رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إيمان الوكيل 21 ديسمبر، 2015 0 تعليق

أثر الانفصال النفسي على الزوجين والأبناء (2)

لا يمكن للأولاد أن ينموا بنظام سليم وطبيعي إلاّ في ظل أم تحتضنهم، وأب يرعاهم، وبطبيعتهم لا يفضلون واحداً على الآخر

 

 

الانفصال النفسي هو علاقة منتهية الصلاحية مدمرة من الداخل، علاقة تشبه القالب الفارغ من أي مضمون عاطفي أو معنوي إيجابي، وهو نمط من التنافر وانعدام لملامح الشراكة في الحياة الزوجية، وهذا واقع موجود على مسرح الحياة، اتسعت به دائرة التنافر الروحي والنفسي، واستنفذت فيه طاقة الزوجين لتحقيق هدف الرباط الزوجي الحقيقي، ومع هذا الاستنزاف يتباعد الطرفان ليصبح كل طرف منهما في دائرته المنفصلة عن الآخر تحت سقف واحد متوج بالصمت والجمود، وتتحول طاقتهما لإبراز كل ما هو سطحي وتافه..

حرب باردة

     فهو أشبه بالحرب الباردة؛ حيث لا يعلن أي من طرفيها الحرب على الآخر، أو يثور عليه، أو يعلن اختلافه أو حتى احتياجه، وعندما يحل العجز ولم تجد مخرج مناسبا للتعبير عما يجول بداخلك.. تتم الإزاحة أو التحويل: وهي حيلة للدفاع عن النفس تتم في صورة وجدانية انفعالية من موضع لآخر بطريقة لا شعورية أو شعورية بتحويل الطاقة إلى مناطق ضعيفة لا تقوَى على الدفاع عن نفسها وهي الأطفال، فقد أثبتت أكثر الدراسات النفسية الاجتماعية أن الانفصال النفسي يؤثر سلباً على الأبناء بطريقة أقوى من الطلاق الفعلي، لكون الزوجين يعيشان منفصلين، ولا يربطهما سوى حاجات الحياة الأسرية الاعتيادية غير المنتهية، وبهذا يصبح الأطفال الصغار جسراً يمر عليه اثنان منفصلان عاطفياً ليلتقيا معاً في المكان فقط بنفوس منهارة؛ مما تعجز قلوب أبنائهم الصافية البريئة عن تأليف قلبين متباغضين، وتصبح العيون البريئة أضعف من أن تغرس بذور الحنان في عيون أرهقتها نظرات التهديد، فيشعرون بالذنب، ويتجرعون مرارة الإحساس بأنهم عبء على من سخرهما الله لرعايتهم نفسياً وصحياً، فإذا بهما يمنان عليهم بأنهما يتحملان العيش معاً من أجلهم، ويؤثر ذلك في تفكير الأبناء؛ مما يؤثر أيضاً على تعليمهم بطريقة واضحة، فضلا عن خلق نفوس تسودها المصلحة الشخصية، ويستغل الأبناء العلاقة المذبذبة بين الأم والأب في تحقيق متطلبات قد تضر بهم على المستوى الأخلاقي.

استراتيجية متينة

     فلا يمكن للأولاد أن ينموا بنظام سليم وطبيعي إلاّ في ظل أم تحتضنهم، وأب يرعاهم، وبطبيعتهم لا يفضلون واحداً على الآخر فكلاهما مهم وأساسي للحصول على استراتيجية متينة وعلى توازن عقلي وجسدي، فهم يشعرون بهذا البعد العاطفي وهذا الصمت والجفاف في لغة الجسد؛ لأنه يظهر في نظرات العيون وفلتات اللسان بين الزوجين، ففي غياب البيت الطبيعي المليء بالبهجة والدفء والمرح والمودة والانسجام والسكينة والتفاهم وغياب الاحترام واللين والرفق بين الزوجين وشيوع العناد والتذمر والنزاعات لأتفه الأسباب، والتعاسة التي صارت سمة للبيت، ينشأ الأطفال نشأة غير سليمة؛ مما يصيبهم بالاكتئاب بداية ثم مشكلات المراهقة التي قد ينحرف فيها الأبناء في علاقاتهم الخاصة للبحث عن الهناء الذي فقدوه بين أبويهم والاستقرار العاطفي الذي سلب منهم، ويُصابون بأمراض نفسية كانفصام الشخصية وفقدان الثقة بالذات والعجز عن أخذ القرارات المناسبة وغيرها، فهم يقفون يوميا على أرض من الألغام المتفجّرة، ويحترقون بشظاياها ليتشرّبوا من المشاعر السيئة، ويتجرّعوا مرارة الحياة باستمرار، مع أنّهم لا يتجرّؤون على الإفصاح عن ميولهم لخيار انفصال الأبوين عن بعضهما رغبة منهم في الخلاص من واقع طالما أربك شخصياتهم، وهزّ ثقتهم بأنفسهم وبمحيطهم العائلي، وربّما أورثهم أيضا عجزاً عن اتخاذ القرارات الصائبة في حياتهم الخاصة.

عناصر مهمة

فالأبناء بحاجة إلى كل العناصر من حب وحنان وعطف، وأيضا إلى عناصر الشجاعة والقوّة والإقدام والاتحاد.

وقد تبقى المرأة على علاقتها الزوجية من أجل أطفالها راغبة في تنشئتهم في أسرة صحية، لكنها تنسى أن التوتر في البيت أشبه ببركان خامد، وأن الحياة ستبدو كما لو كانت حربًا باردة مما يُشعر الأطفال أن باب الجحيم قد ينفتح في أي لحظة.

لا تلتفتي

     فلا تلتفتي أُختي إلى المجتمع ونظرته السلبية؛ فالمجتمع هو أنت وأنا، وإن بدأنا نحن بتغيير نظرتنا السلبية فسيغير المجتمع كله نظرته السلبية أيضا، والمجتمع لا يقدم لكِ حلولاً ولا مساعدة وقت الأزمة؛ لذا فلا يجب أن يكون هو العامل الأساسي في تحديد خياراتك؛ فصحة أبنائك النفسية هي الأهم وليس أن يقال: إن أبويهم متزوجان أو مطلقان، وعلاقتك بربك وأخلاقك هي فقط العامل الأساسي الواجب النظر إليه في اتخاذ كل قراراتك المصيرية.

الخيار الصعب

     ومع زيادة الضغط على الزوجين وزيادة حجم المشاعر السلبية لكل منهما تجاه الآخر وتسرب اليأس وخيبة الأمل في نجاح هذا الزواج، ويصل الأمر إلى نهاية العلاقة لانتفاء الشروط الأساسية للحياة الزوجية، وحتى لا يضيعا الوقت في حل مشكلة لا حل لها يُفضّل أن يأخذ الزوجان القرار بالانفصال النهائي المبني على الاتفاق والتعامل الحضاري بين الزوجين إكراما للعشرة السابقة وحرصاً على مصلحة الأبناء؛ ففي بعض الأحيان مواجهة الطلاق يمكن أن يكون أفضل من المضي في زواج مُجهِد للزوجين والأبناء أيضاً، وأفضل من إلقاء اللوم على الأطفال فلا ينبغي أن يكون وجود الأطفال هو الحجة لبقاء الزوجين معاً، فقد يكون الطفل بأي حال من الأحوال أكثر سعادة واستقرار وطمأنينة مع أحد الوالدين مع قليل من الصراعات أكثر من البقاء مع أبوين في بيت خال من كل معاني الحياة.

واللقاء القادم سنأتي ببعض النصائح لتفادي هذا النوع من الانفصال بإذن الله تعالى..

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك