رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود طراد 12 سبتمبر، 2019 0 تعليق

أحاديث عاشوراء وشبهات التنويريين


عاشوراء هو اليوم الذي نجى الله -تعالى- فيه موسى - عليه السلام - من فرعون، فصامه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كما قال: أولى بموسى من اليهود الذين كانوا يصومون ذلك اليوم، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؛ فَقَالَ مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

فضل صيام عاشوراء

     ومع سبب هذا الصيام كما في الحديث السابق نجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤكد على فضل صيام عاشوراء؛ فيقول: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» رواه مسلم وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يتحرى صيام هذا اليوم؛ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ». رواه البخاري. هذا ولم تسلم أحاديث يوم عاشوراء من طعن الطاعنين الذين يوجهون سهامهم إلى كتب التراث، فنجد مجموعة من الاعتراضات على الأحاديث ومضامينها، ومن ذلك:

الشبهة الأولى

     شبهة مخالفة اليهود يقول المعترضون: ثبت عندكم أن النبي كان يصوم يوم عاشوراء قبل أن يقدم إلى المدينة، وقد كان ذلك اقتداء باليهود؛ فلماذا خالفهم بعد ذلك؟ أليس هذا التقلب دليلاً على عدم صحة هذا الحديث؛ إذ إنه كان يوافقهم لسنوات ثم أمر بمخالفتهم بعد ذلك؟ وللجواب عن هذا نقول: ثبت عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- كما في الصحيحين أن قريشا كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه، فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه. وثبت أيضاً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا». ونص حديث أمنا عائشة -رضي الله عنها- يوضح خطأ تلك الشبهة؛ إذ إنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصمه اقتداء باليهود بل إنه كان يصومه لسبب آخر وذلك أنه كان يوماً معلوم القدر في الجاهلية، يقول القرطبي -رحمه الله-: وقول عائشة -رضي الله عنها-: «كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية»: يدل على أن صوم هذا اليوم كان عندهم معلوم المشروعية، والقدر، ولعلهم كانوا يستندون في صومه: إلى أنه من شريعة إبراهيم وإسماعيل، -صلوات الله وسلامه عليهما-؛ فإنهم كانوا ينتسبون إليهما، ويستندون في كثير من أحكام الحج، وغيره، إليهما.

الشبهة الثانية

     لماذا خالف النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود؟ يجيب عن هذا اللبس الإمام ابن حجر -رحمه الله تعالى- فيقول: ولأحمد -يعني ابن حنبل- مرفوعاً: صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، قال: وهذا كان في آخر الأمر، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء... إلى أن قال: فلما فتحت مكة واستقر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضاً كما ثبت في الصحيح، فهذا من ذاك، فوافقهم أولاً وقال: نحن أحق بموسى منكم ثم أحب مخالفتهم، فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله أو يوم بعده خلافاً لهم. وقد كانت موافقته لهم - صلى الله عليه وسلم - تأليفاً لهم وهذا التأليف الذي أراده النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مخالفاً لأمر أمره الله -تعالى- به؛ إذ إن لدعوته أيضاً أعداء كثر ولم يستقر أمرها بعد، لكن لما تغير الوضع واستقر الأمر تم التدرج في التعامل مع اليهود بمخالفتهم لتمييز الشخصية المسلمة عن غيرها.

الشبهة الثالثة

     شبهة: كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصومه في مكة؟ يقول المعترضون: ثبت عندكم أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصومه في مكة، ثم نقلتم أنه سأل عن سبب صيامه بعد ذلك، فهل يعقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعلم السبب؟ وللجواب نقول: إن الأحاديث لم تذكر أن قريشاً واليهود كانوا يصومون هذا اليوم للسبب نفسه، وجل ما نقلته الأحاديث عملية الصوم، ولما كان النبي يصومه مع قريش، وذهب إلى المدينة فوجدهم يصومون اليوم نفسه؛ فسأل عن سبب صيام اليهود ليعلم هل هو سبب قريش نفسه أم لا؟ ولذا ليس ثمة خلاف بين الأحاديث، يقول الحافظ ابن حجر: ولا مخالفة بين الحديثين؛ إذ لا مانع من توارد الفريقين على صيامه مع اختلاف السبب في ذلك.

الشبهة الرابعة

     شبهة: أن الرسول قدم المدينةَ في شهر ربيع الأول؛ فكيف يقولُ ابن عباس: إنه قدم المدينة، فوجد اليهود صُيَّاماً يومَ عاشوراء يستشكل الأمر على الطاعنين، رغم أنه لا يلزم أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سأل أول ما ذهب المدينة في الشهر نفسه، بل تقدير الكلام، أنه - صلى الله عليه وسلم - وصل المدينة في ربيع الأول، ثم بقي فيها حتى رأى اليهود يصومون فسأل عن سبب صيامهم، وفي هذا يقول ابن حجر -رحمه الله تعالى- كما في فتح الباري: وقد استُشكل ظاهر الخبر لاقتضائه أنه - صلى الله عليه وسلم - حين قدومه المدينة وجد اليهود صيَّاماً يوم عاشوراء، وإنما قدم المدينة في (ربيع الأول) والجواب عن ذلك: أن المراد: أن أول علمه بذلك، وسؤاله عنه: كان بعد أن قدم المدينة، لا أنه قبل أن يقدمها علمَ ذلك، وغايته: أن في الكلام حذفاً تقديره: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم- المدينةَ فأقام إلى يوم عاشوراء، فوجد اليهود فيه صيَّاماً.

الشبهة الخامسة

     شبهة: هل في الأحاديث أن النبي أصبح تابعاً لليهود في صيام عاشوراء وأن سؤاله تنقيص من علمه؟ يقولون: إن الأحاديث تقول: إنه سأل عن صيام اليهود لهذا اليوم فعلم أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى فصامه -أي اقتداء بهم- وهنا أصبح تابعاً لهم، وقد كان يجهل سبب الصيام فتعلمه منهم. وللجواب على ذلك نقول: إن حديث أمنا عائشة -رضي الله عنها- السابق دليل أنه كان يصومه قبل قدومه المدينة، فلم يكن ابتداء صيامه بسببهم أصلاً، وأما معرفته بأن هذا اليوم هو الذي نجى الله فيه سيدنا موسى، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله له ووارد كما قال الإمام النووي -رحمه الله-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوحى إليه بصدقهم فيما قالوه، أو تواتر عنده النقل بذلك، حتى حصل له العلم به. انتهى.

الشبهة السادسة

     شبهة: كيف يتوافق اليهود معنا وهم لا يصومون حسب التقويم القمري، يقولون: إن اليهود لا يعتمدون على التقويم الهجري، فكيف يتوافقون معنا في الصيام؟ وكيف يأمر النبي بمخالفتهم وهم أصلاً لا يصومون معنا اليوم نفسه؟ وللجواب نقول: إن من يدعي ذلك جاهل بواقع اليهود في التعامل مع التقويم، إذ إنهم يعتمدون على التقويم؛ القمري أيضاً، وقد جاء في الموسوعة العربية العالمية: تعتمد السنة العبرية على القمر، وهي في العادة مكونة من 12 شهراً، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن اليهود الذين عاصرهم وهو يرد على من يقول إنهم لا يعتدون بالهلال: «فَإِنَّ الْيَهُود لَا يَعْتَبِرُونَ فِي صَوْمهمْ إِلَّا بِالْأَهِلَّةِ، هَذَا الَّذِي شَاهَدْنَاهُ مِنْهُمْ، فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون فِيهِمْ مَنْ كَانَ يَعْتَبِر الشُّهُور بِحِسَابِ الشَّمْس لَكِنْ لَا وُجُود لَهُ الْآن، كَمَا اِنْقَرَضَ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ عُزَيْر اِبْن اللَّه».

الشبهة السابعة

     شبهة: أين احتفال اليهود بعاشوراء؟ إذا كانت الأحاديث تقول إن اليهود تعظم هذا اليوم فأين هذا التعظيم؟ وللجواب نقول: إن اليهود قوم غيروا وبدلوا وحرفوا وهم على ذلك دائماً، فهم ينكرون نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم - رغم أن سيدنا موسى بشّرهم به، وكان منهم من يقول عزير ابن الله، وانقرضوا ولم يبقَ منهم أحد؛ فلا يمنع أن يكون عدم تقديرهم لذلك اليوم الآن من انحرافاتهم وتبديلهم في شريعتهم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك