رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: كنون العتيبي 19 سبتمبر، 2018 0 تعليق

أخوة الإيمان ولحمة الدين

كانت تحدثني بدمع عيونها وبدمع عيني قد أجبت مواسية؛ لهذه الكلمات حكاية، حكاية صداقة دامت لسنوات مديدة، كانت بدايتها دمعة، قالت لي يوماً صديقة: جمعتني وإحدى صديقاتي المقربات قرابة وعمر واحد؛ فتجدنا خلال زياراتنا نجتمع للعادة لا لشيء آخر، وذات مساء كُنّا في جلسه أخوية انفردت معها فيها؛ فإذا بها تفضي إلي بهمّ أحزن قلبها، وأثقل كاهلها حتى إذا مانفثته إليّ؛ فإذا بدمعاتها تتساقط، وإذا بها تلتفت إلي لعلها تجد مني ما يخفف عنها لوعة ماتجد؛ فإذا بي والحزن قد أخذ مني كل مأخذ لحزنها، أواسيها بدمعة منذ ذاك اليوم كنت رفيقة صباها وشبابها ورفيقة باقي العمر.

أنبل المواقف الإنسانية

     مواساة الإخوان من أنبل المواقف الإنسانية التي تنقش لك المحبة في قلب أحدهم؛ فتكون الأول لديه في الذاكرة  والشعور، حتى يكون صديقك المقرب ذاك الذي لا ينفك عن مواساتك أبداً، يفرح لفرحك، ويحزن لحزنك, ويسابق الناس ليفعل ماتحب، ويتجنب ماتكره وإن أحبه لحبك، ويسعد بك حاضراً ويشتاق لك غائبا، ويرضى بك كما أنت بكل مميزاتك وعيوبك، ويا لسعد قلبك إن جمّله الله بصلاح وتقوى؛ ليأخذ بيدك معه إلى أبواب الجنة، ويخاف عليك من النار كخوفه على نفسه ..

يقول محمد بن يوسف الأصبهاني: «وأين مثل الأخ الصالح ، أهلك يقتسمون ميراثك ويتنعمون بما خلّفت، وأخوك منفردٌ بحزنك، مهتم بما قدمت، وما صرت إليه، يدعو لك في ظلمة الليل، وأنت تحت أطباق الثرى» (آداب الصحبة والمعاشرة).

القلوب الرحيمة

     يا لجمال تلك القلوب الرحيمة ويا لوفائها! لا تدري لعل بهذه الدعوة سعادتهما جميعا، وحين نذكر جمال القلوب تتراءى لنا قلوب الصحابة، قلب طلحة حين أبى إلا أن يواسي كعباً بفرحته بتوبة الله عليه؛ فقام إليه واستقبله هاشاً باشاً قد احتضنه قلبه قبل جسده؛ فما نساها كعب لطلحة، وقلب تلك المؤمنة العفيفة التي واست أم المؤمنين النقية الطاهرة بمصابها في حادثة الإفك؛ فلم تجد لدموع أم المؤمنين الحرى مواساة عندها إلا بأن تشاركها البكاء والدموع، حتى كشف الله الغمة وأذن بالفرج .

أخوة الايمان

إنها أخوة الايمان ولحمة الدين، وقد قال الله في كتابه العزيز: {إنما المؤمنون إخوة} (الحجرات ٥١٦).

     وقال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الحسن: «المؤمنُ مرآةُ المؤمنِ، والمؤمنُ أخو المؤمنِ، يكف عليه ضيعتَه، ويحوطُه من ورائِه»(السلسلة الصحيحة: 926)، ويتملكك العجب من امتداد هذه الأخوة حتى أبواب الجنان؛ فيذكر المؤمن أخاً له رافقه في حياته، ذكّره بالله يوما أو اجتمعا معا في طاعة  وقد أخذ مقعده في الجنة ولا يراه معه؛ فلا يقر له قرار حتى يعفو الله عن أخيه ويأخذ بيده إلى الجنة، حديث عجيب يدهش القلب، ويأخذ باللب يحدثنا فيه صلى الله عليه وسلم عن حال المؤمنين بعد عبور الصراط وذكرهم إخوانهم؛ فيقول: «فَما أَنتُم بأَشدَّ لي مُناشدةً في الحقِّ قد تَبيَّن لَكم مِنَ المُؤمنِ يَومئذٍ للجبَّارِ- إذا رَأَوْا أنَّهم قَد نَجَوْا- في إِخوانِهم، يَقولونَ: ربَّنا، إِخوانَنا، كانوا يُصلُّون مَعنا، ويَصومونَ مَعَنا، ويَعمَلون مَعَنا؛ فيَقولُ اللهُ -تَعالى-: «اذهَبوا فمَن وَجدتُم في قَلبِه مِثقالَ دينارٍ مِن إيمانٍ فأَخرِجوه، ويُحرِّمُ اللهُ صُورَهُم على النَّارِ؛ فيَأتونَهُم وبَعضُهم قَد غابَ في النَّارِ إلى قَدمِه، وإلى أَنصافِ ساقَيْه؛ فيُخرِجونَ مَن عَرَفوا، ثُمَّ يَعودونَ؛ فيَقولُ: اذهَبوا فَمَن وَجدتُم في قَلبِه مِثقالَ نِصفِ دينارٍ فأَخرِجوه؛ فيُخرِجونَ مَن عَرَفوا ثُمَّ يَعودونَ؛ فيَقولُ: اذهَبوا فمَن وَجَدتُم في قَلبِه مِثقالَ ذَرَّةٍ مِن إيمانٍ فأَخرِجوه؛ فيُخرِجونَ مَن عَرَفوا» (صحيح البخاري ٧٤٣٩)، فهل تجدون أعجب من هذا يذكرك الأخ الصالح في حين ينساك أحب الناس إليك وأكثرهم شفقة عليك،

وأخيرا أختم بموقف طريف هو من ألطف ماجاء في مواساة الإخوان؛ إذ يقول ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﻨﺎﺫﺭ: ﻛﻨﺖ ﺃﻣﺸﻲ ﻣﻊ ﺍﻟﺨﻠﻴﻞ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﻓﺎﻧﻘﻄﻊ ﻧﻌﻠﻲ؛ ﻓﻤﺸﻴﺖ ﺣﺎﻓﻴﺎ؛ ﻓﺨﻠﻊ ﻧﻌﻠﻴﻪ ﻭﺣﻤﻠﻬﺎ ﻳﻤﺸﻲ ﻣﻌﻲ، ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: ﻣﺎﺫﺍ ﺗﺼﻨﻊ؟!  ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻭﺍﺳﻴﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻔﺎﺀ!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك