رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد محمد الحافظ العلمي 3 يناير، 2011 0 تعليق

أثر أمهات المؤمنين في الدعوة خلال عهد الخلفاء الراشدين (2)

كانت هذه الفترة التاريخية من تاريخ الدعوة من أهم الفترات بعد عهد رسول الله [؛ لأنها كانت حلقة الوصل بينه وبين العهود التي تليها. وقد ظهر أثر أمهات المؤمنين في الدعوة خلال هذه الفترة فيما يلي:

1- حرصهن - رضوان الله تعالى عنهن - على نشر العلم بين المسلمين، فقد نهل المسلمون منهن كثيرا من تعاليم دينهم وخاصة ما كان من سنن نبيهم [ التي كان لا يطلع عليها إلا من كان في داخل بيته من أهله(1).

2- كنّ مرجعا للرأي والمشورة للخلفاء الراشدين ولكثير من كبار الصحابة - رضوان الله تعالى عنهم أجمعين(2).

3- ضربن أروع الأمثلة في السير على ما كن عليه في حياته [ من الامتثال لأمر الله وطاعة رسوله [ في حياته وبعد لحوقه بالرفيق الأعلى عليه الصلاة والسلام(3).

4- ظهرت مكانتهن - رضوان الله تعالى عنهن - في حفظهن لأعظم ميراث ورّثه [ للأمة. ألا وهو القرآن الكريم، وذلك في حفظ أم المؤمنين حفصة - رضي الله عنها - للمصحف الذي جُمع في عهد أبي بكر الصديق ](4).

5- كنَّ مرجعا لكثير من الأحكام الفقهية التي خفيت على كثير من علماء الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم(5).

6- كنَّ مرجعا لتفسير القرآن الكريم لكل من سألهن في ذلك من كبار الصحابة - رضوان الله عليهم - وغيرهم(6).

7- وضّحن كثيرا من الأمور التي تمس العقيدة الصحيحة فكن خير مفسر وموضح لها - رضوان الله تعالى عنهن(7).

8- سطّرن أروع الأمثلة في الزهد والتقلل من الدنيا وعدم الركون إليها، وذلك عندما كان يأتيهن العطاء من الخلفاء نظرا لمكانتهن، فكنّ لا يبقين لأنفسهن من ذلك العطاء إلا القليل، بل إن بعضهن لا يمسي المساء وفي بيوتهن منه شيء(8).

أثر أمهات المؤمنين في الدعوة في العهد الأموي

1- نصحهن وإرشادهن لكل من زارهن أو طلب إليهن رأيا أو مشورة سواء من عامة الأمة أم من علمائها وأمرائها(9).

2- لزومهن بيوتهن واستعدادهن الحثيث للتزود من التقوى والعمل الصالح استعدادا للدار الآخرة(10).

3- بذلهن وإنفاقهن في وجوه الخير كل ما تيسر لهن وقُسم لهن من عطاء كن يحصلن عليه برا بهن وصلة وحفظا لحق رسول الله[ فيهن(11).

4- استدراكهن في بعض الأقوال والأحكام التي قد تقع في زمانهن وتصل إليهن وتوضيحهن وبيانهن للعمل دون أي مجاملة أو وجل(12).

5- ثباتهن ولزومهن لأمر رسول الله [ في حياته وبعد لحوقه بالرفيق الأعلى ومحبتهن التقيد بما كنَّ عليه معه [(13).

6- نباهتهن وقوة حجتهن وحسن استدلالهن بحديث المصطفى [ توضيحا لما خفي من بعض الأحكام الفقهية وتوضيحها للسائل(14).

7- تركهن أعظم الأثر في نفوس الأمة، ظهر ذلك من خلال أيام رحيلهن الواحدة تلو الأخرى إلى الدار الآخرة، وفزع المدينة بأكملها عند توديعهن ولحقوهن بالرفيق الأعلى ووصيتهن باتباع السنة ولزومها في جنائزهن - رضوان الله تعالى عنهن(15).

منهج أمهات المؤمنين في خدمة القرآن وعلومه

المنهج مأخوذ من النهج، وهو الوضوح والاستبانة والاستقامة في الطريق، تقول: نَهَج الطريقُ: بمعنى استقام ووضح واستبان، والمنهاج: الطريق الواضح.

قال تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} (المائدة: 48).

واستخدمت هذه الكلمة في الخطة المرسومة، أو المسلوكة في الدراسة والعلم، فقيل: منهاج الدراسة، ومنهاج التعليم، ومنهج البحث العلمي.

2- منهج أمهات المؤمنين رضوان الله عنهن في خدمة القرآن وعلومه:

(أ) في تلقيه وأخذه عن النبي [.

(ب) في حفظه وتلاوته.

(ج) في تعلمه ومعرفة أحكامه.

(د) في تعليمه وتبليغه للناس في حياته وبعد وفاته [.

لقد عني النبي [ بإقراء أصحابه القرآن؛ومن باب أولى أهل بيته ومنهن أمهات المؤمنين، حيث كان ينزل عليه الوحي أحيانا في حجراتهن. فأخذن - رضوان الله تعالى عنهن - عن النبي [ ما تلقاه من أمين الوحي جبريل - عليه السلام - عن رب العالمين جل ثناؤه.

وتمثلت عناية أمهات المؤمنين - رضوان الله تعالى عنهن - بالقرآن الكريم في حفظه والإكثار من تلاوته، وكن إلى جانب ذلك يحرصن على تعلم أحكامه ومعرفة حلاله وحرامه زيادة منهن في الخير وحرصا منهن على نيل الفضل والأجر والسبق في هذا المضمار، ثم بعد وفاته [ ضربن بسهم وافر في بذل الخير والعلم والفائدة للمسلمين، حيث قمن بواجب التبليغ لهذا الميراث النبوي الذي استأمنهن الله عز وجل عليه في قوله: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا} (الأحزاب: 34).

 

الهوامش

 

(1) انظر: الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي ص68-71، ونصه: «عن عبيد بن رفاعة الأنصاري يقول: كنا في مجلس فيه زيد بن ثابت فتذاكروا الغسل من الإنزال قال زيد: ما على أحدكم إذا جامع فلم ينزل إلا أن يغسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة فقام رجل من أهل المجلس فأتى عمر فأخبره بذلك فقال عمر للرجل: اذهب أنت بنفسك فأتني به حتى تكون أنت الشاهد عليه، فذهب فجاء به وعند عمر ناس من أصحاب الرسول [ منهم علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل، فقال له عمر: أي عُدي نفسه تفتي الناس بهذا؟ فقال زيد: أما والله ما ابتدعته ولكن سمعته من أعمامي رفاعة بن رافع ومن أبي أيوب الأنصاري، فقال عمر لمن عنده من أصحاب رسول الله [: ما تقولون؟ فاختلفوا عليه فقال عمر: يا عباد الله قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الأخيار، فقال له علي: فأرسل إلى أزواج النبي [ فإنه إن كان شيء من ذلك ظهرن عليه، فأرسل إلى حفصة فسألها فقالت: لا علم لي بذلك، ثم أرسل إلى عائشة فقالت: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل. فقال عمر عند ذلك: لا أعلم أحدا فعله ثم لم يغتسل إلا جعلته نكالا». انتهى. وانظر: فتح الباري لابن حجر، باب إذا التقى الختانان (1/395).

(2) انظر: الكامل لابن الأثير 3/251. والإجابة لا يراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي تحقيق: سعيد الأفغاني ص64، 67، 75، الطبعة الرابعة: 1405هـ، ط. المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان.

(3) انظر: السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين للإمام الطبري ص166، 167، تحقيق: محمد علي قطب، ط. دار الحديث، القاهرة - مصر والنظر: مسند الإمام أحمد بن حنبل (6/324)، الطبعة الثانية، ط. المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان، ونصه: «عن أبي هريرة ] أن رسول الله [ قال لنسائه عام حجة الوداع: «هذه ثم ظهور الحصر». قال: فكن كلهن يحججن إلا زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة، فكانتا تقولان: والله لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من رسول الله [.

(4) انظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/57)، ونصه: «فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر»، ط. عالم الكتب، بيروت - لبنان.

(5) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (2/181، 182) ونصه: «عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق، قال، قلنا له: هل كانت عائشة تحسن الفرائض؟ قال: والله لقد رأيت أصحاب محمد [ الأكابر يسألونها عن الفرائض» أخرجه الدارمي (2/342، 343). وابن سعد في الطبقات (8/66). والحاكم في المستدرك (4/11). وانظر: الإجابة للزركشي ص91 في استدراك عائشة - رضي الله عنها - على عبدالله بن عمر في عذاب الميت ببكاء أهله، وفي طيب المحرم، وفي عمرة رسول الله[ في رجب وغير ذلك.

(6) انظر: صحيح البخاري، حديث رقم: (4574) ص956، كتاب التفسير، في سورة النساء، وذلك في سؤال عروة بن الزبير لأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عند قوله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء...} (الآية).

(7) انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الدمشقي، تحقيق: الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي وشعيب الأرنؤوط ص222 - 225، الطبعة السادسة. المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان.

وذلك في رؤية النبي [ لربه تبارك وتعالى، وبعض نصه ما يلي: «واتفقت الأمة على أنه لا يراه أحد في الدنيا بعينيه، ولم يتنازعوا في ذلك إلا في نبينا محمد [ خاصة، منهم من نفى رؤيته بالعين، ومنهم من أثبتها له [. وحكى القاضي عياض اختلاف الصحابة - رضي الله عنهم - ومن بعدهم في رؤيته[، وإنكار عائشة - رضي الله عنها - أن يكون[ رأى ربه بعين رأسه، وأنها قالت لمسروق حين سألها: هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قَفَّ شعري مما قلت، ثم قالت: من حدثك أن محمدا رأى ربه، فقد كذب، ثم قال: وقال جماعة بقول عائشة - رضي الله عنها- وهو المشهور عن ابن مسعود وأبي هريرة، واختلف عنه، وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته في الدنيا جماعة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين» انتهى من كتاب الشفاء (1/152-156)، الطبعة الأولى: 1416هـ. ط. مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت - لبنان.

قلت: وهذه من المسائل المشتهرة في العقيدة والتي وضحت فيها أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - معتقدا مهما للأمة من خلالها وقد أسهبت فيها كتب العقيدة والحديث والتفسير، وزيادة في التوضيح انظر: فتح الباري (8/606) الحديث رقم: (4855) والحديث رقم: (7380). والترمذي الحديث رقم: (3068) و(3278) والإجابة للزركشي ص84 إلى 89. وفيه كلام نفيس جدا للزركشي رحمه الله، وانظر معارج القبول للحكمي، تحقيق: عمر بن محمود (3/1068-1073).

(8) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (2/186-187) ونصه: «أن معاوية] بعث مرة إلى عائشة - رضي الله عنها - بمائة ألف درهم، فوالله ما أمست حتى فرقتها، فقالت لها مولاتها: لو اشتريت لنا منها بدرهم لحما؟ فقالت: ألا قلت لي» وانظر المستدرك للحاكم (4/13) ط. دار الفكر، بيروت - لبنان.

(9) انظر: سنن الترمذي، كتاب الزهد، حديث رقم (2414) (4/609-610) ونصه: «أن معاوية] كتب إلى عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها- أن اكتبي إلي كتابا ولا تكثري علي، فكتبت عائشة - رضي الله عنها - إلى معاوية: سلام عليك، أما بعد: فإني سمعت رسول الله [ يقول: (من التمس رضاء الله بسخط الناس، كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس)، والسلام عليك».

(10) انظر: أزواج النبي [ للصالحي، تحقيق: محمد نظام الدين الفتيح، في فضائل أم المؤمنين جويرية بنت الحارث وكثرة تسبيحها ص211. وفضائل أم المؤمنين زينب بنت جحش ص188، الطبعة الأولى: 1413هـ، ط. دار ابن كثير، دمشق - بيروت.

(11) انظر: الاستيعاب لابن عبدالبر (4/1812) في صدقة أم المؤمنين حفصة - رضي الله عنها - وكرم أم المؤمنين زينب بنت جحش (4/1851).

(12) انظر: صحيح البخاري، حديث رقم: (4827)، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: {والذي قال لوالديه أف لكما...} الآية ونصه: «كان مروان على الحجاز استعمله معاوية - رضي الله عنه - فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبدالرحمن بن أبي بكر شيئا، فقال: خذوه فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه، فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه {والذي قال لوالديه أف لكما...} فقالت عائشة - رضي الله عنها: ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن، إلا أن الله أنزل عذري».

(13) راجع حاشية (1) ص29.

(14) انظر: الإجابة للزركشي ص128، ونصه: «عن أبي سلمة بن عبدالرحمن قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أماه إن جابر بن عبدالله يقول: «الماء من الماء»، فقالت: «أخطأ، جابر أعلم مني برسول الله [؟ سمعت رسول الله [ يقول: «إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل» أيوجب الرجم ولا يوجب الغسل؟».

(15) انظر: الطبقات لابن سعد (8/77، 78) ونصه: «أوصت عائشة - رضي الله عنها - أن لا تتبعوا سريري بنار ولا تجعلوا تحتي قطيفة حمراء». «وأمرت أن تدفن من ليلتها فاجتمع الناس وحفروا فلم نر ليلة أكثر ناسا منها. نزل أهل العوالي فدفنت بالبقيع».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك