رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 25 أغسطس، 2020 0 تعليق

أخطاء الواقفين (4)


 

 

الأخطاء في تطبيق الوقف، قد يقع فيها الواقف -غالباً- عن غير قصد منه، وأحيانا تقع تلك الأخطاء مع حرص الواقف في استمرار وقفه، وتحقيق منافعه للموقوف، إلا أن الحرص وحده لا يكفي إن لم يقترن معه الوعي التام، والتوجيه المبني على أسس علمية وشرعية وقانونية، ولا شك أن تسليط الضوء وكشف غير الصواب الذي يمارسه بعض الواقفين باب عظيم من أبواب إحياء سنة الوقف ونشر ثقافته، ونجاح مؤسساته واستمرار نمائه وعطائه، واليوم نستكمل الحديث عن تلك الأخطاء.

(23) وقف ما لم يُملك ملكاً تاماً

     يشترط لصحة الوقف أن يكون الموقوف مملوكاً للواقف ساعة وقفه ملكاً باتاً، لا ينازعه فيه أحد، وألا يكون محجوزاً عليه، أو مرهوناً لأي جهة، وهذا ما اتفق الفقهاء على اشتراط كون الموقوف مالاً متقوماً، معلوماً، مملوكاً للواقف ملكاً تاماً، أي لا خيار فيه، أي أن يكون الموقوف مملوكاً للواقف حين وقفه ملكاً تاماً: أي لا خيار فيه؛ لأن الوقف إسقاط مِلْك، فيجب كون الموقوف مملوكاً.

     جاء في حاشية ابن عابدين ما نصه: أن الواقف لا بد أن يكون مالكاً له وقت الوقف ملكاً باتاً، وعند أبي حنيفة: من اشترى شيئاً بعقد بيع فيه خيار للبائع ثلاثة أيام، ثم وقفه في مدة الخيار، لم يصح الوقف؛ لأنه وقف مالا يملك ملكاً تاماً؛ لأن هذا البيع غير لازم، فلا يصح وقف عقارٍ أو بستانٍ ولم يتمكن الواقف من ملكه ملكاً تاماً، كالعقارات المملوكة للدولة، مثل: الشاليهات والقسائم الصناعية، والمزارع التي توزع على المواطنين للانتفاع بها؛ لأن من شروط الوقف أن يكون الشيء الموقوف ملكاً تاماً للواقف، والشاليهات ليست مملوكة لهم، ومن ثم لا يملك المنتفع بها أن يوقفها وقفاً شرعياً؛ لأنها غير مملوكة له، ولهذا يشترط أن يقدم للقاضي أصل الوثيقة الدالة على ملكيته للعقار.

(24) الوقف لما هو منقطع

     كأن يقف على ما انقطع من الأعمال، كالنساخ الذين تحبس لهم الأوقاف ليصرف من ريعها لنسخ الكتب ونشر العلم، وبعد ظهور المطابع أضحت هذه المهنة منعدمة، وكذلك كالذي يوقف على ولده وليس له ولد، وكالذي يوقف على رجل بعينه ولم يزد، فهو قد يموت فيصير الوقف منقطعاً، والأصل في الوقف أن يكون مؤبداً.

     وللخروج من الخلاف، قال أهل العلم على الواقف أن ينص في وقفه على عدم الانقطاع؛ فإن كان الوقف لأبنائه – مثلاً – يقول: وقفت على أولادي وبناتي ثم على الفقراء. أو يقول: وقفت على ولدي – إن كان ولده الوحيد – ثم على الفقراء، والحنابلة يرون جواز الوقف على جهة يتوهم انقطاعها ومصرف الوقف المنقطع إلى المساكين، وفي رواية ثانية يصرف إلى أقارب الواقف، وعلى الواقف أن يحرص كل الحرص أن يكون وقفاً نافعاً ومستمراً في عطائه، قال العلامة عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-: «الوقف من أفضل القرب وأنفعها إذا كان على جهة بر، وسلم من الظلم.. وأفضله: أنفعه للمسلمين».

وقف ما لا منفعة فيه

     اشترط أهل العلم للوقف أن يكون فيه منفعة، فأما ما لا منفعة فيه فإنه لا يصح وقفه، كالذي يوقف حماراً هرماً، فهذا لا منفعة فيه؛ لأنه لا يركب ولا يحمل عليه، وإنما يؤذي بنفقته، فهذا لا يصح فيه الوقف؛ لأنه ليس فيه منفعة، أو كالذي وقف عَبْدا حُكِمَ عليه بالقتل بعد شهر مثلاً.

     واشترط أهل العلم أن يكون الموقوف ينتفع به مع بقاء عينه، فإن كان لا يمكن أن ينتفع به إلا بتلف عينه فإنه لا يصح وقفه؛ لأن الوقف حبس الأصل وتسبيل المنفعة، فلو وقف جراب تمر على الفقراء فإنه لا يصح؛ لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا بتلف عينه؛ لأن الفقراء سوف يأكلونه وإذا أكلوه لم تبق عينه، فلا بد أن يكون من معيَّن يُنتفع به مع بقاء عينه. ولو وقف خبزاً على الفقراء فلا يصح؛ لأنه لا يمكن أن يُنتفع به مع بقاء عينه، فالوقف حفظ للمال، وضمان للبقاء، ودوام الانتفاع، وفيه من الخير الكثير، فهو امتثال لأمر الله -تعالى- في الإنفاق والتصدق والبذل في سبيل الله، ومنفعة الآخرين، وامتثال لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في حثه وتوجيهه للصدقة والوقف الذي تتحقق فيه المنفعة للبلاد والعباد.

فعلى الواقف أن يجتهد ليكون وقفه أكثر نفعاً في زمنه، ولا شك أن ذلك لا يتحقق إلا باستشارة أهل الاختصاص والأخذ بتوجيهاتهم، سلامة للوقف من الخلل والنقص، وإبعاد له عما يفسده.

إهمال عمارة الوقف وترميمه

     إهمال عمارة الوقف أو ترميمه أو إصلاحه يؤدي إلى خرابه وهلاكه، وقد أجمع الفقهاء على أن العمارة هي أول واجب يلقى على عاتق الناظر أو القيم على الوقف، وعمارة الأعيان الموقوفة مقدمة على الصرف إلى المستحقين سواء في الوقف الخيري أم الأهلي؛ لأنها تؤدي إلى دوام الانتفاع بالوقف وعدم تفويت منفعة من منافعه.

     ولحماية للأصول الوقفية ورعايتها وضمان استمرار عطائها، نص العلماء والفقهاء على أن تُصرف غلة الوقف على عمارته أولاً. قال الإمام النووي: «وظيفة المتولي العمارة، والإجارة، وتحصيل الغلة، وقسمتها على المستحقين، وحفظ الأصول والغلات»، وجاء في الإسعاف: «أول ما يفعله القيم في غلة الوقف البداءة بعمارته، وأجرة القوام وإن لم يشترطها»؛ سواء شرط ذلك الواقف أم لا.

الحفاظ على الوقف ورعاية مصلحته

     فيجب على الناظر القيام بكل ما من شأنه الحفاظ على الوقف ورعاية مصلحته، وفي مقدمة ذلك بأن يقوم بأعمال الترميم والصيانة حفظا لعين الوقف من الخراب والهلاك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ويدار في الوقف مع المصلحة؛ حيث كانت» فيعمل بما هو في مصلحة الوقف، ويُحرص على عمارته وترميمه لجعله صالحاً محققاً لمقصد الواقف في النفع، وقد قرر ابن عابدين قاعدة جليلة في الموضوع؛ حيث قال: «عمارة الأعيان الموقوفة مقدمة على الصرف إلى المستحقين»، ونص ابن نجيم على أنه لو شرط الواقف استواء العمارة بالمستحقين لم يعتبر شرطه، وإنما تقدم عليهم.

 ترك الوقف بلا ناظر أو متولٍ يتولاه

     من الأخطاء التي قد يقع بها بعض الواقفين، ترك وقفه بلا نظارة ترعاه وتنميه، ويؤدي ذلك إلى إضعافه، بل وتجرأ بعض ضعاف النفوس للتعدي عليه واستغلاله، فلا بد للموقوف من متول يدير شؤونه ويحفظ أعيانه، وذلك بعمارتها وصيانتها، واستثماره على الوجه المشروع، وصرف غلته إلى مستحقيه على مقتضى وثيقة الوقف، والدفاع عنه والمطالبة بحقوقه، كل ذلك حسب شروط الواقف المعتبرة شرعاً.

انتفاع الواقف والموقوف عليه

     والمقصود من الوقف هو انتفاع الواقف والموقوف عليه، انتفاع الواقف بما يحصل عليه من الأجر والثواب من الله تعالى في الدنيا والآخرة، وانتفاع الموقوف عليه بما يحصل عليه من المال أو المنفعة التي تندفع بها حاجته، ولا يتحقق ذلك إلا ببقاء العين الموقوفة على حالٍ ينتفع بها، والسبيل إلى ذلك هو الولاية التي تتوفر فيها الشروط والأحكام المعتبرة لذلك شرعاً.

التولية على الوقف

     والتولية على الوقف أمر واجب، للمحافظة عليه من التلف والضياع والتعطل. ويشترط فيمن يتولى النظر على الوقف جملة من الشروط وهي: الإسلام والعقل والبلوغ والعدالة والكفاية والحرية، وهي قدرة الناظر على التصرف فيما هو ناظر عليه بما فيه المصلحة، أي القدرة على القيام بشؤون الوقف.

     ووظيفة الوالي على الوقف حفظ عين الوقف، والقيام بشؤونها، وتنفيذ شرط واقفها، وكل ما يتعلق بحماية العين عن الهلاك أو التعطل، وصيانتها، وعمارتها، ورعاية غلتها، والاجتهاد في تنميتها، وتحصيل الغلة وتوزيعها على مستحقيها، ودفع كل ضرر متوقع عن عين الوقف.

  

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك