رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 21 سبتمبر، 2020 0 تعليق

أخطاء الواقفين (الأخيرة)

 

شرع الوقف لأهداف سامية، ومقاصد نبيلة، وامتاز بتنظيم محكم دقيق، وقد أولى فقهاء الأمة ومحدثوهم العمل الوقفي والخيري اهتماماً واضحاً، فأصلوه تأصيلاً شرعياً، وحددوا له الشروط والضوابط والمقاصد والغايات، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الواقفين من الانحراف به عن نهج الشريعة، وقصد الشارع من إنشائه، وذلك نتيجة لبعد الناس عن تعاليم الإسلام الحقة، وجهلهم بمعرفة الحكمة من تشريع هذه الأحكام، وهذا ما نتناوله في هذه السلسلة من أخطاء الواقفين.

إهمال توثيق الوقف قانونياً

في الشريعة الإسلامية ينعقد الوقف ويصح بأحد أمرين:

- الأول: القول الدال على الوقف، كأن يقول وقفت أو سبّلت أو حبست أو أبدت، وهذه الألفاظ صريحة في أن المتصدق أراد الوقف لعدم احتمال غيره.

- الثاني: الفعل الدال على الوقف في عرف الناس، فإذا حصل فعل، وصحبه ما يدل على إرادة الوقف، صار وقفاً بذلك، كمن بنى على أرض له مسجداً وأُذن للصلاة فيه، أو من جعل أرضه مقبرة وأَذنَ للناس في الدفن فيها، أو حفر بئراً وسبلها للناس، أو من وضع في المسجد المصاحف والكتب، فتصير بذلك وقفاً لدلالة الحال عليه.

     وحيث لم تشترط الشريعة الإسلامية «التوثيق» لإنشاء الوقف، ولم تمنع سماع الدعوى به إذ لم يكن مكتوباً، لذلك فقد كان من الجائز إثبات الوقف بكافة الأدلة المقبولة شرعاً. دفعاً للإشكالات والمنازعات التي قد تحدث بعد موت الواقف، وقد نصت قوانين تنظيم الوقف في بعض الدول العربية والإسلامية على أن الوقف لا يتم إنشاؤه إلا بإشهاد شاهدي عدل على إنشاء وقفه على يد قاض شرعي، كما نصت على أن الوقف لا يكون حجة على الآخر إلا إذا كان مسجلاً بسجل المحكمة التى بدائرتها العقار الموقوف، وهذا أدعى لتوثيق الوقف قانونياً بتحرير «حجة وقف»، معتمدة من دوائر الدولة، حتى تحفظ الأصول الوقفية.

يعد الوقف في جميع أحواله مستحباً

     الوقف في حكمه العام مستحب، والأصل في استحبابه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته؛ علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته».

     والوقف لا يأخذ حكماً واحداً في جميع أحواله، فيكون الوقف مباحاً أحياناً، ويكون الوقف أحياناً واجباً وفرضاً، كما لو قال أحدٌ: إن داري هذه وقف إذا ما عاد ابني من غربته، أو إذا ما شفيتُ من مرضي، فشفي من مرضه، وعاد الابن من غريته لزم على القائل وقف داره، وفاءً بنذره، فهو ليس في كل الوقت مخير في إمضائه وانعقاده، فإن تعلق بنذر وجب الوفاء به إن تحقق النذر، وترك الوفاء به محرم، إلا نذر المعصية، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه».

وقف الصبي الصغير الذي لم يبلغ الحلم

     من شروط صحة الوقف أن يكون الواقف حرًا مالكًا عاقلا بالغًا غير محجور عليه بسفه أو غيره. وعليه فلا يصح وقف الصبي مميزاً كان أم لا، ومثله وقف المجنون، والمديون، والمحجور، والعبد، إلا إذا أذن له مولاه بالوقف، وقد اشترط مشروع قانون الوقف الكويتي في المادة الثالثة منه - ضمن شروط صحة الوقف - ما يلي: «أن يكون الواقف عاقلاً، مختارًا، قد بلغ سن الثامنة عشرة سنة».

     فمن شروط إنشاء الوقف، أن يكون الواقف أهلاً للتبرع؛ لهذا لا يصح وقف المعتوه أو المجنون أو الصغير مأذوناً كان أم غير مأذون، بناء على أن الوقف كالهبة، والصدقة من قبيل التبرع، وعدم أهلية هؤلاء للتبرع. وعليه، فلو وقف أحد هؤلاء القاصرين داره مثلاً على جهة ما، ثم مات، أدخل ورثته الدار ضمن تركته.

فيعد في الواقف البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه، وفي المقابل يصح الوقف على القاصرين، فلو أوقف رجل داره على صغير أو مجنون، صح ولزم وقفه.

وقف المال الموهوب قبل قبضه

نص أهل العلم بعدم صحة وقف الموهوب له للموهوب قبل قبضه، فلا يصح أن يوقف الموهوب له المال الموهوب له قبل قبضه، فيشترط أن يقبض ذلك المال ويكون بحوزته وملكه، ثم يوقفه بعد ذلك، فيصح وقفه بعد قبضه.

     فيشترط قبض الموهوب، وبعد ذلك يتم الوقف، وكذلك أن يكون ممكن القبض، فلا يصحّ وقف ما لا يمكن قبضه، كالدّابّة الشاردة. فلا يتحقّق الوقف إلا حين القبض، ولو مات الواقف قبل القبض بطَلَ الوقفُ وصار المالُ ميراثاً لورثته. وذكر الخصاف أيضا أن الموهوب له لا يصح وقفه قبل القبض، فالملك شرط وقت الوقف.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك