أثـار الفتـن (6) الجرأة على القتل وسفك الدماء
أيضاً من عواقب الفتن ومآلاتها: أنها ترخص فيها دماء المسلمين -أي بينهم-، وتتجرأ النفوس على القتل، ويستحل الناس دماء بعضهم بعضاً، وقد جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «في الفتنة لا ترون القتل شيئاً» (1)، وكان رضي الله عنه عظيم النهي عن الدخول في إراقة الدماء، واستلاب الأموال، والتعدي على الأعراض، وله في هذا كلمة عظيمة جميلة ينبغي أن تُحفظ ويُحافظ عليها ألا وهي: أن رجلاً كتب إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن اكتب إليّ بالعلم؛ فكتب إليه: «إن العلم كثير؛ -يابن أخي- ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء المسلمين، خميص البطن من أموالهم، كاف اللسان عن أعراضهم، لازماً لجماعتهم، فافعل» (2).
وهي وصية من أعظم الوصايا وأجمعها للعلم كله والخير كله.
اختلال الأمن
أيضاً من آثار الفتن: أنها تؤدي إلى اختلال الأمن، والأمن من أعظم النعم التي منَّ الله سبحانه وتعالى بها على أمة الإيمان: {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} (قريش: 4).
فالأمن نعمة عظيمة، أمن الإنسان على دمه، وأمنه على ماله، وأمنه على نفسه، وعرضه، إلى غير ذلك، هذه من النعم الكبار، لكن إذا اضطربت الأمور وشبت الفتن واشتعلت؛ أُرِيقت دماء، وأُتلِفت أموال، وأُزهِقت أرواح، ويُتِّم أطفال، ورُمِّل نساء، إلى غير ذلك من العواقب التي لا تحمد.
الحادي عشر:تجرؤ أهل الانحلال على نشر باطلهم
أيضاً من آثار الفتن: أنها تفتح على الناس أبواباً من الانحراف، سواء من الجوانب العقدية أم الجوانب الأخلاقية، ويتجرأ أهل الانحلال والفساد في نشر باطلهم وفسادهم؛ لأن أصحاب الحق شغلتهم الفتنة، واشتغلوا بها، وضيعت أوقاتهم، وصرفتهم عن باب الإفادة والنفع والانتفاع، فيستغل أهل الفساد وأهل الشر ذلك؛ فيبدؤون في بث باطلهم، ونشر شرهم ودعوتهم للرذيلة والفساد، أو دعوتهم إلى الانحلال العقدي والمذاهب الفاسدة المنحرفة، يجدون لأنفسهم فرصة عند اشتغال الناس وأهل الخير بالفتن، وهذا مما يؤكد على كل مسلم أن يكون في غاية الحذر من الفتن وعوائدها.
الثاني عشر والأخير:تسلط الأعداء
أيضاً من الآثار: أنها تؤدي أو تفضي إلى تسلط الأعداء؛ عندما يتنازع أهل الحق، ويفشو فيهم الهرج والقتل، ويموج أمرهم وتضطرب كلمتهم؛ يستغل الأعداء هذه الفرصة، ويتسلطون على أهل الإيمان، ويضغطون عليهم بأنواع من الضغوطات؛ والله تبارك وتعالى يقول: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } (الأنفال: 46).
فالواجب على أهل الإيمان أن يكونوا في غاية الحذر من الفتن وأخطارها، وأن يكونوا في حيطة من ذلك، وأن يقبلوا على الله سبحانه وتعالى إقبالاً صادقاً بأن يعيذهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح لهم أحوالهم، وأن يجمع كلمتهم على الحق والهدى.
ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، وبأنه الله الذي لا إله إلا هو الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً، أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجيرنا من الفتن، وأن يسلمنا من غوائلها، وأن يحفظنا بحفظه، إنه تبارك وتعالى سميع مجيب.
وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الهوامش:
1- أخرجه أحمد (4871).
2- تاريخ دمشق (31/170 و 52/256)، وسير أعلام النبلاء (3/222).
لاتوجد تعليقات