رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 25 نوفمبر، 2013 0 تعليق

أخطاء الواقفين (5-10) حصر الوقف في المساجد فقط

 

مما يتبادر إلى أذهان الكثيرين، حينما نتكلم عن الوقف، أن يكون محصوراً في المساجد ، وحصر الوقف في الأمور التعبدية فقط، وهذا تحجيم لمقاصد الوقف وغاياته وسماته ، وتحجيم لدوره المجتمعي والتنموي .

فالوقف الإسلامي من خصائصه وميزاته التنوع، فهو نظام إسلامي واسع شرع بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة، وشمل كل مناحي الحياة التعبدية والتعليمية والثقافية والإنسانية والإرشادية والمعيشية والإغاثية، فهو يلبي الحاجات المادية، من: مأكل ومشرب وملبس ومسكن وعلاج، والحاجات المعنوية، من: تعليم وتثقيف وتطوير، والحاجات النفسية، من: إدخال السرور، ومعالجة مشكلة الفقر، والوفاء بحاجات المجتمع، ومن أبرز سماته الاستمرارية والديمومة .

     نعم، بناء المساجد من أبرز الأوقاف وأدومها، ولكن حاجات المسلمين تتعدد،  فالوقف ليس بناء مساجد فقط، وليس محصوراً فيه. فأفضل الوقف ما كان أكثر نفعاً في زمنه، وهو يختلف باختلاف الزمان والمكان ومدى الحاجة إليه، فأفضله ما عمّ نفعه ودام ظلّه، جاء في (إتحاف الأحلاف في  أحكام الأوقاف): «إن أفضل الأوقاف وقف شيء، يحس الناس أنهم بحاجة ماسة له»(1).

     جاء بالسند عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سبع يجري للعبد أجرهُنَّ وهو في قبره بعد موته: من علّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته».

     والحديث جمع سبعاً من الأعمال التي تُعد من الوقف الإسلامي، التي تجري فيها الحسنات لصاحبها إلى ما بعد الممات، وتنوع تلك الأعمال لتوسيع دائرة الاختيار، وهذا من فضل الله -تعالى- على عباده ورحمته بهم أن فتح لعباده أبواباً من البر والخير والإحسان عديدة. لذلك ينبغي للواقف أن يستشير من يثق بدينه وعلمه وخبرته واطلاعه على أفضل الوقف في زمنه .

2- وقف المجهول:

     اشترط العلماء لصحة الوقف أن يكون الوقف معلوماً علماً ينفي الجهالة عنه، منعاً للنزاع، وقد عقب ابن حجر على قول البخاري : «إذا وقف أرضاً» على أن تكون الدار المراد وقفها ملكٌاً صرفاً له وأنها ليست مرهونة ولا محجوزة.

     فقد اشترط الفقهاء للموقوف أن يكون معلوماً، إما بتعيين قدره كوقف دَوْنم (وحدة مسافة) أرض (ألف متر مربع) أو بتعيين نسبته إلى معين كنصف أرضه في الجهة الفلانية. فلا يصح وقف المجهول؛ لأن الجهالة تفضي إلى النزاع.

     كالذي يقول: وقفت بعض عقاراتي في المدينة، ولم يحدد عين تلك العقارات وعددها ومساحتها وأماكنها. فيشترط لصحة عقد الوقف أن يكـون الموقوف معلوما حـين الوقـف؛ فلا يصح وقف المجهول  .

     قال في (المحرر): ولا يصح وقف المجهول. قال أبو العباس: المجهول نوعان مبهم ومعين، مثل: دار لم يرها فمنع هذا بعيد، وكذلك هبته فأما الوقف على المبهم فهو شبيه بالوصية له، وفي الوصية روايتان منصوصتان مثل: أن يوصي لأحد هذين أو لجاره محمد وله جاران بهذا الاسم، ووقف المبهم مفرع على هبته وبيعه وليس عن أحمد في هذا منع ويصح الوقف على أم ولده بعد موته.

     وهذا يختلف عن وقف المشاع كفعل عمر رضي الله عنه حين أوقف مئة سهم من خيبر بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن القصد بالوقف حبس الأصل وتسبيل المنفعة، والمشاع كالمقسوم في ذلك .

الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي الحنبلي، كتاب الوقف.

3- وقف ما لم يُملك ملكاً تاماً:

يشترط لصحة الوقف أن يكون الموقوف مملوكاً للواقف ساعة وقفه ملكاً باتاً، لا ينازعه فيه أحد، وألا يكون محجوزاً عليه، أو مرهوناً لأي جهة .

     وهذا ما اتفق الفقهاء على اشتراط كون الموقوف مالاً متقوماً، معلوماً، مملوكاً للواقف ملكاً تاماً، أي لا خيار فيه. أي أن يكون الموقوف مملوكاً للواقف حين وقفه ملكاً تاماً: أي لا خيار فيه؛ لأن الوقف إسقاط مِلْك، فيجب كون الموقوف مملوكاً.

جاء في حاشية ابن عابدين ما نصه: أن الواقف لا بد أن يكون مالكاً له وقت الوقف ملكاً باتاً. (حاشية ابن عابدين ج3، ص 497).

     وعند أبي حنيفة : من اشترى شيئاً بعقد بيع فيه خيار للبائع ثلاثة أيام، ثم وقفه في مدة الخيار، لم يصح الوقف؛ لأنه وقف مالا يملك ملكاً تاماً؛ لأن هذا البيع غير لازم (1). (البدائع): 220/6، (الدر المختار ورد المحتار): 393/3، 395.

     فلا يصح وقف عقارٍ أو بستانٍ ولم يتمكن الواقف من ملكه ملكاً تاماً، كالعقارات المملوكة للدولة، مثل: الشاليهات والقسائم الصناعية، والمزارع التي  توزع على المواطنين للانتفاع بها؛ لأن من شروط الوقف أن يكون الشيء الموقوف ملكاً تاماً للواقف،
     والشاليهات ليست مملوكة لهم، ومن ثم لا يملك المنتفع بها أن يوقفها وقفاً شرعياً؛ لأنها غير مملوكة له . ولهذا يشترط أن يقدم  للقاضي أصل الوثيقة الدالة على ملكيته للعقار.

4- الوقف لما هو منقطع :

     كأن  يقف على ما انقطع من الأعمال، كالنساخ الذين تحبس لهم الأوقاف ليصرف من ريعها  لنسخ الكتب ونشر العلم، وبعد ظهور المطابع أضحت هذه المهنة منعدمة .

     وكذلك كالذي يوقف على ولده وليس له ولد، وكالذي يوقف على رجل بعينه ولم يزد، فهو قد يموت فيصير الوقف منقطعاً، والأصل في الوقف أن يكون مؤبداً.

     وللخروج من الخلاف، قال أهل العلم على الواقف أن ينص في وقفه على عدم الانقطاع فإن كان الوقف لأبنائه – مثلاً – يقول: وقفت على أولادي وبناتي ثم على الفقراء. أو يقول : وقفت على ولدي – إن كان ولده الوحيد – ثم على الفقراء .

     والحنابلة يرون جواز الوقف على جهة يتوهم انقطاعها ومصرف الوقف المنقطع إلى المساكين، وفي رواية ثانية يصرف إلى أقارب الواقف . انظر: (المغني بهامش الشرح الكبير) (2/217) .

     وعلى الواقف أن يحرص كل الحرص أن يكون وقفاً نافعاً ومستمراً في عطائه، قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: «الوقف من أفضل القرب وأنفعها إذا كان على جهة بر، وسلم من الظلم.. وأفضله: أنفعه للمسلمين»(2).

5- وقف ما لا منفعة فيه:

     اشترط أهل العلم للوقف أن يكون فيه منفعة، فأما ما لا منفعة فيه فإنه لا يصح وقفه، كالذي يوقف حماراً هرماً، فهذا لا منفعة فيه؛ لأنه لا يركب ولا يحمل عليه، وإنما يؤذي بنفقته، فهذا لا يصح فيه الوقف؛ لأنه ليس فيه منفعة.أو كالذي وقف عَبْدٍ حُكِمَ عليه بالقتل بعد شهر مثلاً . 

     واشترط أهل العلم أن يكون الموقوف ينتفع به مع بقاء عينه، فإن كان لا يمكن أن ينتفع به إلا بتلف عينه فإنه لا يصح وقفه؛ لأن الوقف حبس الأصل وتسبيل المنفعة، فلو وقف جراب تمر على الفقراء فإنه لا يصح؛ لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا بتلف عينه؛ لأن الفقراء سوف يأكلونه وإذا أكلوه لم تبق عينه، فلا بد أن يكون من معيَّن يُنتفع به مع بقاء عينه. ولو وقف خبزاً على الفقراء فلا يصح؛ لأنه لا يمكن أن يُنتفع به مع بقاء عينه.

(الشرح الممتع على زاد المستقنع - المجلد الحادي عشر الشيخ محمد صالح بن عثيمين).

     فالوقف حفظ للمال، وضمان للبقاء، ودوام الانتفاع، وفيه من الخير الكثير، فهو امتثال لأمر الله -تعالى- في الإنفاق والتصدق والبذل في سبيل الله، ومنفعة الآخرين، وامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في حثه وتوجيهه للصدقة والوقف الذي تتحقق فيه المنفعة للبلاد والعباد .

     فعلى الواقف أن يجتهد ليكون وقفه أكثر نفعاً في زمنه،  ولا شك أن ذلك لا يتحقق إلا باستشارة أهل الاختصاص والأخذ بتوجيهاتهم، سلامة للوقف من الخلل والنقص، وإبعاد له عما يفسده.

الهوامش:

1 - إتحاف الأحلاف في  أحكام الأوقاف، عمر حلمي، ص5،  إسطنبول 1307هـ .

2 - منهاج السالكين وتوضيح الفقه في الدين، باب الوقف، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، ص 62-63.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك