك القنوات، وتعديل نظرتهم للإنتاج الإعلامي، وتوفير الإمكانيات اللازمة والوفيرة للإنتاج الإعلامي والمستقلة عن باقي نفقات القناة الدورية ولاسيما نفقات البث المهلكة، ولتكن البداية بتفعيل غرف الأخبار المتخصصة في قضايا الأمة وتطويرها، وكذا تفعيل البرامج الميدانية وتطويرها.
مع تشديدنا على ضرورة ترك المجال مفتوحاً للاستثمار والاحتساب الحر في إنشاء شركات الإنتاج الإعلامي المتخصصة في مجالي الأطفال والأفلام الوثائقية النافعة للأمة الإسلامية.
لاتوجد تعليقات