رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رضا عبد الودود 8 نوفمبر، 2010 0 تعليق

أزمة الإفتاء.. تفريغ للمؤسسات الإسلامية من فعاليتها؟ أم حملة تطهير جديدة ضد مسلمي بلغاريا؟!

على الرغم من أن بلغاريا هي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي لم يشكل مهاجرون جدد طائفتها الإسلامية التي ترجع إلى قرون.. ومع صعود اليمين المتطرف في بلغاريا وتزايد تأثيره في الحياة السياسية تفاقمت أوضاع المسلمين البلغار الذين يعانون التهميش والإقصاء والتضييق منذ انتهاء حكم العثمانيين..

وفي سياق السياسات العدائية المتحكمة في علاقات اليمين بالوجود الإسلامي في بلغاريا جاءت قرارات الحكومة البلغارية معاندة لمطالب المسلمين العادلة التي تدور حول احترام وجودهم ووقف سياسة التهميش والإقصاء التي نجح المسلمون في وقفها إلى حد ما منذ العام 1994 حينما توحدت جهودهم في (حركة الحقوق والحريات) التي أسبغت عليها الحكومة الشرعية لكي يسحب المسلمون شكواهم من محكمة حقوق الإنسان الأوروبية ، وقد دخلت في شراكة سياسية مع الأحزاب المعتدلة، حققت بعض المطالب لهم.

وجاء قرار وزير الأقليات (بوجيدار ديميتروف)تعيين «نديم جندجيف (مفتيا) للمسلمين، رغم أنه غير منتخب وترفضه أوساط المسلمين، الأمر الذي يفاقم مخاوف مليون مسلم ما زالوا يعيشون في بلغاريا -بعد أن كانوا 3 مليون تم تهجير 2 مليون مسلم منهم قسرا إلى تركيا ويوغوسلافيا ودول شرق أوروبا ورومانيا - من تجدد السياسات الاستئصالية بتهجيرهم إلى المناطق الجنوبية وإجبارهم على بيع ممتلكاتهم وتفعيل سياسة الإفقار والتهميش الاقتصادي والسياسي بحقهم، مثل ما تعرضوا لها خلال الفترة من 1984-1989..

وكانت المحكمة الإدارية العليا في (بلغاريا)قد أيدت في 12 مايو الماضي قرار الحكومة البلغارية تعيين (نديم غينجيف) مفتيًا لمسلمي بلغاريا بدلاً من المفتي المنتخب بتصويت مسلمي (بلغاريا) (مصطفي عليش حاجي)، وذلك ضمن سياسة الحصار الناعمة التي تفرضها حكومة صوفيا على المسلمين بإفراغ المؤسسات الإسلامية من مضامينها وتقليل فعالياتها مع الاحتفاظ ببقائها؛ حتى لا تتعرض لضغوط من قبل الاتحاد الأوروبي الذي اشترط عليها قبل انضمامها في 2005 استقلال المؤسسات الدينية.

وعلى أثر هذا القرار تشهد بلغاريا توترات عنيفة في أوساط المسلمين بسبب السياسات العدائية التي ينتهجها وزير الأقليات «بوجيدار ديميتروف» الذي يتهمه المسلمون بأنه يعمل ضدّهم، بإشاعة الانقسام بين الأوساط الإسلامية في بلغاريا.

وفي هذا الإطار شهد إقليم بلوفديف احتجاجات واسعة نهاية سبتمبر الماضي ضد إعادة تعيين نديم جندجيف «مفتيا»، ورفع ممثلو الأقلية المسلمة مذكرة حول حقيقة التوترات التي يعايشونها في بلغاريا إلى رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو خلال اجتماعهم معه ببروكسيل مطلع أغسطس الماضي.

وطالب المسلمون المؤيدون لمفتي «بلغاريا» «مصطفى عليش حاجي» بالعدالة؛ حيث تجمع ما يقرب من 3500 شخص من أنحاء (بلغاريا)في 6 يوليو 2010  ليحتجوا على محاولات تعيين المقدم المتقاعد (نديم غينجيف) كبيرًا للمفتين بدلاً من المفتي (حاجى)، وذلك بحضور النواب عن جزب الحقوق والحريات، حيث وعد نائبه (قيرجالييف) بأنه سيتم إعداد دراسة جدوى لقانون يحل كل المشكلات المتعلقة بمنصب كبير المفتين لمسلمي «بلغاريا» بصورة عادلة وقانونية.

إقصاء الرموز الإسلامية

ويأتي إصرار وزير الأقليات على إقصاء (حاجي) مفتيا للمسلمين بسبب مواقفه المعارضة للسياسات الحكومية ضد المؤسسات الإسلامية، ورفضه بشدة الإيقاف غير القانوني لإنشاء مسجد في مدينة (بورجاز)، وتصريحاته المنددة بإغلاق المساجد: «إننا نند بشدة بإغلاق المساجد في الكثير من المدن؛ مثل «زغارا القديمة» و»ساماكوف» و»كوستانديل»، وكذلك قيادة حاجي حملة مضادة في الأوساط السياسية البلغارية في مارس 2009م قبيل الانتخابات العامَّة التي جرت في يوليو2009، ضد قرار المجلس المحليِّ لمدينة بورجاس بإلغاء تصريحٍ كان قد صدر ببناء مسجد في إحدى القرى السياحية بالمدينة، ما أثار ردودَ فعلٍ سلبيَّةٍ في أوساط المسلمين، حيث أعلن المفتي العام للمسلمين البلغار مصطفى عليش حاجي وقتها، أنَّ القرار يأتي في إطار «حملات انتخابية غير أخلاقية تحاول كسب الأصوات باستخدام كروت التناقض العرقي والديني، الأمر الذي يُمثِّل خطورةً على السَّلام الاجتماعيِّ بين المُواطنين البُلغار».

في مقابل ذلك يحقق المفتي (غينجيف)سياسات القوى اليمينية وأجندة وزير الأقليات، حيث قام (غينجيف) بالاستيلاء على مسجد مركزي في مدينة (فيليبه) البلغارية، وأقام أمام باب المسجد سورا حديديا.. كما حاول في 6/9/2010 دخول مبنى دار الإفتاء في العاصمة البلغارية (صوفيا) ومعه 10 أشخاص عنوة، إلا أن مؤيدي (حاجي) قاوموا المعتدين وأبقوا على الباب مغلقًا، وتدخلت قوى الشرطة واحتجزت بعض أنصار (غينجيف) عندما حاولوا استخدام الأسلحة البيضاء.

 عداء يميني

وتأتي تلك الأحداث في سياق تصاعد اليمين المتطرف الذي يمثله في بلغاريا (حزب الهجوم الوطني المتحد) الذي يسعى لتهجير غالبية المسلمين إلى تركيا، متهما إياهم بالسعي لإقامة مناطق للحكم الذاتي وأن بعض قراهم أصبحت –بحد زعمه- معاقل للتشدد الإسلامي»، وفق تصريحات «فولن سيديروف» زعيم حزب الهجوم خلال مظاهرة انتخابية في مايو الماضي: «إذا سكتنا ولم نتصرف بوصفنا وطنيين بلغار فسوف يغزوننا في يوم من الأيام دون شك، سوف يضمون إليهم مناطق بأسرها»..

ولقد أثمرت حملات الكراهية التي يقودها اليمين عن تعرَّض أكثر من 100 مسجد ومبانٍ أخرى تابعة للمسلمين للتَّخريب خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، كما مُنِعَتْ بعض الفتيات من ارتداء الحجاب في عددٍ من المدارس والجامعات.

وخلال الحملات الانتخابيَّة في العام 2009 ، قام النَّائب اليمينيُّ ياني يانيف بزيارة قرى الجنوب، وشنَّ حملةَ كراهيةً عنيفةً ضد المسلمين هناك، ووصف الصَّحوة الإسلاميَّة في مناطق المسلمين في الجنوب بـ«نير استعمارٍ عثمانيٍّ جديدٍ يجب التَّحرُّر منه ثانيةً».

كما حرض يانيف ضد القيادات الدِّينيَّة والتَّعليميَّة في جنوب بلغاريا؛ حيث زعم أنَّ مديري بعض المدارس وعددًا من أئمَّة المساجد «يعملون على نشر ما يزعمونه (الأصوليَّة)، ويُجبرون الفتيات على ارتداء الحجاب، ويتلقُّون دعمًا من السَّعوديَّة لإنشاء المساجد والمراكز الدِّينيَّة».

كما دعا يانيف المخابرات البلغارية «وكالة الأمن القومي» إلى «الحدِّ من الانتهاكات التي تجري في القرى الجنوبيَّة، وعمليَّة تخريب القِيَم الأوروبيَّة» هناك، وللأسف استجابت له السلطات الأمنيَّة في هذه المناطق، وقامت بإغلاق بعض المدارس، والقبض على عددٍ من الأئمة، وكذلك رئيس بلدية (جرمان) ويدعى (أحمد باشيف)، ومعلم القرآن في البلدة (مراد بوشناك).

ولم تثبت مزاعم اليمين المتطرف بحق المسلمين، كما رفضت رئيسة لجنة المنظمات غير الحكومية ومركز دراسة الأقليات «أنتونيا زيلايزكوفا» بشكل قاطع ادعاءات النائب اليميني (يانيف)، وقالت: «لقد درسنا هذه المنطقة لمدة عام ونصف العام ولم نلحظ ما قاله يانيف»، بل إنها اتهمت (يانيف)بأنه يستغل المخاوف من (التطرف) لتحقيق أهداف سياسية، خاصة مع قرب الانتخابات العامة التي جرت في يوليو 2009.

حرب المساجد

وإزاء السياسات العدائية ضد المسلمين البلغار في العهد الشيوعي أو العهد الحالي ، كانت المساجد في مرمى الأحقاد والاستهداف بوصفها الرمز الأبرز للإسلام والمسلمين البلغار، حيث تناقص عددها بصورة مستمرة، حيث كان في بلغاريا حوالي 1200 مسجد، إلا أنها في تناقص مستمر؛ لأنَّ المسجد الذي يتوفى إمامه يُغلَق، فمثلا العاصمة صوفيا كان فيها ثلاثةُ مساجدَ، تحوَّل أحدها إلى كنيسةٍ، والثاني إلى مُتحفٍ، بينما الثَّالث مغلقٌ لوفاة إمامه، بجانب التوقف عن صرف مرتبات الأئمة، ومصادرة الأوقاف الإسلامية.

بارقة أمل

وقد أدت سنوات العذاب التي عاناها المسلمون في الحقبة الشيوعية، ومرحلة الغزو الثقافي التي تلتها، إضافة إلى ندرة الدعاة وضعف الخطاب الديني الواعي إلى ضعف ارتباط المسلمين بدينهم والجهل بتعاليمه، إلا أن الشيء الجيد هو أن السنوات الأخيرة شهدت جهوداً إسلامية لتوعية الشباب وتحفيظ النشء القرآن، كما حصل طلاب بلغار على منح دراسية من عدة جامعات إسلامية ما يسهم في إيجاد كوادر علمية ودعوية سليمة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك