أخطاء في الدعوة الفردية
في خضم اشتغال الداعية في دعوته, يتصاعد أمام عينيه ثُلةٌ من خيار الـمُتربين, فيسعى لتنشئتهم تنشئةً إسلاميةً ثم يدفعهم إلى طلب العلم الشرعيّ فيَثبتُ في عينيه من ثَبت مَسيرهُ في طلب العلم, ويتساقط الآخرون - من عينيه ثم من اهتمامه- بدعوى «الدعوة الفردية»!
إنني هنا أسعى للإجابة عن تساؤلين مهمين: هل الدعوة الفردية تأمرنا بتهميش غير طلاب العلم؟ وهل تأمرنا بتوظيف طلاب العلم فقط في الصف الثاني بالعمل الدعوي؟, مِن هؤلاء المتربين: مَن عنده قابليةٌ للعمل التطوعي في بعض الجوانب الإدارية أو التنفيذية وغيرها, يتساقط هؤلاء جميعهم من أعين بعض الناس إذا لم يكن الطالبُ «طالباً للعلم»!, بل قد يتظاهرُ بعض الطلاب أمام المربي باهتمامهِ بطلب العلم ليحظى بمكانةٍ مرموقةٍ أمام عين شيخه, أو ليُحصِّل ما استطاع تحصيله من اهتمام المربي أو لِيلفتَ نَظرهُ على الأقل!
إن نتيجة التعامل الخطأ مع هذا التساؤل, كان حتماً كارثياً على الدعوة أولاً وعلى المتربي ثانياً, ولعل الكثير منّا رأى آثارها دون أن يعرف أسبابها: فحينما ترى من لم يُؤَهَّل إلى القيادة مع كونه طالباً للعلم مُقحَماً في الجانب الإداري, وأخوه مُقحَماً في الجانب الإعلامي وهو لايملك أبجديات التعامل الإعلامي أو الإداري, ترى النتيجة المؤسفة لتلك اللجان التي تَوَلَّى أمرها هؤلاء.
• مما يظهرُ واضحاً كآثاٍر سلبيةٍ لهذا الخطأ:
تَكَوُّنُ طَبقتين في المحضن التربوي: .أ- طبقة في القمة: وهم الملتزمون الحريصون على طلب العلم والدعوة, لكنهم قطعاً يَنقُصهم الجانب الإداري أو الإعلامي أو التشغيلي أو غيرها من الجوانب الدنيوية, وهؤلاء يُكلّفون غالباً بالأعمال الدعوية جميعها -كانت مناسبة لهم أم لا - وبينهم وبين الطبقة التي تليهم مساحة كبيرة من نوعية الاهتمام بهم وتوجيههم وتوظيفهم دعوياً.
ب- طبقة في القاع: وهم باقي المدعوين في المحاضن التربوية ومنهم المهتم بالجانب الإداري أو الإعلامي أو الاقتصادي أو غيرها, فيظهر أن هناك نوعا من السطحية في الدعوة الموجهة لهم, وتركيزاً ضعيفا عليهم في الدعوة, فينتج عن هذا التعامل تساقط بعضهم من المحضن التربوي, ومن بقي منهم يتم تهميشه عن العمل في الجوانب التطوعية الأخرى, بل أحياناً يتم قمع بعض الاهتمامات الدنيوية التي عند هؤلاء الطلاب أو على الأقل عدم تنميتها واستغلالها.
تولية القيادة إلى من لا يستحقها
ومن الآثار لهذا الخطأ: تولية القيادة إلى من لا يستحقها ممن ظهرت فيه بعض المميزات, فيُكلَّفُ بالقيادة لكونه متميزاً في طلب العلم لكنه لا يُجيدُ التعامل مع الجوانب الإدارية؛ وهذه نظرةٌ قاصرةٌ في التكليف والتفويض.
عدم تنمية الجوانب الإبداعية
ومن آثار هذا الخطأ على الطلاب: عدم تنمية الجوانب الإبداعية فيهم, أو إماتتها أثناء محاولة توجيه الطالب قسراً لطلب العلم, وقد ينتج عنه كذلك عزوف الطالب عن الالتزام لرؤيته التجاهل أو الاهتمام السطحي على الأقل من قِبَلِ المربي.
حقاً؛ إننا في حاجة ماسة إلى المبدأ القياديّ النبويّ: كقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر حين طلبَ القيادة: «إنك امرؤ ضعيف», وقوله - صلى الله عليه وسلم - لعبدالله بن زيد حين طلبَ الأذان:» إنه - أي بلال- أندى صوتاً منك».
ونرى أيضاً أن خالد بن الوليد كان يقود الجيش وخلفه علماء الصحابة -رضي الله عنهم- كأبي بكر وعمرَ وغيرهم؛ فالتعامل الخطأ مع هذه المواقف يقتضى اتخاذ نقيض فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -, فلا تعني مواقف النبي - صلى الله عليه وسلم - تهميشاً للعلماء كأبي بكر, ولا يعني توظيفاً خطأ للكوادر, بل هو ملء الثغرة بما يناسبها.
وسيلةٌ إصلاحيةٌ ذهبيةٌ
وإن الدعوة الفردية هي وسيلةٌ إصلاحيةٌ ذهبيةٌ يتخذها المربي في تربيته, وتُثمر إثمار رائع إن أحسن التعامل معها, ولم تكن يوماً تُستعملُ في تهميش بعضهم أو التركيز على بعضهم مع المغالاة في تهميش الآخر؛ فالدعوة التي جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوةٌ شموليةٌ ليست للقويّ دون الضعيفِ، ولا للغنيِ دون الفقيرِ، ولا لطالبِ العلمِ دون غيرهِ.
التعاملَ التربويَّ
ولا نعني هنا أن الطلاب جميعهم في المحضن على حالٍ واحدٍ, قطعاً لا, ولا نعني أيضاً أن التعاملَ التربويَّ مع الجميع يكون بطريقة واحدةٍ أو درجةٍ واحدةٍ مِن الاهتمام, قَطعاً لا, بل مشكلتنا هي التهميشُ الزائد لبعض الناس لاعتبارات خطأ حسب ما ذكرناه, ثم تنصيبُ القياداتِ وإعدادهم من طبقة واحدة حسب التصنيف الذي ذُكِر بدايةً والله المستعان وعليه التكلان.
لاتوجد تعليقات