أبرز المعارك والغزوات في شهر رمضان
يشهد التاريخ الإسلامي أن أغلب الغزوات والمعارك التي خاضها المسلمون في شهر رمضان كانت تكلل بالنصر، ومن هنا حرص الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - على خوض بعض الغزوات في الشهر الفضيل، تقربًا إلى الله -تعالى- وإرشادًا للمسلمين إلى الاستعداد لاحتمال الشدائد، من مجاهدة للنفس ومجاهدة للأعداء. ونستعرض في هذا التقرير عددًا من المعارك التي خاضها المسلمون في شهر رمضان على مدار التاريخ الإسلامي منذ العصر النبوي الكريم إلى يومنا هذا.
(1) غزوة بدر
هي غزوة وقعت في السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرة بين المسلمين بقيادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقريش ومن حالفها من العرب بقيادة عمرو بن هشام المخزومي القرشي (أبي جهل)، وتُعد هذه الغزوةُ أولَ معركةٍ فاصلة في تاريخ الإسلام، وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقة بدر التي وقعت المعركة فيها، وبدر بئرٌ مشهورةٌ تقع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة.
بدأت المعركة بمحاولة اعتراض عيرٍ لقريشٍ متوجهة من الشام إلى مكة يقودها أبو سفيان بن حرب، ولكن أبا سفيان تمكن من الفرار بالقافلة، وأرسل رسولًا إلى قريش يطلب عونهم ونجدتهم، فاستجابت قريشٌ وخرجت لقتال المسلمين، وكان عددُ المسلمين في غزوة بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، معهم فَرَسان وسبعون جملًا، وكان تعدادُ جيش قريش ألفَ رجلٍ معهم مئتا فرس، أي كانوا ثلاثة أضعاف جيش المسلمين؛ من حيث العدد تقريبًا. وانتهت غزوة بدر بانتصار المسلمين على قريش وقتل قائدهم أبي جهل، وكان عدد من قُتل من قريش في غزوة بدر سبعين رجلًا وأُسر منهم سبعون آخرون، أما المسلمون فلم يُقتل منهم سوى أربعة عشر رجلًا، ستة منهم من المهاجرين وثمانية من الأنصار. وقد تمخَّضت عن غزوة بدر نتائج نافعة بالنسبة للمسلمين، منها: أنهم أصبحوا مهابين في المدينة وما جاورها، وأصبح لدولتهم مصدرٌ جديدٌ للدخل وهو غنائم المعارك، وبذلك تحسّن حالُ المسلمين المادي والاقتصادي والمعنوي.
(2) فتح مكة
أو الفتح الأعظم، غزوة وقعت في العشرين من رمضان في العام الثامن من الهجرة، استطاع المسلمون من خلالها فتحَ مدينة مكة، ويعود سببُ الغزوة إلى انتهاك قريشٍ للهدنة التي كانت بينها وبين المسلمين، وذلك بإعانتها لحلفائها من بني الدئل بن بكرٍ في الإغارة على قبيلة خزاعة من حلفاء المسلمين، فنقضت بذلك صلح الحديبية. وردًّا على ذلك، جَهَّزَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جيشًا قوامه عشرة آلاف مقاتل لفتح مكة، فتحرَّك الجيشُ حتى وصل مكة، ودخلها سلمًا دون قتال، إلا ما كان من جهة خالد بن الوليد -رضي الله عنه-؛ إذ حاول بعضُ رجال قريش بقيادة عكرمة بن أبي جهل التصديَ للمسلمين، فقاتلهم خالدٌ وقَتَلَ منهم اثني عشر رجلًا، وفرَّ الباقون منهم.
ولمَّا نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة واطمأنَّ الناسُ، جاءَ الكعبة فطاف بها، وجعل يطعنُ الأصنامَ التي كانت حولها بقوس كان معه، ويتلو آيات من القرآن الكريم: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} و{جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}، ورأى في الكعبة الصورَ والتماثيلَ فأمر بها فكسرت، ولما حانت الصلاة، صعد بلال بن رباح إلى أعلى الكعبة وأذّن، كان من نتائج فتح مكة اعتناقُ كثيرٍ من أهلها للإسلام، ومنهم سيد قريش أبو سفيان -رضي الله عنه-، وزوجتُه هند بنت عتبة -رضي الله عنها-، وكذلك عكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وأبو قحافة والد أبي بكر الصديق، -رضي الله عنهم جميعا- وغيرُهم.
(3) فتح الأندلس
هي حملة بدأت عام 92 هـ/711م على مملكة القوط الغربيين إسبانيا، التي حكمت شبه جزيرة أيبيريا، بجيش معظمه من الأمازيغ بقيادة طارق بن زياد، الذي نزل عام 711م في المنطقة التي تعرف الآن بجبل طارق، ثم توجّه شمالًا حيث هزم الملك (رودريك) هزيمة ساحقة في معركة وادي (لكة)، واستمرت حتى عام 107 هـ/726م واستولت على مناطق واسعة من إسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا.
عبر طارق بن زياد بجنوده في 5 رجب 92 هـ إلى موضع الجبل الذي ينسب إليه اليوم، وسيطر على ذلك الموقع بعد اصطدامه بالحامية القوطيَّة، ثم أقام أياما في قاعدة الجبل، نظَّم خلالها جيشه، واستولى على القلاع والمدن القريبة مثل قرطاجنة والجزيرة الخضراء، ثمَّ تقدم باتجاه الغرب حتى بلغ خندة جنوبي غربي إسبانيا التي يقطعها نهر برباط عبر وادي لكة الشهير، وعسكر هناك.
حين بلغ رودريك خبر جيش المسلمين، جمع جيشًا وزحف به من عاصمته طليطلة، وحين بلغ طارق خبر حجم حشود رودريك، طلب المدد من موسى بن نصير فأمده بخمسة آلاف مقاتل، ليصبح جيشه 12,000 مقاتل، والتقى الجيشان في 28 رمضان 92 هـ/ 17 يوليو 711 م قرب شذونة جنوب بحيرة خندة عند وادي لكة، فهزم المسلمون جيش رودريك، وفر هذا الأخير ولم يظهر مرة أخرى، وبذلك صار الطريق سالكًا أمام المسلمين لاستكمال فتح الأندلس، كان هذا الفتح بداية للوجود الإسلامي في الأندلس الذي امتد لنحو 800 عام تقريبًا.
(4) معركة بلاط الشهداء
تسمى أيضًا معركة تور أو معركة بواتييه، وهي معركة دارت في رمضان 114 هـ/أكتوبر 732م، في موقع يقع بين مدينتي بواتييه وتور الفرنسيتين، وكانت بين جيش المسلمين بقيادة والي الأندلس عبد الرحمن الغافقي من جهة، وقوات الفرنجة والبورغنديين بقيادة (شارل مارتل) من جهة أخرى، جمع شارل مارتل جيشًا من المرتزقة ومقاتلين من حدود الراين ومن بورغانديا، وكان عبد الرحمن قد وصل إلى تور بمن تبقى من جيشه، بعد معاركه في أقطانيا وقطلونية وسبتمانيا أو الحاميات التي خلفها وراءه.
استمرت المناوشات بين الفريقين لأيام، إلى أن لجأ المسلمون للهجوم في اليوم الأخير بفرسانهم على جيش شارل، الذي تحمله مشاة جيش الفرنجة، وبدا كما لو أن المسلمين اقتربوا من النصر. إلا أن شارل أرسل فرقًا يعتقد أنها كانت بقيادة (أودو) هاجمت معسكر المسلمين من الخلف؛ مما دفع المسلمين لمحاولة إنقاذ معسكرهم، وحاول الغافقي ومن بقي من جنوده معه الثبات في القتال والسيطرة على الموقف بعد أن اضطربت صفوف المسلمين، وظل يقاتل حتى استشهد، ثم نجح بقية جيش المسلمين في الدفاع عن معسكرهم حتى نهاية اليوم، وفي الليل، اجتمع قادة الجيش ورأوا أن ينسحبوا ليلًا بعد أن فقدوا قائدهم عبد الرحمن الغافقي. وفي اليوم التالي، عندما وجد الفرنجة أن القتال لم يتجدد تخوفوا من أن يكون ذلك كمينًا، إلى أن استطلعت قواتهم مخيمات المسلمين التي تركوها وراءهم ووجدوها فارغة.
انقسم المؤرخون حول أهمية هذه المعركة، بين مسلمين ذكروها في مصادرهم باقتضاب، وغربيين بالغوا في وصفها بالمعركة الفاصلة التي أوقفت المد الإسلامي في أوروبا، مع أن التاريخ يسجل حدوث معارك أخرى لاحقة كسب من خلالها المسلمون ثغورًا أخرى في بلاد الإفرنج.
(5) معركة عين جالوت
هي إحدى أبرز المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، وجرت يوم (25 رمضان 658 هـ/3 سبتمبر 1260)؛ إذ استطاع جيش المماليك بقيادة سيف الدين قطز إلحاق أول هزيمة قاسية بجيش المغول بقيادة (كتبغا)، وقعت المعركة بعد انتكاسات مريرة لدول ومدن العالم الإسلامي، فقد سقطت الدولة الخورازمية بيد التتار في 15 شوال 628 هـ/9 أكتوبر 1239، ثم سقطت بغداد وسقطت معها الخلافة العباسية بعد حصار دام أيامًا، انتهى بدخول المغول بغداد، واستباحتهم للمدينة وقتلهم الخليفة العباسي المستعصم بالله في 4 صفر 656 هـ/10 فبراير 1258، ثم في السنة نفسها استطاع هولاكو ومعه قائده كتبغا احتلال جميع مدن الشام وفلسطين وإخضاعها لهم، كانت مصر في تلك الفترة تئِنُّ من الصراعات السياسية الداخلية، انتهت هذه الصراعات باعتلاء سيف الدين قطز عرش مصر سنة 657 هـ/1259 سلطانًا لمماليك مصر، الذي بدأ بالتحضير لمواجهة التتار، فقام بترتيب البيت الداخلي لمصر وقمع ثورات الطامعين بالحكم، ثم أصدر عفوًا عاما عن المماليك الهاربين من مصر بعد مقتل فارس الدين أقطاي بمن فيهم بيبرس.
ما إن انتهى قطز من تجهيز الجيش حتى سار به من منطقة الصالحية شرق مصر حتى وصل إلى سهل عين جالوت الذي يقع تقريبًا بين مدينة بيسان شمالًا، ومدينة نابلس جنوبًا في فلسطين، وفيها تواجه الجيشان الإسلامي والمغولي، وكانت الغلبة للمسلمين، واستطاع الآلاف من المغول الهرب من المعركة واتجهوا قرب مدينة بيسان، وعندها وقعت المعركة الحاسمة وانتصر المسلمون انتصارًا عظيمًا، وأُبيد جيش المغول بأكمله.
كان لمعركة عين جالوت الأثر العظيم في تغيير موازين القوة بين القوى العظمى المتصارعة في منطقة الشام، فقد تسببت خسارة المغول في المعركة في تحجيم قوتهم والقضاء على أسطورتهم التي أرهبت القاصي والداني.
لاتوجد تعليقات