رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: عبدالوهاب السنين 14 أكتوبر، 2019 0 تعليق

أجهزة التواصل بين التأثير والتأثر

 

قضية التأثير قضية مهمة جدا، فلا يوجد أحد في الدنيا يعيش محايدا؛ فالفرد في المجتمع إما أن يكون فاعلا أو يكون منزويا، أو يكون مؤثرا أو متأثرا ولا شك أن الاختلاط بالناس تزيد من التأثير والتأثر، وهذا التأثير إما أن يكون إيجابيا أو يكون سلبيا؛ ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «الرجل الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الرجل الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل».

متى يكون الإنسان مؤثرًا؟

يكون الإنسان مؤثرًا في حالين: الأولى إما أن يكون صاحب رسالة نافعة للمجتمع، أو يكون صاحب رسالة سيئة لا يقدم نفعًا، بل يسبب الأذى لمن حوله.

     وهذا الأمر الثاني له صور متعددة، منها ما يكون في صورة انحراف فكري مثل: التطرف والإرهاب والتكفير وغيرة من الأشياء التي دخلت على المجتمع، وهي ليست من طبيعة المجتمع، أو أن هذا الإنسان قد يكون صاحب دنيا محبا لها، ويعمل لأجلها بأي وسيلة مشروعة وغير مشروعة، وهذا لا شك سيكون له تأثير في المجتمع.

     من هنا فإن المجتمعات ومنذ الخليقة يدور فيها صراع بين هذين الطرفين، بين الطرف الذي يحمل الخير، وبين الطرف الذي يحمل الشر، وهو صراع بين الحق والباطل، وصراع بين أصحاب الرسالة الحميدة الذين يرشدون المجتمع ويوجهونه إلى الخير، وبين أصحاب الأهواء والأطماع الذين يحاولون أن ينحرفوا بالمجتمع عن صراط الله الحميد.

وسائل التواصل

     ومما زاد من الاختلاط في المجتمع، وزاد من عملية التأثير والتأثر وسائل التواصل الاجتماعي، وتلك الأجهزة الذكية التي أصبحت لا تفارق الكبير ولا الصغير ولا الرجال ولا النساء طوال الليل والنهار، في السابق كان محدوداً، أما اليوم ومن خلال أجهزة التواصل، أصبح واسعاً وممتدا، سواء على المستوى المحلي أم على المستوى الإقليمي والعالمي؛ حيث أصبح الناس يعرفون عادات غيرهم، فزاد التأثر بهذه العادات، ودخلت علينا ثقافات ما أنزل الله بها من سلطان.

منافع وإيجابيات

     ولا يستطيع أحد أن ينكر أن لهذه الأجهزة وهذه المواقع إيجابيات، وأنها مهمة جدًا، ولا نريد أن ننظر فقط إلى هذه الأجهزة من زاوية سوداء فقط، وهذه الإيجابيات لا تعد ولا تحصى ولعل من أهم هذه الإيجابيات التي لامستها بنفسي استفادة الكثيرين في الجانب العلمي وهذا متحقق وملموس؛ فوفرة المعلومات من خلال الأجهزة تجعلك تحصل على المعلومة بسرعة كبيرة جدًا.

كما أن هذه المواقع سهلت نشر الخير والتواصل مع الناس والجهات الرسمية والشعبية، ونشر المفيد والنافع للمجتمع، فضلاً عن سهولة توعية المجتمع بالظواهر السلبية من خلال الوصول إلى أكبر شريحة في المجتمع.

سلبيات مواقع التواصل

     عند الحديث عن السلبيات لابد أن نكون واقعيين؛ فالسلبيات قد تكون من أنفسنا أكثر من الجهاز، نعم هذه حقيقة لا يجب أن نلقي باللوم على الأجهزة؛ فالجهاز آلة صماء لكن المستخدم والمستعمل هو من يسيء استخدامه؛ فتجده يدخل إلى كل موقع تقع عليه يده، إذًا فالسلبيات معظمها يأتي من أنفسنا.

ضياع الأوقات

     ومن السلبيات الخطيرة لهذه الوسائل ضياع الأوقات؛ فبعض الناس ينكبون على جهاز الهاتف الساعات الطوال، مما يضيع عليه عمره وإنجازه في عمله، ويعود بالضرر على أسرته ومن حوله، لا أدري كيف يجلس هؤلاء على هذا الجهاز ويترك الناس من حوله لا يبالي بهم، ومنهم من هم بحاجة إليه كزوجته وأبنائه وغيرهم.

 تتبع العورات

     كذلك من السلبيات المؤثرة جدًا في واقعنا أن هذه الوسائل تجعل كثيرا من الناس عنده فضول في تتبع عورات المسلمين والبحث عن عيوبهم، وعن السقطات واللقطات وعن الأخطاء، وقد نهى الشرع عن ذلك؛ فعن  برزة الأسلمي - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف بيته»، وفي الحديث - أيضًا - وعيد بكشف عيوب الذين يتتبعون عورات المسلمين، ومجازاتهم بسوء صنيعهم، وكشف مساوئهم، ولو كانوا في بيوتهم مختفين من الناس، وعند الطبراني من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيما رجل أشاع على امرئ مسلم كلمة، وهو منها بريء، ليشينه بها، كان حقا على الله أن يعذبه بها يوم القيامة في النار، حتى يأتي بنفاذ ما قال».

عزلة الناس

     السلبية الأخرى المؤثرة جدًا هي عزلة الناس؛ فهم يعيشون في حياة افتراضية خيالية غير حقيقية، يبتعدون فيها عن المجتمع، ولا شك أن هذا يعد نوعا من الإدمان المرضي الذي يؤدي إلى الإصابة بالعزلة الاجتماعية والفشل في إقامة علاقات إنسانية طبيعية مع الآخرين؛ لأن العالم الإلكتروني قدَّم لهم مجالا واسعا لإقامة علاقات غامضة مع الآخرين، تخلق لهم نوعًا من الألفة المزيفة، فيصبح هذا العالم الجديد الملاذ الآمن لهم، من خشونة عالم الحقيقة وقسوته كما يعتقدون، حتى يتحول عالمهم هذا إلى كابوس يهدد حياتهم الاجتماعية حين ينعزلون كلياً عن المجتمع والعائلة. ولا شك أن وجود العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة يعني وجود المحبة والعاطفة والمودة التي تجعل الأسرة متماسكة ومترابطة، فالأجهزة والهواتف الذكية فرقت بين أفراد الأسرة، وجعلتهم منشغلين، ولا يوجد أي تواصل طبيعي بينهم.

القدوات السلبية

     ومن الآثار السلبية لتلك المواقع غياب القدوات الحسنة والتأثر بالقدوات السيئة، وهذا من الأخطاء الكبيرة؛ فأنت عندما تبحث عن القدوة أين تجدها؟ المفترض أنك تجدها أمامك في البيت، وفي المدرسة، وفي الشارع في العمل، وفي المساجد ودور العبادة... وهذه الأماكن هي التي تجد فيها القدوات الصالحة والمؤثرة، وتجد فيها البيئة الصالحة للاقتداء.

موت المشاعر

     وهذه من القضايا المهمة والمؤثرة جدًا في واقعنا؛ إذ إن هذه الأجهزة تجعل ذهن الإنسان فارغا ليس فيه شيء، وهذه حقيقة، وقد رأيت بنفسي شابًا عمره 12 سنة يحفظ القرآن فأقول لنفسي لو أن هذا الولد كان يتعامل مع هذه الأجهزة يوميا ما استطاع أن يحفظ حتى جزءا واحدا. خلاصة الأمر أن هذه الأجهزة آلة صماء بعض الناس -مع الأسف- جعلها كل حياته، يدير من خلالها أموره كلها، في شرائه وفي بيعه حتى في علاقاته الاجتماعية، وحتى في البيت مع أبنائه؛ فبعضهم وهو داخل إلـى البيت يتواصل مع أبنائه و زوجته من خلال الرسائل، فالعلاقات الاجتماعية كلها صارت من خلال هذا الجهاز.

من يتحمل المسؤولية

     حينما نتحدث عن هذه القضية نقول: إن المسؤولية لا تنحصر في جهة واحدة من جهات المجتمع فالمجتمع كله مسؤول؛ فليست الدولة وحدها المسؤولة؛ فالأسرة مسؤولة، والمدرسة مسؤولة، فدور المجتمع ودور الأسرة أنها تعالج هذه القضايا، والمسألة ليست متعلقة بشريحة معينة في المجتمع. اليوم الكل يتأثر وسيتأثر إما إيجابا أو سلبا؛ فمن تأثر إيجابا واستفاد منها يجب أن ينقل هذه التجربة لأبنائه، ويجب أن يقوم بواجبه بوصفه أبا مسؤولا ويقوم على ترشيد الأسرة والتواصل معها والعمل على إزاحة كل ما هو ضار بالمجتمع، وإن لم نكن على مستوى من المسؤولية سنفقد جيلاً كاملاً، وسنجد جيلا عديم الإنتاجية يتصف بالسلبية، بعيدا عن حياته الواقعية؛ فأنصح هؤلاء جميعا أبنائي أولا وأخواتي والناس جميعهم والمسؤولين العناية بأبنائهم والعناية بأسرهم

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك