رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد زاهد جول 24 أكتوبر، 2016 0 تعليق

أثر الجماعات البدعية على المجتمعات الإسلامية (جماعة فتح الله كولن نموذجا)

شخصية فتح الله كولن لا تختلف كثيرًا عن الشخصيات العامة التركية؛ حيث بدأ حياته بداية طبيعية لا يوجد فيها ما يمكن تسميته بالشيء المتميز أو الشيء الخارق للعادة

شارك سعيد النورسي في خلع السلطان عبد الحميد بشكل مباشر ثم أدرك بعد ذلك أنه قد أخطأ في  اختياراته كما حدث مع باقي النخب العلمية

الاجتهادات الخطأ التي وقعت من النخب العلمية أثناء خلع السلطان عبد الحميد كانت بسبب افتقارها إلى الإدراك السياسي وليس بسبب النوايا السيئة لتلك النخب

مشروع التعليم عند فتح الله كولن بدأ في التسعينات ولم يكن يوجد قبل تلك الفترة أي مدارس أو جامعات لتلك الجماعة

 

عقد مركز عبد الله بن مسعود ندوته الشهرية التي استضاف فيها الكاتب التركي محمد زاهد جول التي تحدث فيها عن جماعة فتح الله كولن وتاريخها في تركيا، والأصول الفكرية والعقائدية لتلك الجماعة، وعلاقاتها بالحكومات والمنظمات الغربية، ودورها في الانقلاب الأخير الذي حدث في تركيا.

     وبدأ جول حديثه بالثناء على جهود جمعية إحياء التراث في العمل الخيري قائلاً: إن الجمعية لها الأيادي البيض والفضل الكبير على العالم الإسلامي ودوله خلال العقود الماضية، ولا يستطيع أحد أن يشكك أو ينكر هذا الفضل الكبير الذي تقوم به الجمعية في أقطار العالم الإسلامي.

شخصية فتح الله كولن

     إذا أردنا أن نتكلم عن شخصية فتح الله كولن فسنجدها لا تختلف كثيرًا عن الشخصيات العامة التركية سواء في المنشأ أم في الظهور؛ حيث بدأ حياته بداية طبيعية، لا يوجد فيها ما يمكن تسميته بالشيء المتميز أو الشيء الخارق للعادة، وقد ولد كولن سنة 1941 في مدينة (أرزروم)، وفي بداية الستينيات تم توظيفه مؤذناً لمسجد، ويبدو أن المنطقة التي تم توظيفه فيها كانت لديه صلات مع بعض الأشخاص مثل مفتي المنطقة والواعظ، وهؤلاء أدوا أدوارًا سياسية في مراحل لاحقة في السياسة التركية.

     ومن هنا بدأت علاقة فتح الله كولن بالسياسة، وبما يمكن تسميته بنوع من أنواع التنظيمات نجد أن نائب رئيس الشؤون الدينية، الذي كان داعمًا أساسيا لفتح الله كولن بقي في منصبه إلى قرابة التسعينات، في الوقت الذي كانت المؤسسة الدينية والموظفون فيها يتغيرون في مناطقهم الحساسة، لكن بقي هذا الشخص حقيقة محتفظًا بمكانته رغم تقلبات السياسة التركية، وكان هذا الرجل السبب في ترقية فتح الله كولن في المراتب الوظيفية سريعاً وحتى دون مراعاة للقوانين؛ فالانتقال مثلا من مؤذن إلى إمام مسجد إلى واعظ تحتاج في تركيا إلى شهادات علمية يجب أن يتقدم بها الشخص الذي يريد التوظيف، ويحتاج أيضا إلى خبرة سنوات؛ وكلا الأمرين غير متوفرين في شخصية فتح الله كولن حتى يتم توظيفه مثلا بعد سنتين منها واعظاً في مدينة (إزمير).

     وأنا الآن أتحدث بنظام مهني ولا أتحدث عن فتح الله كولن خصوصاً، فمن أراد أن يكون واعظا في تركيا يجب أن يكون حاصلا على شهادة جامعية أو شهادة دراسات عليا تختص بالعلم الشرعي، بالتالي لا يجوز لأحد أن يتوظف إلا في هذا الإطار، ومن أراد الانتقال من وظيفة مؤذن إلى وظيفة إمام أيضًا يحتاج إلى خبرة لا تقل عن أربع سنوات في الوظيفة حتى يكون لديه الخبرة والتدريب الكافي بعد تخرجه من الثانوية الشرعية أو ثانوية العلماء والخطباء كما نسميها في تركيا، وهذا الأمر أيضا لم يتحقق في فتح الله كولن، وعلى وجه التحديد فإن فتح الله كولن لم يقدم للحكومة التركية إلا شهادته الابتدائية؛ فهذا هو الذي يملكه حقيقة بحسب القيود الرسمية التي اطلعت عليها من خلال الأوراق الرسمية في رئاسة الشؤون الدينية.

انقلاب 1960

     بعد الانقلاب الذي حصل عام 1960 الذي أطاح برئيس الحكومة المنتخب وهو (عدنان مندريس) وكان أحد أبرز الاتهامات التي تحدث عنها الانقلابيون في تلك المرحلة أنه حاول أسلمة الدولة التركية، وأعاد الأذان إلى اللغة العربية، وسمح بإنشاء معاهد تحفيظ القرآن، وسمح بتأسيس ثانويات الأئمة والخطباء، كما سمح بالتعليم العالي الشرعي في تركيا، وفتح الأبواب لأن يكون هناك ما يمكن تسميته بالحراك الديني في تركيا، وأول ما ظهرت المنشورات الإسلامية كانت في عهده بعد قطيعة استمرت قرابة الثلاثين عامًا، بعد أن أصبح الدين الإسلامي شيئا غريبًا على المجتمع التركي.

     وهذا يعني أنه حتى قبل وصول (عدنان مندريس) إلى السلطة في عام 1950 بسنتين تقريبا، كان هناك أشخاص يطالبون بإعادة التعليم الديني في تركيا، والسبب كان بسيطاً من وجهة نظرهم، ومن ذلك أنه كان يموت الميت في الكثير من القرى التركية وينتظر هذا الميت يومين أو ثلاثة أيام أحيانا حتى يجدون من يدفنه، ويتم تغسيله على الطريقة الإسلامية، فكانت فترة عدنان مندريس حقيقة فترة انتعشت فيها الأفكار الإسلامية، وبدأ فيها ظهور الجماعات الإسلامية بعد أن كان النشاط الإسلامي أو الدعوي -تحديدًا إلى حد كبير- سريا، وهنا بإمكاننا أن نتحدث عن ظهور شخصيات أصبحت لديها مسمى جماعات بعد عدنان مندريس وعلى رأس هؤلاء الأشخاص بطبيعة الحال شخصية (سعيد النورسي).

شخصية سعيد النورسي

     سعيد النورسي شخصية لن أتحدث عنها طويلا لكنها كما تحدث هو عن نفسه، فقد مرت بثلاث مراحل في حياته، المرحلة الأولى كان ناشطًا سياسيًا، وكان لديه نشاط سياسي كبير في عهد الدولة العثمانية مع جماعة (الاتحاد والترقي)؛ حيث كان مبعوثا وكان أيضا نائبا في البرلمان الأول للجمهورية التركية الذي أزيلت من خلاله الخلافة الإسلامية.

خلع السلطان عبد الحميد

     إن سعيد النورسي شارك في خلع السلطان عبد الحميد مباشرة، وشارك أيضًا في سقوط الخلافة؛ إذ كان نائبا في البرلمان، لا أقول هذا الكلام من باب الظن ولكن من باب حكاية التاريخ، فسعيد النورسي أدرك بعد هذه التجربة المريرة أنه قد أخطأ في حياته، وفي خياراته السياسية؛ إذ كان من النخب الإسلامية -لا أقول العثمانية فحسب- بل إسلامية عثمانية كانت جزءاً كبيراً منها ترى في شخصية السلطان عبد الحميد أنها الشخصية الاستبدادية، أو أنها الشخصية التي تعد مركزية، وكانت الكثير من الانتقادات التي توجه من الإسلاميين تستغل في ضرب شخصية السلطان عبد الحميد، حتى تم خلعه كما تعرفون بفتوى من شيخ الإسلام مصطفى صبري الذي كان آخر شيوخ للإسلام في العهد العثماني، وقد ندم أيضا على فتواه بخلع السلطان عبد الحميد، والكثير من الإسلاميين دعنا نقول المشايخ والعلماء أيضا كانوا يشاطرونه هذا الرأي منهم سعيد النورسي، وكان منهم أيضا (ملي حمدي يزر) الذي يعد أهم مفسر للقرآن الكريم في تاريخ الجمهورية التركية؛ حيث يمتلك تفسيرًا من أربعة عشر مجلدًا، وهو أروع تفسير كتب باللغة التركية حتى هذه اللحظة، ويعد أهم مصدر في تفسير كتاب الله -سبحانه وتعالى- وفهم معانيه باللغة التركية، يعني مثل هذه الشخصية العلمية أيضا المرموقة كانت ممن وقف اليوم ضد السلطان عبد الحميد، وكان ضد توجهاته السياسية.

اجتهادات النخبة العلمية

     وأنا في قناعتي بطبيعة الحال أن هذه الاجتهادات الخطأ التي وقعت من هذه النخب العلمية أو السياسية كانت بسبب افتقارها إلى الإدراك السياسي، وليس بسبب نوايا سيئة كانت عندها؛ فسعيد النورسي من تلك الشخصيات التي أدركت لاحقا خطأها، واستدرك خطأه، وبدأ بالدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- في مناحي البلاد، وهو من أدرك أيضا أن الوجود الإسلامي في تركيا في الثلاثينات وفي الأربعينيات تحديدا كان على المحك، والموجة الإلحادية هي التي كانت تسود تركيا، فألف ما عرف لاحقا برسائل النور.

     والمطلع على تلك الرسائل لن يجد فيها فكرًا إسلاميًا بقدر ما سيجد معاني لطيفة، فجزء كبير منها يختص أو يتعلق بوجود الله والإيمان والمعصية والطاعة، والجوانب التربوية أكثر من الجوانب الإسلامية الشرعية التي تختص بالفقه وما إلى ذلك؛ بسبب أن المجتمع في تركيا في ذلك الوقت كان لديه مشكلة في أساس العقيدة يعني في أساس وجود الله -سبحانه وتعالى- فضلا أن يكون هناك تفاصيل في المسألة الإسلامية.

محاربة المظاهر الإسلامية

     إن الممارسات الحكومية حقيقة كانت ممارسات تنزع الإسلام من المجتمع، وتحارب المساجد؛ حيث كانت أغلب المساجد العثمانية التي تتزين بها مدينة إسطنبول اليوم كانت كلها تقريبا دون استثناء مغلقة في بداية العهد الجمهوري، وبعضها كان يستخدم مستودعات، حتى إنه يُقال: إن (أتاتورك) كان يفكر في خلع قبة السلطان عبد الحميد، وأحضر لهذا الأمر مهندسًا وفنانا فرنسيًا وأراد جعل مسجد السلطان أحمد المعروف الآن نوعاً من أنواع الصالات الفنية، وأن تكون في الهواء الطلق دون قبة، لكن الفنان الفرنسي الذي استحضره لهذه المهمة عندما قبل العرض عموما حضر إلى تركيا وعندما شاهد مسجد السلطان عبد الحميد وما يحتويه من تحف فنية -في قناعته- قال لن أخون هذا الفن القائم، وبقي مسجد السلطان عبد الحميد كما هو في عهد أسلافه إلى هذا اليوم بسبب هذا الفنان الفرنسي أو المعماري الفرنسي الذي لم يسمح له ضميره أن يخرب عملا فنيا.

وفاة سعيد النورسي

     توفي سعيد النورسي في بداية الستينات، وهذا الأمر حقيقة جعل النورسي رمزًا دينيًا في تركيا ومحبوبا حتى جعل الكثيرين ينتسبون إلى النورسي تبركا، والكثيرون ينتسبون إلى النورسية بوصفها نوعاً من الأنواع المشروعية في العمل، وعندما مات سعيد النورسي كان فتح الله كولن في سن الشباب وعمره أقل من عشرين سنة، وهذا ما أود أن أصل إليه أن فتح الله كولن ليس منتسبا إلى ما يمكن تسميته بالمدرسة النورسية أصلا، ولم يلتق مع سعيد النورسي إلا لقاء واحد فقط كما يقول ذلك تلاميذ سعيد النورسي، وإن كان عرض نفسه أو قدم نفسه للمجتمع التركي على أنه من أنصار النورسية طبعا؛ ليعطي لنفسه نوعًا من أنواع المشروعية ونوعاً من أنواع الوجاهة في المجتمع.

بداية السبعينات

     في بداية السبعينات نقل عمل فتح الله كولن إلى منطقة (إزمير)؛ حيث أصبح واعظا، ومنطقة إزمير كما هو معروف في هذا الوقت وحتى الآن تعد معقلا رئيسا للعلمانيين الأتراك، بمعنى أنه لا يوجد فيها دعوة، ولا يوجد فيها طلبة علم أو مشايخ معروفون، باختصار هي منطقة بعيدة عن المد الإسلامي، وبالتالي حتى الآن لم يفز فيها أي حزب يميني في تاريخ البلاد؛ يعني لم يفز فيه لا العدالة والتنمية ولا قبل العدالة والتنمية أحزاب يمينية لا تستطيع الفوز في تلك المنطقة؛ لأنهم عقائديون يساريون وفي هذه المنطقة أصبح مكان فتح الله كولن.

التغلغل الممنهج

     ومنذ نهاية السبعينات منذ أن ارتبطت شخصية فتح الله كولن بكيانية الدولة أو الدولة العميقة التركية، بدأ يوجد نوعاً من أنواع التغلغل الممنهج داخل مؤسسات الدولة سواء في جهاز الشرطة أم في جهاز القضاء أم في الجيش التركي؛ وذلك لكون هذه الجماعة -كما قلت- جماعة مرضي عنها، تدين بالولاء لمصطفى كمال أتاتورك، لن تكون كباقي الإسلاميين، بالعكس تستخدم ضد الجماعات الإسلامية الأخرى، تلك كانت الفكرة الرئيسة. وبدأ بطبيعة الحال انتشار واسع لهذه الجماعة، وتحولت الحركة النورسية التي كانت محظورة من قبل الدولة التركية ما قبل عدنان مندريس، يتحولت في السبعينات إلى جماعة مقبولة لدى الدولة.

التعليم عند فتح الله كولن

     مشروع التعليم عند فتح الله كولن بدأ في التسعينات، ولم يكن يوجد قبل التسعينات مدارس أو جامعات لفتح الله كولن هذه حقيقة، والآن إذا نظرنا للأرقام تجد الشأن التعليمي لهذه الجماعة في خارج تركيا أكثر مما هو في تركيا، يعني تاريخ تأسيس الجامعات لجماعة فتح الله كولن داخل تركيا كلها يعود إلى سنوات الألفين أو التسعينات أو بعد منتصف التسعينات؛ والسبب بسيط وهو أن المشروع التعليمي لجماعة كولن بدأ منذ نهاية الثمانينات في الجمهورية التركية.

وقدمت جماعة فتح الله كولن نفسها على أنها جماعة دينية تستطيع أن تملأ الفراغ، وهنا النقطة الأساسية، بمعنى أن فتح الله كولن عندما يفتح المدارس والجماعات في الجمهوريات التركية أو في بلاد البلقان نلاحظ عددا من الأمور:

أولا: هذه المدارس والجامعات ليست مدارس دينية أصلا، ولا تدرس الدين الإسلامي، يعني لا تدرس مواد شرعية وهي مطلب أساس.

الأمر الآخر: تدرس الطلبة باللغة الإنجليزية ولا تدرسهم لا باللغات المحلية أو باللغات الأخرى، يعني اللغة الطاغية في التعليم هي اللغة الإنجليزية، وهذا يؤكد على أن هناك من وضع خطة مختلفة لتؤديه تلك الجماعة.

     واليوم بعد سنوات نرى أن المتخرجين في هذه الجامعات يؤدون بطبيعة الحال أدوارا في مراكز سياسية حساسة؛ حيث ستجد أغلبهم وزراء الآن، ستجد أبناء الوزراء كلهم في هذه المدارس والجامعات، وهذه  المدارس نخبة أكثر منها مدارس حقيقة مفتوحة للناس؛ مما يؤكد على الدور الذي تؤديه هذه الجماعة حتى في تلك الدول.

     ومن الأمثلة على ذلك أن فتح الله كولن في التسعينات له حوار يقول فيه عن أذربيجان: إنها تعد تحديا؛ لأن أذربيجان كما تعرفون بلدة تتحدث باللغة التركية، وعندما انفصلت عن الاتحاد السوفييتي عادت إلى لغتها الأصلية وهي اللغة التركية، وكانت لغتها التركية تكتب بأحرف عربية ولم يدخلها الحرف اللاتيني كما حصل في تركيا، ولم يكن عندهم (أتاتورك) ليغير اللغة، وجاءتهم اللغة الروسية بعد الاحتلال الروسي قسرًا، وعندما خرج الاحتلال الروسي، الأصل أن تعود الأمور إلى نصابها كما كانت، وأن تعود اللغة التركية بالحرف العربي هذا هو الأصل، لكن فتح الله كولن يقول خضنا معركة طويلة، ووفقنا الله للانتصار فيها، عندما أعدنا اللغة التركية بالأحرف اللاتينية وليس بالحرف العربي في أذربيجان.

     والسؤال يتبادر إلى الذهن ما مشكلة فتح الله كولن مع الحرف العربي؟ يعني أنا ربما أتفهم (أتاتورك) الآن لأن منهجه قائم على فكرة التغريب؛ حيث كان يريد فصل المجتمع التركي عن كل تاريخه وعن كل أسلافه عبر تغيير اللغة، لكن ما هدف فتح الله كولن عندما يقول: إنه نجح في تغريب اللغة في أذربيجان، وتحويلها اللغة إلى أحرف لاتينية وليس الحرف العربي الذي كان تكتب به لغة الأهل أذربيجان؟ فهذه نقطة تحتاج على الأقل من نقاط الاستفهام الواضحة التي تؤكد على أن فتح الله كولن له أجندة مختلفة يقوم بها عمليا حتى في البلاد والجمهوريات التركية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك