رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر 22 أبريل، 2013 0 تعليق

أثـار الفتـن (3)تصـــدر السفــــهاء

ومن آثار الفتن أيضاً: أنها يترتب عليها تصدر السفهاء، ومن لا علم عندهم، ومن لا فقه لهم في دين الله يتصدرون بالحماسة فقط من غير فقه في دين الله ومن غير دراية وبدون أناة ولا تؤدة، فيلقون الأحكام جزافاً، ويقررون الأقوال، ويرجفون ويتدخلون في أمر الفتيا وغيرها، وهم لا يعرفون بعلم ولا يعرفون بحلم ولا يعرفون بروية، لكنهم يدفعهم في ذلك حماسة تجرهم إليها الفتن. ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه «المنهاج»(1): والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء.

 

وهذا شأن الفتن كما قال الله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} (الأنفال: 25).

وإذا وقعت الفتنة، لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله، نسأل الله عز وجل أن يسلمنا أجمعين.

الانتهاء إلى العواقب المردية والمآلات السيئة

     من آثار الفتن وعواقبها: أن منى دخل الفتنة وتورط فيها باء بالعواقب المردية والمآلات السيئة، ولا ينال منها خيراً، وفي الوقت نفسه لا يحصل خيرا وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - تتبع جملة من الفتن التي ثارت في أزمنة قبله ورصدها - رحمه الله - وذكر في كتابه «منهاج السنة» خلاصة جميلة نافعة مفيدة لمآلات تلك الفتن، فقال - رحمه الله-: «كل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير» وذكر أمثلة كثيرة لفتن حصلت، ثم لخص نتاج وآثار تلك الفتن، فقال - رحمه الله-: فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا(2).

     أي: من تصدروا في تلك الفتن وسعوا فيها، ما أقاموا دينا، وما أبقوا دنيا؛ لأن الفتنة إذا ثارت يقع القتل ويكثر الهرج ويموج الناس وتحصل الفتن والعواقب السيئة، ولا يحصل مثيرو الفتنة أي خير.

     ومر قريباً معنا قصة النفر الذين لم يعبؤوا بنصيحة الإمام أحمد، وكذلك قصة النفر الذين لم يعبؤوا بنصيحة الحسن البصري - رحمه الله - فكانت النتيجة أنهم ما أقاموا دينا، وكانت مآلاتهم، إما إلى حبس أو إلى قتل أو هروب أو غير ذلك من المآلات والنهايات، وهذا متكرر في التاريخ.

     وفي المجلد الثامن من «سير أعلام النبلاء» في ترجمة الحكم بن هشام الداخل الأموي وكان أمير الأندلس، يقول الذهبي في قصة طويلة لا يسع المقام لذكرها، ولكن يمكن أن تراجع في «سير أعلام النبلاء»(3)، بدأها الذهبي - رحمه الله - بقوله: «كثرت العلماء بالأندلس في دولته - أي دولة الحكم - حتى قيل: إنه كان بقرطبة أربعة آلاف متقلس متزيين بزي العلماء، يعني: كثر أهل العلم وطلبة العلم والمتزيين بزي أهل العلم، قال: فلما أراد الله فناءهم، عز عليهم انتهاك الحكم للحرمات، وائتمروا ليخلعوه، ثم جيشوا لقتاله، وجرت بالأندلس فتنة عظيمة على الإسلام وأهله، فلا قوة إلا بالله»، ثم سرد القصة - رحمه الله - وفي نهايتها أن كثيرا من هؤلاء قتلوا، ومنهم من فر، ومنهم من سجن دون أن يقيموا دينا بمثل هذه الفتن التي تشعل وتؤجج، والسعيد - كما يقال - من اتعظ بغيره، بل إن عددا كبيرا ممن شاركوا في الفتن ودخلوا فيها كانت نهايتهم فيها الندم وتمنوا أن لو لم يدخلوا في تلك الفتن.

وسطر من ذلك شيء كثير في كتب التاريخ والتراجم، أخبار لأولئك الذين شاركوا في الفتن كانت نهاياتهم الندم على ذلك.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: «وهكذا عامة السابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال»(4).

     ويقول أيوب السختياني - رحمه الله- وقد ذكر القراء الذين خرجوا مع ابن الأشعث، فقال: «لا أعلم أحدا منهم قتل إلا قد رغب له عن مصرعه، ولا نجا منهم أحد إلا حمد الله الذي سلمه»(5)، أي: أنه ندم على ما كان منه.

     ومن الأخبار المفيدة واللطيفة في هذا الباب قصة زبيد ابن الحارث اليامي، وهو من رجال الكتب الستة، ومن علماء الإسلام، وهو ممن دخل في فتنة ابن الأشعث، ولكنه سلم منها وسلم من القتل، قال محمد بن طلحة: «رآني زبيد مع العلاء بن عبدالكريم ونحن نضحك، فقال: لو شهدت الجماجم ما ضحكت»، «والجماجم» التي يشير إليها: جماجم المسلمين ورؤوسهم تتساقط بأيدي المسلمين أنفسهم، يقتل بعضهم بعضا، ثم قال زبيد: «ولوددت أن يدي - أو قال: يميني - قطعت من العضد ولم أكن شهدت ذلك»(6).

     ثم جاءت فتنة بعد ذلك ودعي إلى المشاركة فيها، لكنه رأى الآثار والعواقب وانتبه، فتأمل جوابه الطريف اللطيف الذي هو جواب مجرب، جاء في بعض الروايات أن منصور ابن المعتمر كان يختلف إلى زبيد، فذكر أن أهل البيت يقتلون ويريد من زبيد أن يخرج مع زيد بن علي في فتنة أخرى، فقال زبيد - رحمه الله-: «ما أنا بخارج إلا مع نبي، وما أنا بواجده» (7)، أي: لن أجد نبياً أخرج معه، هذه قالها عن معرفة وتجربة ومعاينة للآثار التي حصدت من تلك الفتن.

 

الهوامش:

1- (4/187).

2 - منهاج السنة: (4/527 - 528).

3 - : (8/253 - 260).

4 - منهاج السنة: (4/316).

5 - أخرجه خليفة بن خياط في تاريخه: (ص: 76).

6 - تاريخ خليفة: (ص: 76).

7 - أخرجه يعقوب بن سفيان في «تاريخه» (3/107)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (19/473).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك