رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أحمد الشحات 1 سبتمبر، 2019 0 تعليق

أثر الفردية في جمود العمل الإسلامي


بالرغم من أهمية العمل الجماعي وحتمية وجوده في واقع الدعاة، إلا أنه مازالت هناك شرائح من المنتسبين إلى الدعوة ممن يؤثرون التنحي ويفضلون عدم الانخراط في الأعمال الجماعية، فضلا عن ظهور بعض النزعات الفردية داخل الاتجاهات التي تتبنى الأعمال الجماعية، وهذه السطور القادمة محاولة للتعرف على مدى خطورة هذا المسلك والآثار المترتبة عليه.

أولاً: تحقيق مصطلح الفردية

يأتي هذا المصطلح بمعانٍ عدة، بعضها ممدوح ولكن الأشهر إطلاقها على المعنى المذموم.

المعنى الممدوح للفردية

ويقصد بها هنا اعتماد الفرد على نفسه في تطوير قدراته وتنمية مواهبه وصقل خبراته دون انتظار من يؤدى له ذلك ولاسيما في ظل غياب الأنظمة الشرعية الحاضنة للدعوة والراعية للدعاة، وتكون الفردية هنا مرادفة للعصامية.

المعنى المذموم للفردية

ويقصد بها إيثار الشخص لحياة التفرد والانعزال على الانخراط في حياة الجماعة, وله أحوال منها:

- اعتزال الفرد واجب الدعوة تماماً واكتفاؤه بإقامة الإسلام في نفسه ولا شأن له بالآخرين.

- المشاركة في بعض أمور الدعوة الفردية، مثل: تقديم العون للمحتاجين أو إنكار بعض المنكرات ولكن بجهود فردية بعيدة عن مجال التعاون مع غيره من العاملين.

وسواء كان هذا أم ذاك فكلاهما يلحقه شىء من الذم وهو ما سنوليه قدرًا من الكلام.

ثانيًا: من الأسباب الداعية للفردية

1- التذرع ببعض النصوص الشرعية التي يُفهم منها فضيلة الانعزال أو الترغيب في الانزواء مثل حديث حذيفة «فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة فتموت وأنت على ذلك»، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتنة»، أو غيرها مما يدل على معناها.

نصوص مخالفة

نقول إن هؤلاء غاب عنهم الكثير من النصوص الأخرى التي تحض على التزام الجماعة والتمسك بها مثل قول الله عز وجل-: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، وقول الله -عز وجل-: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}، وقول النبى - صلى الله عليه وسلم - «إذا كنتم ثلاثة على سفر فأمروا أحدكم»، ودين الله -عزوجل- ليس فيه تناقض ولا تعارض فوجب علينا أولاً أن نجمع بين هذه النصوص حتى تتواءم.

فُهمت على غير وجهها

- الأمر الثاني أن هذه النصوص فُهمت على غير وجهها، ووُظفت في غير محلها، وإلا فبالنظر إلى كتب أهل العلم في تفسير هذه النصوص نجد أنهم حملوها على أحوال مخصوصة كما في أحوال آخر الزمان، أو وقت إطباق الفتن على مكان ما مع عدم وجود من يتعاون معه في درئها مثل ما اعتزل ابن عمر وأبو ذر وخلق من الصحابة لما وقعت الفتنة بينهم، وكذلك الإمام مالك في آخر حياته، وأيضاً كما جاء في حديث قاتل المائة عندما قال له الرجل العالم: «اذهب إلى أرض كذا وكذا فإن فيها قوماً صالحين فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى بلدك فإنها بلد سوء».

فلم يأمره بالعزلة التامة أو الهجرة إلى البراري والتزام شغاف الجبال، بل أمره بمفارقة أرض السوء – التي لا يستطيع أن يغير منكراتها – وأن يذهب إلى أرض الصلاح، ولا يكتفي بذلك بل وصاه بأن يعبد الله معهم.

الذاتية

- والسبب الثاني الذي يتذرع به الداعون إلى الفردية الخوف من عدم تحقيق الذات أو هضم الشخصية.

     والواقع أن الجماعة الواعية ليس من صالحها إلغاء شخصية أفرادها؛ لأنها تستفيد من تفاوت إمكانياتهم وتنوع قدراتهم، وأيضاً فالإسلام لا يربيأتباعه على هذه الأخلاق، بل يزرع فيهم الجرأة المنضبطة والشجاعة الأدبية، والناظر إلى تاريخ المسلمين وسير الصحابة يجد هذا الأمر واضحاً تماماً؛ فهذا أبو بكر - رضي الله عنه - يطلب إلى رعيته أن يقوموه إذا أخطأ؛ فيقول في خطبة ولايته: «إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أخطأت فقوموني». ومع ذلك يجب علينا أن نلاحظ ما يلي:

- أن المسلم خير له أن يكون ذنَبَاً في الحق من أن يكون رأساً في الباطل.

- ليس معنى تحقيق الشخصية هو عدم الالتزام بالضوابط أو عدم مراعاة الآداب؛ لأن العشوائية من سلبيات أي عمل، ومن مزايا الأعمال الجماعية أنها تربي الفرد على النظام، وتخلق فيه آداب التعامل مع الآخرين التي لا ينفك الإنسان عنها بحال.

تبعات الأعمال الجماعية

- والسبب الثالث من الأسباب الداعية للفردية هو الخوف من تبعات الأعمال الجماعية؛ إذ التكاليف لا تنتهي، وغالباً ما تستهلك معظم الأوقات؛ فتشغل صاحبها عن باقي المهمات مثل تحصيل العلم، وتربية النفس والاستغفار والذكر وغيرها.

تعارض متوهم

     وبالنظر إلى هذه الشبهة نجد أن صاحبها قد توهم تعارضاً بين الأعمال الدعوية من ناحية وبين التكاليف الشرعية الأخرى, وهذا لايقع فيه الإنسان إلا من قبيل خلط الأوراق وعدم تنظيم الوقت أو بتحميل النفس من الأعمال ما لا يطيقه؛ إذ الأصل في ذلك قول الله -عزوجل- «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها».

     إن إخراج الأعمال الدعوية من كونها عبادة من أجل العبادات تساهم في زيادة الإيمان وتزكية النفس كما هو الحال في غيرها من التكاليف لا يقع فيه الإنسان إلا إذا فقد روح هذه الأعمال، أو أداها بطريقة روتينية من غير استحضار النوايا وتعهد النفس، والواجب على الداعي أن يوفق بين هذه الطاعات، وأن يستعين بالله في إنجازها لا أن يصادم بعضها ببعض.

الاحتكاكات بين الأفراد

السبب الرابع هو الاحتكاكات بين الأفراد التي قد تولد ضغائن أو تثير مشكلات؛ فيؤثر الفرد عدم المخالطة حفاظاً على سلامة صدره ونقاء قلبه.

الفرار ليس علاجًا

     هذا وإن وجد مشكلات فليس علاجها الفرار بل الصمود حتى يصلح الإنسان نفسه وإخوانه، وقد حدثت بين الصحابة بعض الخصومات والمشاجرات لكن لم يحمل أحدٌ منهم على أخيه، ولم يدفعه هذا إلى ترك الجماعة أو اعتزال المسلمين، كما حدث بين أبي بكر وعمر، حتى أوشك النبي أن يغضب على عمر - رضي الله عنه .

الإنسان مطالب بالصبر

إن الاجتماع وإن أدى إلى كدر فإن الإنسان مطالب بالصبر عليه تحقيقاً لمصالح أخرى تفوق هذا الضرر اليسير، كما قال الله -عزوجل-: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا}.

المحن والابتلاءات

- خامسًا، كذلك من الأسباب ما يتعرض أصحاب الأعمال الجماعية لصور من المحن والابتلاءات التي قد لا يستطيع الإنسان تحملها.

نشر الدعوة وإعلاء الدين

- نقول: كفى بالمرء شرفًا أن يُبتلى في سبيل نشر دعوته وإعلاء دينه، وهذا هو درب الأنبياء والصالحين كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، ويبتلى المرء على قدر دينه فإن كان في دينه صلابة زيد له في الابتلاء»، وقد قال الله -عزوجل-: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم}.

     وإن كان الابتلاء ليس هدفاً يسعى الداعي لتحقيقه ولا وساماً يبذل نفسه في سبيل الحصول عليه لكنه أمر قدره الله على عباده حتى تتمايز صفوفهم، قال -عز وجل-: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}.

الهزيمة النفسية

- سادسًا: الهزيمة النفسية واليأس من الإصلاح لتوغل الشر وانتشار الفساد.

ممانعة الفساد

- نقول: إن القاعد عن أداء واجبه في الدعوة إلى الله يزيد هذا الشر والفساد، وقد قال الله -عزوجل-: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً}.

إن الدعوة إلى الله وإن لم ينتفع بها الآخرون فالداعي يقوم بها إنقاذاً لنفسه من الهلاك الدنيوي وإقامة للعذر في الآخرة؛ فعن زينب بنت جحش أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم-: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث».

- إن الداعي إلى الله غير مطالب بالنتيجة طالما أدى واجبه على ما يُراد منه، قال -عز وجل-: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}.

- إن هذا القول لا محل له من الإعراب، والواقع يشهد على أن الدعوة تؤتي ثمارها والحمد لله، وكل يوم نرى إقبال الناس على الالتزام والتمسك بالدين ما يثلج صدور الدعاة، ويطمئن قلوبهم.

الآثار المترتبة

- ثالثاً: الآثار المترتبة على اختيار العزلة وإيثار التفرد:

1- ضعف الإمكانيات الشخصية وقلة الرصيد من الخبرات الحياتية؛ إذ الأعمال الجماعية تفجر طاقات الإنسان، وتبرز ما عنده من مواهب وإمكانيات، وتحاول أن توظفها في مكانها الصحيح.

2- عدم الاطلاع على العيوب الداخلية؛ لأن الأعمال الجماعية تضع نصب عين العامل عيوب نفسه وآفات قلبه , ومن ثم يتوصل إلى علاجها بفضل الله ثم بمساعدة إخوانه.

3- التجمد أو اليأس أو الانتكاس.

     وكل منهم آفة مستقلة قد تؤدي إلى أختها؛ فالمنعزل يتجمد من حيث الحركة ومن ثم يتجمد رصيده من الأجر والثواب، ويُحرم نعمة الأنس بالإخوان، قال الحسن: «إخواننا أحب إلينا من أهلينا وإنما كان ذلك لأنهم يذكرونا الآخرة، أما أهلونا يذكرونا الدنيا»  ثم إن هذا يؤدى به إلى اليأس المذموم الذى ذكرناه آنفاً وقد ينتهى به الحال إلى الانتكاس؛ لأن الهجوم خير وسيلة للدفاع، وبالدعوة ينقل الداعي المعركة خارج أرضه؛ فإذا توقف صار قلبه محل المعركة.

4- تأثر الدعوة بقلة العاملين والمشاركين.

وهي شوكة في حلوق الدعاة إلى الله؛ لشعورهم بالأزمة وفقدانهم لجهود إخوانهم ومساندتهم لهم، ومن يتأمل طلب موسى -عليه السلام-: {واجعل وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري}، يستشعر حجم الأزمة التى يعيشها الدعاة إلى الله.

رابعًا: أهم أساليب العلاج

1- تصحيح المفاهيم ورد الشبهات المتعلقة بهذا الأمر.

2- تحديث النفس بفضائل الدعوة والمشاركة فيها، قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم».

3- مصاحبة من يُظن فيه الإعانة على ذلك فـ«المرء على دين خليله»، كما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم .

4- الاطلاع على جهود الكافرين المجتمعة على حرب الإسلام وإبادة أهله.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك