أثر الإيمان والتقوى في الرخاء الاقتصادي
قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} (الأعراف: 96).
لو قلت: إن المؤمن يؤمن بأن الله هو الرزاق لكان ذلك عند بعض الناس من نافلة القول، بل ربما لم يعده بعضهم كلاما؛ لأن من شرط الكلام تجدد فائدة للسامع، وهذا الكلام لا يضيف في حسه معنى جديدًا، بل هو إخبار بحاصل معلوم بالضرورة، لكني حين أنزل إلى واقع المخاطبين المعترضين أجد هذه القناعة وهذه المسلمة المعلومة بالضرورة تهتز كثيرًا في نفوسهم عندما يخافون على مصادر أقواتهم.
إن الله -عز وجل- حين يخبر عن نفسه بأنه الرزاق، وأنه المعطي والمانع يكون واجب المؤمن الإيمان بذلك عقيدة مترجمة في سلوك عملي، ويكون شغله الشاغل هو البحث عن أسباب نيل ما عند الله من رزق، شأنه في ذلك شأن من يريد التوصل إلى مطلوبه المملوك لغيره، وقد بين -سبحانه وتعالى- في هذه الآية أسباب نيل الرزق والرخاء الاقتصادي فقال: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}(الأعراف: 96)؛ فبين -سبحانه وتعالى- أن الإيمان والتقوى سبب لفتح بركات السماء والأرض، وأنه بالإيمان والتقوى يستجلب الرزق المبارك فيه.
إننا في هذه الآية الكريمة أمام سنة إلهية يغفل عنها كثير ممن آمن بالقرآن، غير مكترث بأسلوب الآية في تقرير هذه السنة الإلهية، وهو أسلوب يؤكد حقيقة علاقة الإيمان والتقوى بالرخاء الاقتصادي؛ حيث يبين:
(1) أن هذا الفتح علق بالإيمان والتقوى، فهما شرط في حصوله.
(2) أن التعبير بالفتح يفيد أن هذا الأمر كان مغلقا لولا فتح الله.
(3) أن المفتوح عبر عنه بأنه «بركات»، وذلك لتحقق نفعه؛ إذ لا فائدة في رزق لم يبارك الله فيه.
(4) تعدد مصادر هذا الرزق الذي يفتحه الله على المؤمنين المتقين، فهو بركات من السماء والأرض؛ فكل مستخرج من الأرض على وجه الانتفاع به داخل في معنى بركات الأرض نفطًا كان أم ذهبًا أو نحاسًا أم حديدًا أم زروعا أم ثمارا، كل ذلك داخل في معنى بركات الأرض، وكل نازل من السماء من مطر يروي الأراضي الزراعية، وينفع الثمار، ويملأ السدود، ويغذي المياه، وينفع الأسماك داخل في معنى البركات المفتوحة من السماء.
وهكذا يجد المؤمنون المتقون أثر الإيمان والتقوى في تعدد مصادر اقتصادياتهم، ومن المقرر في علم الاقتصاد أن أقوى الأمم اقتصادا الأمم ذات المصادر المتعددة لاقتصادها؛لأن المصدر الاقتصادي الواحد عرضة للهزات الاقتصادية وهبوط الأسواق؛فصاحبه في قلق دائم من خوف نفاده أو الاستغناء عنه في الأسواق، أو قلة رواجه لضعف الطلب أو كثرته في الأسواق كثرة تضر برواجه.
وليس أثر الإيمان والتقوى مقتصرًا على هذا الفتح المتعدد بل هو أساس للحفاظ عليه، والارتقاء به، والسعادة به سعادة يطيب في ظلها التمتع به، فهو أمان له من الاختلاس، والتبذير، والإنفاق على آثار المحرمات، والأمراض النفسية، لما يقرره الإيمان في نفوس أصحابه من الاطمئنان، الذي به تقل الأمراض النفسية وآثارها السلبية، والابتعاد عن المحرمات ذات الآثار المدمرة، والمخدرات والمسكرات، التي تعد بحق معول هدم لاقتصاديات دول كبرى، والواقع خير شاهد.
إن فهم الناس لعدم دخول الأخذ بأسباب التقدم والرخاء الاقتصادي في مسمى الإيمان والتقوى قصور مرده إليهم والإسلام منه براء، بل الأخذ بأسباب التقدم والقوة والرخاء الاقتصادي وعمارة الأرض بكل ما هو نافع مطلب شرعي يسعى إلى تحقيقه كل مؤمن تقي يفهم عن الله مراده.
لاتوجد تعليقات