رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان.القاهرة/مصطفى الشرقاوي 13 أغسطس، 2012 0 تعليق

أخطــــاء الإسلاميين قفزت بتحالف جبريل لصدارة المشهد- لماذا تقدم الليبراليون في انتخابات ليبيا؟


تركيز الإسلاميين على الحماسة الدينية وترشيحهم لشخصيات مجهولة حرمتهم من أغلبية الجمعية الوطنية

إسلاميو ليبيا مطالبون بالاستفادة من التجربة والبحث عن كيان واسع يضمن حصولهم على مقاعد تناسب تضحياتهم

 

 

إسلاميون مستقلون حققوا نجاحات كبيرة خلال الانتخابات وجهود كبيرة لتوحيد صفوفهم في تحالف واسع

كان مقررًا أن تسير انتخابات الجمعية الوطنية الليبية على منوال جميع الانتخابات التي جرت في بلدان الربيع العربي مثل تونس ومصر أو حتى المغرب التي حقق فيها الإسلاميون شبه اكتساح لمقاعد البرلمان، إلا أن ما جرى في ليبيا شكل مفاجأة من العيار الثقيل في ظل الجهود التي بذلها الإسلاميون في الخلاص من حكم العقيد أداء كوادرهم الدور الأهم في إلحاق الهزيمة بمليشياته وإنهاء أربعة عقود من الاستبداد والقمع، ويبدو أن تضحيات الإسلاميين ودورهم في إنهاء الديكتاتورية جعلهم يراهنون على التفاف الشعب الليبي حولهم بشكل مؤكد ودفعهم إلى صدارة المشهد الانتخابي بصورة حتمية.

حملات إعلامية

       ولكن يبدو أن هذه التضحيات لم تكن كافية لكي تقنع الناخبين الليبيين بدعم الإسلاميين، بل إن الكثيرين انفضوا عن دعمهم بسبب الحملات الإعلامية التي شنها التحالف الوطني بقيادة محمود جبريل وتركيزه على بعض الأخطاء التي ارتكبتها مليشيات إسلامية في ليبيا ومنها استعراض سطوتها، ولاسيما في مدن الشرق وفي مقدمتها بني غازي والاعتداءات على الأضرحة وهدمها وغموض موقفهم من قضايا المرأة وغيرها مما جعل الليبيين يفضلون عدم الرهان على المشروع الإسلامي بشكل كبير خلال هذه المرحلة الحساسة، ولاسيما أن التحالف الوطني الليبرالي الذي خاض الانتخابات حصل على ما يقرب من 40 مقعدًا من أعضاء الجمعية التأسيسية من جملة 80 مقعدًا للقوائم جرى التنافس حولها في أول انتخابات ليبية منذ أكثر من أربعين عامًا.

 أخطاء وهفوات

       ولا يجد كثير من المراقبين صعوبة في أسباب الهزيمة التي لحقت بالإسلاميين في الانتخابات الليبية، فالتحالف الوطني لعب كثيرًا على «أخطاء الحملة الانتخابية» التي تبنتها التيارات الإسلامية التي يبدو أنها ركزت فقط علي الحماسة الدينية وتوق الليبيين لاستعادة هويتهم، وهو أمر لم يرق كثيرًا لليبيين الساعين بقوة لسماع خطاب جديد عن الدولة الحديثة والمؤسسات القادرة على التصدي للانفلات الأمني والتردي الاقتصادي والدور الخدمي للدولة، وهو أمر أجاد جبريل الاستفادة منه جيدًا لدغدغة مشاعر الناخبين الليبيين.

       ولا يمكن تجاهل الدور المهم لتركيز جبريل على الدور المحوري للشريعة الإسلامية في مجمل الأوضاع في الساحة الليبية، وهو تركيز سحب كثيرًا من رصيد التيار الإسلامي الليبي وأقنع الكثيرين بدعم تيار يحظى بدعم دولي في هذه المرحلة أبدى من تيار إسلامي مجهول، ولاسيما أن الحركات الإسلامية أقدمت على ترشيح شخصيات مجهولة وغير معلومة لكثير من الرأي العام في ليبيا؛ مما حدا بالشعب الليبي إلى تفضيل دعم شخصيات معلومة حتى لو كانت مرتبطة بالنظام السابق.

       وأدى العامل الخارجي دورًا مؤثرًا جدًا في المشهد الانتخابي في أول اقتراع رسمي في ليبيا، خصوصًا أن الحملات الإعلامية التي شنت على التيار الإسلامي في كل من مصر وتونس ومحاولات تشويه صورته وإشاعة أجواء من الفوبيا ضد التيار كانت لها تداعيات على انتخابات الجمعية الوطنية المكلفة بصياغة أول دستور ليبي وستشكل الأغلبية داخلها الحكومة الليبية المكلفة بعبور هذه المرحلة الانتقالية، وهو الأمر الذي استغله التيار الوطني الليبرالي في إقناع المواطنين الليبيين بدعمه ضد حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا.

       ولعل أبرز ما أفرزته الانتخابات الليبية الأخيرة النجاحات اللافتة التي حققها التيار الليبرالي بزعامة محمود جبريل خصوصًا في مدن الشرق الليبي وفي مقدمتها بنغازي (درة تاج الثورة الليبية) والمعروفة تقليدياً بأنها المعقل الرئيس للتيار الإسلامي بشقيه الإخواني والسلفي؛ حيث أمن الليبراليون أغلبية شبه ساحقة في انتخابات القوائم وحصلوا على أكثر من 96 ألفا متفوقين بضعف ما حصل عليه الإسلاميون.

 مشاعر المرارة

       وشكلت هذه النتائج صدمة للتيار الإخواني في الشرق الليبي عكستها مشاعر المرارة التي سيطرت على الشيخ محمد صوان القيادي الإخواني البارز الذي لم يخف حسرته من النتائج غير المتوقعة التي حققها الليبراليون في مناطق عديدة، وعزاها إلى تبني جبريل خطابًا وصفه بالمخادع للشعب الليبي؛ إذ قدم نفسه للناخبين باعتباره فصيلاً قريبا للإسلاميين و رفع راية الشريعة بوصفها المصدر الرئيس للتشريع وهي الخطوة التي أسهمت في دفع قطاعات عديدة عن الشعب الليبي إلي تأييده وفرضه فصيلا رئيسًا داخل الجمعية الوطنية، ولاسيما أن قوائمه تضمنت شخصيات إسلامية عديدة وإن كانت لا تنتمي لفكر الإخوان.

 

 

 

 

 انفلات ومخاوف

       وواصل جبريل لهجته المنفتحة على جميع ألوان الطيف الليبي إذ إن تبنيه خطابًا توافقيًا ولعبه على مخاوف الليبيين من الانفلات الأمني وتخوفه من النهج الراديكالي لبعض الإسلاميين وتأكيده أن ليبيا وطن لكل الليبيين واستعداده للتعاون مع جميع القوى السياسية في ليبيا كل ذلك أسهم في جذب قطاع كبير بين المواطنين الليبيين لتأييد قائمته بشكل مكنه من استقطاع نصيب كبير من حصيلة التيار الإسلامي الذي كان مأمولاً اكتساحه لهذه الانتخابات والسير على النهج نفسه الذي حققته جماعة الإخوان في مصر وهيمنتها على البرلمان بغرفتيه قبل حله وكذلك حزب النهضة في تونس وكذلك النجاحات التي حققها حزب بن كيران الإخواني في المغرب.

       ولكن يبدو أن مراهنة هذا التيار على هذا الأمر هي التي دفعت الإسلاميين لعدم الجدية في الحملات الانتخابية والرهان على الدعم التقليدي من قبل شعوب المنطقة للتيار الإسلامي، وهو ما استغله الليبراليون ونجحوا في استغلاله لتعظيم مكاسبهم من هذه الانتخابات في ظل حسن توظيفهم للحملات الإعلامية وإدراتهم لحملة الدعاية بشكل محترف في وقت أدت الخلافات والانقسامات بين الإسلاميين وعدم نجاحهم في خوض الانتخابات بقائمة موحدة إلى تشرذمهم وتفتت أصواتهم بين عدد من المرشحين مما أفقدهم أغلبية كانت متوقعة.

غياب ومتاعب

       ولا تتوقف الأسباب عند تسويغ عدم تحقيق التيار الإسلامي لنتائج مرضية عند هذا الحد بحسب السفير محمد رفاعة الطهطاوي سفير مصر السابق في ليبيا، فالأمر يعود كذلك إلى غياب رموز هذا التيار عن الساحة الليبية طوال الأربعين عامًا الماضية بشقيه الإخواني والسلفي فهذا الغياب أدى دورًا مهمًا في النتائج المخيبة التي حققها؛ إذ إن أغلب رموز التيار الإسلامي غير معروفين لأغلب أبناء ليبيا حيث أمعن النظام السابق في تشريدهم في دول الجوار وإثارة المتاعب في وجوههم أو إجبارهم على العمل تحت الأرض.

       وأضاف: لا شك أن مثل هذه المؤثرات قد أثرت بالسلب على شعبيتهم ناهيك عن الدور المهم لحملات التشويه التي شنت على التيار الإسلامية في مصر وتونس؛ مما أدى لتأجيج المخاوف من هيمنتهم على المشهد السياسي الليبي وتكرار المشهد نفسه في ليبيا في ظل تورط بعض التيارات الإسلامية في ممارسات متهورة أسهمت في وجود نوع من الفوبيا من صعودهم السياسي.

       ولم يستبعد الطهطاوي أن تكون الصلات التي كانت قائمة بين الإخوان المسلمين وبعض رموز التيار الإسلامي مع نظام القذافي في بداية الألفية خصوصًا مع نجله الأكبر سيف الإسلام، وقبولهم بالإصلاحات المزعومة التي وقف وراءها،  لها دور في ذلك، فضلاً عن حملات التشويه التي ربطت بين التيار الإسلامي وبعض إمارات الخليج.

       وتابع: إن وجود ارتباطات لبعض رموز التيار الإسلامي الليبي وفي مقدمتهم القائد الميداني عبد الحكيم بلحاج مع القاعدة قد يكون أسهم في انفضاض قطاع من الليبيين عن دعمهم، علاوة على أن جبريل قد نجح في تسويق نفسه بوصفه ممثلاً للتيار الوسط بين الليبراليين مما أكسبه عطف الليبيين، في وقت قدم التيار الإسلامي وجوها لا تحظى بالجماهيرية.

       ولا نستطيع في هذا السياق تجاهل دور الدعم غير المحدود الذي قدمه أنصار نظام القذافي وفلوله ومؤسسات الحكم المقبور من تأييد التحالف الوطني بقيادة محمود جبريل الذي كان مقربًا من القذافي قبل أن يرفع راية التمرد في وجهه وانخراطه في تأسيس المجلس الوطني الانتقالي مما شكل مقدمة لسقوط النظام الاستبدادي السابق، خصوصًا أن أنصار القذافي لم ينسوا أبدا ثأرهم مع التيار الإسلامي الذي أطلق الشرارة الأولى للثورة في بنغازي.

 استمرار التأثير

       ومن المؤكد أن عدم نجاح التيار الإسلامي في تحقيق النتائج المأمولة لا يعني غياب شمسه من السماء الليبية، فهذا التيار وطبقا لحصة المقاعد التي فاز بها سواء الإخواني أم المنخرطون في قوائم التيار الوطني يبقى لاعبا مهما في الساحة الليبية ويمكنه الإسهام القوي في صياغة الدستور وتشكيل الحكومة الانتقالية مما سيؤمن له تأثيرًا ما، بل قد يقنعه بالانخراط ضمن ائتلاف حكومي واسع قادر علي نقل ليبيا نقلة نوعية تدفن نظام القذافي للأبد وتؤسس لليبيا جديدة ودستور توافقي قد ينسي الليبيون «الكتاب الأخضر» للأبد ومعه النظرية الثالثة لديكتاتور ليبيا المقبور دون أن يتحمل هذا التيار وحده إرث النظام السابق.

مصدر رئيس

       ومن المطمئن هنا التأكيد على أنه وأيًا كان شكل الجمعية التأسيسية فإن الشريعة الإسلامية ستبقى بعيدة عن التجاذبات في ظل الإجماع على كونها هي المصدر الرئيس للتشريع وعلى هوية ليبيا العربية والإسلامية باعتبارها دولة موحدة عاصمتها طرابلس في مسعى لقطع الطريق على نزاعات الفيدرالية التي دعا إليها تيار محدد في بنغازي مستاء من هيمنة طرابلس ومدن الغرب على المشهد السياسي، وهو إجماع سيخلق نوعًا من الانسجام داخل التأسيسية يضمن عدم خروج الأمور من تحت السيطرة.

 منعطف صعب

       ومما يزيد من أجواء التفاؤل بقدرة ليبيا على تجاوز المنعطف الصعب الذي تعانيه أن المجلس الوطني الانتقالي قد أصدر قرارًا بأن الجمعية الوطنية لن تكون صاحبة القرار الفصل في صياغة الدستور وفتح الباب أمام إمكانية الدعوة لانتخابات جديدة لاختيار هيئة تأسيسية، وهو القرار الذي عده المعارض الليبي السابق زياد جاب مطر مسعى لاسترضاء مناطق الشرق الليبي وقطع الطريق على النزعات الانفصالية خصوصًا في بنغازي المستاءة للغاية من سيطرة مناطق الغرب على المشهد السياسي وهو قرار ستكون له تداعيات ايجابية على وحدة واستقرار البلاد.

       وأوضح أن هذه التحديات هي التي دفعت المجلس الوطني الانتقالي لاستحداث تعديل في الإعلان الدستوري يتيح للأعضاء من خارج التأسيسية أداء دور في صياغة الدستور في مساع لتوحيد صف المواطنين الليبيين وحثهم على نبذ الدعوات للفيدرالية باعتبارها بداية لتمزيق وحدة الوطن الليبي.

       ويرى مطر أن الأجواء الإيجابية هذه تزامنت مع موقف وطني لمدينة الزواية التي قررت طواعية التنازل عن حصتها في الجمعية الوطنية الليبية للشرق الليبي، وهي رسالة يجب أن يستوعبها الساسة الليبيون، فليبيا حاليا بحاجة لدعم جميع أبنائها للحفاظ على وحدتها وهويتها ومواجهة مشكلات الانفلات الأمني وغياب الدولة وضخ الدماء في عروق الاقتصاد والمصالحة مع أنصار النظام السابق وفق نظام المصارحة قبل المصالحة، وهي كلها خيارات تفرض على الليبيين توحيد الصفوف ونبذ الاتجاهات الأيديولوجية والليبرالية والجهوية.

       وقلل مطر من أهمية الأنباء التي تتحدث عن هزيمة مروعة للإسلاميين، مشيرا إلى أن جماعة الإخوان هي التي تعرضت لخسارة لافتة خلال الانتخابات، فيما حققت أطياف إسلامية أخرى نتائج جيدة تؤمن لهم وجوداً طيباً في حالة توحيد صفوفهم والتنسيق فيما بينهم.

       غير أنه حذر من أن انخراط 63حزبا في تيار جبريل يحمل في طياته أسباب فشله نتيجة الصراع الأيديولوجي المرجح اشتعاله بينهم، وهو ما يجعل هناك فرصة أمام الإسلاميين لأداء دور مهم في الساحة الليبية شريطة الاستفادة من هذه الجولة وتعظيم قدراتهم استعدادا لجولة قادمة ستحدد خريطة القوى السياسية في ليبيا خلال السنوات العشر القادمة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك