رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 18 أغسطس، 2020 0 تعليق

أخطاء الواقفين (4)

 


الأخطاء في تطبيق الوقف، قد يقع فيها الواقف غالباً عن غير قصد منه  وأحيانا تقع تلك الأخطاء مع حرص الواقف في استمرار وقفه، وتحقيق منافعه للموقوف، إلا أن الحرص وحده لا يكفي إن لم يقترن معه الوعي التام، والتوجيه المبني على أسس علمية وشرعية وقانونية، ولا شك أن تسليط الضوء وكشف غير الصواب الذي يمارسه بعض الواقفين باب عظيم من أبواب إحياء سنة الوقف ونشر ثقافته، ونجاح مؤسساته واستمرار نمائه وعطائه، واليوم نستكمل الحديث عن تلك الأخطاء.

18 - عدم تصريح الواقف عن جهة وقفه

     قد يتعجل الواقف ويوقف عقارا أو بستانا، ولم يتبع ذلك بتصريح عن مصرف الوقف الذي أوقفه، هل هو وقف خيري أم ذري أم لأعيان من الناس يخصهم بريع هذا الوقف ؟ وعليه نص أهل العلم إذا لم يُصرح الواقف عن جهة وقفه، فلا تصرف غلة الموقوف إلا على الفقراء؛ ولذلك لو وقف شخص أرضه، وسكت عن الجهة التي تُصرف عليه الغلة، فإنها تكون وقفاً على الفقراء؛ حيث إن مصرف الوقف هم الفقراء، فتصرف لهم إن لم يحدد الواقف غيرهم، فالفقراء أصل في مصرف الوقف، وكذلك لو انقرض الموقوف عليهم، فتعود الغلة على الفقراء، لذا فإن عدم تصريح الواقف عن جهة وقفه، قد يدخل الوقف في إشكالات إن ادعى فئة من الناس أنهم المخصوصون بريع ذلك الوقف أو عينه، لا سيما إذا كان ذلك الإدعاء بعد وفاة الواقف، ولم ينص في وثيقة وقفه الفئة المستفيدة من هذا الوقف، والأنفع للوقف، استشارة الواقف أهل العلم والاختصاص بشأن وقفه قبل أن يوقف، حتى تكون خطواته للوقف صحيحة وافية لأفضل طرق إدارته وسبل مصارفه.

19 - الوقف على الأغنياء وحدهم فيما يحتاجه الفقراء

     الوقف يصح على الفقير والغني، وهذا ما أجازه أهل العلم، واستدلوا بفعل عثمان بن عفان رضي الله عنه: «حين أوقف بئر رومة وجعل دلوه مع دلاء المسلمين ليستفيد من ذلك الماء العذب؛ حيث يدخل الأغنياء في هذا الوقف تبعاً للفقراء، واشترطوا لذلك الآتي: مادام الوقف فيه براً ومعروفاً»، أما أن يوقف للأغنياء فيما لا يحتاجونه ولا ينتفعون به فهو وقف خرج عن مقاصد الوقف في الشريعة الإسلامية، وكذلك وقف الماء على الأغنياء فقط ويحرم منه الفقراء فهذا مما لا يصح.

     ومثاله يصح وقف الأدوية على الفقراء والأغنياء، فيدخل الأغنياء في هذا الوقف تبعاً للفقراء، ولكن وقف الأدوية على الأغنياء وحدهم لا يصح، ويشترط الأحناف- في الجهة الموقوف عليها - أن يكون الوقف عليها قربة، أي يكون براً يتقرب به إلى الله ويرجى الثواب عليه، وعلى هذا في مذهب الحنفية: فإن الوقف على الأغنياء وحدهم لا يصح؛ لأنه ليس بقربة. أما إن جعل الوقف على الأغنياء ومن بعدهم الفقراء، أي جعل آخره للفقراء، فإنه يكون قربة في الجملة، وهنالك أوقاف يستوي فيها الأغنياء والفقراء، كالمساجد والمدارس والمنافع العامة، فتوقف لينتفع منها الجميع.

20 - عدم انتفاع الواقف بوقفه

     نص العلماء بجواز انتفاع الواقف بوقفه، مثل ما فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه في وقفه بئراً في المدينة المنورة؛ حيث أوقفها على المسلمين وجعل دلوه كأحد دلاء المسلمين، ووقف أنس رضي الله عنه داراً له في المدينة فكان إذا حج مر بالمدينة فنزل داره. ففي الحديث الموقوف عن ثُمَامة، عن أنس: «أنه وقَفَ دارًا بالمدينة، فكان إذا حج مرَّ بالمدينة، فنزل دارهُ»، وعقد البخاري في كتاب الوصايا، باباً أسماه: (إذا وقف أرضاً أو بئراً أو اشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين) وذكر وقف أنس - رضي الله عنه -: «ووقف أنس داراً، فكان إذا قدم نزلها».

     وعلق ابن حجر على فعل أنس - رضي الله عنه - بقوله: «وهو موافق لما تقدم عن المالكية أنه يجوز أن يقف الدار، ويستثني لنفسه منها بيتًا»، ‏ وقال أهل العلم بجواز شرط الواقف لنفسه منفعة من وقفه، وقال ابن بطال لا خلاف بين العلماء أن من شرط لنفسه ولورثته نصيبا في وقفه أن ذلك جائز، فمن وقف مسجداً يكون هو وأولاده من جملة المصلين، ومن وقف معهداً أو مدرسة تحفيظ للقرآن الكريم فيكون أولاده من جملة الدارسين من الطلبة، فمنفعة الوقف ليست قاصرةً على الفقراء وحدهم، بل تتعدَّى ذلك إلى أهدافٍ اجتماعيةٍ واسعةٍ، وأغراضٍ خيّرةٍ شاملةٍ.

21 - حصر الوقف في المساجد فقط

     مما يتبادر إلى أذهان الكثيرين، حينما نتكلم عن الوقف، أن يكون محصوراً في المساجد، وحصر الوقف في الأمور التعبدية فقط، وهذا تحجيم لمقاصد الوقف وغاياته وسماته، وتحجيم لدوره المجتمعي والتنموي، فالوقف الإسلامي من خصائصه وميزاته التنوع، فهو نظام إسلامي واسع شرع بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة، وشمل كل مناحي الحياة التعبدية والتعليمية والثقافية والإنسانية والإرشادية والمعيشية والإغاثية، فهو يلبي الحاجات المادية، من: مأكل ومشرب وملبس ومسكن وعلاج، والحاجات المعنوية، من: تعليم وتثقيف وتطوير، والحاجات النفسية، من: إدخال السرور، ومعالجة مشكلة الفقر، والوفاء بحاجات المجتمع، ومن أبرز سماته الاستمرارية والديمومة.

نعم، بناء المساجد من أبرز الأوقاف وأدومها، ولكن حاجات المسلمين تتعدد، فالوقف ليس بناء مساجد فقط، وليس محصوراً فيه. فأفضل الوقف ما كان أكثر نفعاً في زمنه، وهو يختلف باختلاف الزمان والمكان ومدى الحاجة إليه، فأفضله ما عمّ نف.

     جاء بالسند عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سبع يجري للعبد أجرهُنَّ وهو في قبره بعد موته: من علّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته».

     والحديث جمع سبعاً من الأعمال التي تُعد من الوقف الإسلامي، التي تجري فيها الحسنات لصاحبها إلى ما بعد الممات، وتنوع تلك الأعمال لتوسيع دائرة الاختيار، وهذا من فضل الله -تعالى- على عباده ورحمته بهم أن فتح لعباده أبواباً من البر والخير والإحسان عديدة. لذلك ينبغي للواقف أن يستشير من يثق بدينه وعلمه وخبرته واطلاعه على أفضل الوقف في زمنه.

22 - وقف المجهول غير المحدد

     اشترط العلماء لصحة الوقف أن يكون الوقف معلوماً علماً ينفي الجهالة عنه، منعاً للنزاع، وقد عقب ابن حجر على قول البخاري: «إذا وقف أرضاً» على أن تكون الدار المراد وقفها ملكاً صرفاً له وأنها ليست مرهونة ولا محجوزة، فقد اشترط الفقهاء للموقوف أن يكون معلوماً، إما بتعيين قدره كوقف دَوْنم (وحدة مسافة) أرض (ألف متر مربع) أو بتعيين نسبته إلى معين كنصف أرضه في الجهة الفلانية. فلا يصح وقف المجهول؛ لأن الجهالة تفضي إلى النزاع.

كالذي يقول: وقفت بعض عقاراتي في المدينة، ولم يحدد عين تلك العقارات وعددها ومساحتها وأماكنها. فيشترط لصحة عقد الوقف أن يكـون الموقوف معلوما حـين الوقـف؛ فلا يصح وقف المجهول.

     قال في (المحرر): ولا يصح وقف المجهول. قال أبو العباس: المجهول نوعان مبهم ومعين، مثل: دار لم يرها فمنع هذا بعيد، وكذلك هبته فأما الوقف على المبهم فهو شبيه بالوصية له، وفي الوصية روايتان منصوصتان مثل: أن يوصي لأحد هذين أو لجاره محمد وله جاران بهذا الاسم، ووقف المبهم مفرع على هبته وبيعه وليس عن أحمد في هذا منع، ويصح الوقف على أم ولده بعد موته، وهذا يختلف عن وقف المشاع كفعل عمر - رضي الله عنه - حين أوقف مئة سهم من خيبر بإذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن القصد بالوقف حبس الأصل وتسبيل المنفعة، والمشاع كالمقسوم في ذلك.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك