رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رجب أبو بسيسة 23 أبريل، 2019 0 تعليق

أدبيات العمل الجماعي والمؤسسي!

العمل المؤسسي يحتاج إلى نفوسٍ قوية تتحمل الأعباء، وتتجرع الأزمات، ولا تتململ مِن النقد، وفي أحيانٍ كثيرةٍ تساور الإنسانَ خاطرة أن العملَ الجماعي والمؤسسي يمنعه مِن الانطلاق، وأنه روتين وعمل معقد؛ بسبب القيود، والتسلسل الإداري وإجراءاته، إلخ، وأرى أنَّ كثيرًا مِن الأعمال قد تعطلت، ومحاضنَ تربويةً أُغلقتْ، وكياناتٍ دَعَويَّةً ضعُفت، وأخرى تمزقت بسبب عدم كبحِ جماحِ هذا الشعور، وبسبب إطلاق العنان له.

     وفي مثل هذا الجو يحضُرُني قولَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ - رضي الله عنه - في نصيحةِ رجلٍ مجربٍ عَايَنَ أمورًا تغيرت: «كَدَرُ الجماعةِ خيرٌ مِن صَفْوِ الفردِ»، وهذا الكلامُ مِن أمير المؤمنين علي كان في زمنِ العلم والديانة والورع، فما بالُكَ بزمانِنا هذا؟! بل ما أظنُّ أن يتحقق الصفو ولا الراحة لمَن ينفرد ويترك إخوانه ودعوته ومؤسسته.

الصبر والتحمل

     فعلينا أن نتحمل ونصبر، والأجر على قدر المشقة، والمؤمن الذي يخالِط الناس ويصبر على أذاهم خير وأنجع وأنفع للناس وللمجتمع: قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «المُسْلِمُ إِذَا كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنَ المُسْلِمِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ» (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

العبادات الذاتية

     ثم نقول للعامل في العمل المؤسسي: عليك بالعبادات الذاتية، والطاعات الخفية، مع التفكير في عواقب الأمور، مثل: خطورة الانزواء، والنزاع وترك العمل؛ فإنما يأكل الذئب مِن الغنم الشاة القاصية حتى ولو كانت قوية - وهذه كلها أمور مِن شأنها أن تعينك على العمل والصبر، وطول النفس.

حسن الاستماع والإنصات

     وحتى تستمر دون انقطاعٍ، وتواصِل دون كللٍ، وتعمل في جوٍّ مِن الصفاء والأريحية؛ فعليك بحسن الاستماع والإنصات لإخوانك، وألا تعطي فرصة للشيطان بأن يفسدَ ما بينك وبينهم، فاعتذر لهم إذا أخطأتَ، فالمعذرة دليل عافية وثقة بالنفس؛ ألم يقل عمر - رضي الله عنه -: «أصابت امرأة وأخطأ عمر!»، ونحن ننقلها اليوم مدحًا لعمر، وليس انتقاصًا له - رضي الله عنه -، واستعمل حُسنَ الظنِ بهم، والدعاء لهم، ولا تعطي مساحةً لمَن ينقل الكلام ويُثيرُ الفتنةَ والنميمةَ ليُبَغِّضَ إِلَيك إِخوانَك!

فهم نفسية إخوانك

     وكذلك فهم نفسية المحيطين بك واستشارتهم، وعدم الإقدام على شيءٍ يجعلهم يسيئون الظن بك، وقد كان سيد ولد آدم -عليه السلام- يُراعي ذلك ويهتم به؛ فصح عنه أنه قال: «إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ» (متفق عليه)؛ حتى لا يسيئوا الظن فيصبهم الهلاك بذلك، وعندما سئِل قال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا -أَوْ قَالَ: شَيْئًا-»؛ فنحن أولى بهذا المعنى.

تحمل التجاوزات والإساءات

     ومِن المهم أيضًا في العمل المؤسسي وقيادة الناس: تحمل التجاوزات والإساءات مِن بعض الأفراد، واحتساب ذلك عند الله، وفي الوقت نفسه إذا رأى أوضاعًا غير صحيحة أن يبادِر إلى تصحيحها، ولكن وفق آداب النصيحة، واختيار المكان والزمان المناسب؛ لا كما يفعل صغار العقل وضيقو الأفق، الذين لا يحلو لهم النقد إلا على صفحات التواصل الاجتماعي أو الثرثرة في المنتديات حتى يخلقوا جوًّا عامًّا مِن الضغوط وتشرذم الأعمال، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا!

الهدف المشترك

     والهدف المشترك للعمل وديمومة التذكير به، أمر يساعد على تجاوز الصعاب والتحديات؛ وإلا مِن الخطر أن يعمل كلٌّ منا على هدفه الخاص، وننسى الهدف الأصلي الذي نتعاون عليه؛ فعلى الفرد أن يتعامل في مؤسسته أو دعوته بنفسية أنه صاحب العمل، لا بنفسية موظف وأجير، والفرق واضح لمَن تأمل.

وضوح الأهداف والغايات

ولابد مِن وضوح الأهداف والغايات؛ لأن ذلك يؤدي إلى النظر للمستقبل والسعي للأمام، والتطلع للإنجاز، أما الوسائل فيجب ألا نجمد عليها، بل تتغير بحسب الواقع والمعطيات.

دعوتنا هي كياننا

     أيها الجيل... دعوتنا هي كياننا الذي تربينا فيه على اتباع منهج الإسلام الصافي، فيجب أن نحافِظ عليها مما قد يشوبها، ومِن أقوى وسائل المحافظة عليها بعد توفيق الله: متابعة المنهج، وطلب العلم، والاجتماع والتعاون، والصبر على طبيعة العمل الجماعي وعدم التفرد، ومَن يتصبر يصبره الله.

- وأخيرًا: ما أجمل طلب العون مِن الله حتى تتحمل النفس مشقة هذا العمل، والموفق مَن وفقه الله. اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عينٍ، وأفرغ علينا صبرًا، وثبت أقدامنا، ولله الأمر مِن قبْلُ ومِن بعد.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك