رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. عبدالرحمن بن عبدالعزيز العقل 23 مايو، 2019 0 تعليق

أبرز الطعون المعاصرة في الجامع الصحيح للبخاري (4)


الشـبهة الثالثـة: كيـف اسـتطاع البخـاري الاطلاع علـى سـتمائة ألـف حديـث مـع دراسـتها، سـنًدا ومتًنـا خلال ســت عشــرة ســنة، هــي مــدة تحريــره للكتــاب؟ وبحسـاب ذلـك نجـد أنـه يـدرس أكثـر مـن مائـة حديـث فـي اليـوم الواحـد، هـذا إذا جعلنـا أيـام مرضـه ورحلاتـه الطويلـة ضمـن الحسـاب؛ فكيـف إذا أخرجناهـا؟!

ويُرد على هذه الشبهة بالآ تي:

 أولا: إن المحدثين المتقدمين يقصدون بالحديث الإسناد، وهذا الإسناد قد يكون مرويا به متن مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أثر موقوف على صحابي، أو على تابعي، أو على من دونه؛ ولهذا لما قال الإمام أحمد بن حنبل: «صح من الحديث سبُعمائِة ألف حديث و كسر، وهذا الفتى - يعني أبا زرعة - قد حفظ ستمائة ألف حديث»، قال البيهقي: «وإنما أراد - والله أعلم - ما صح من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاويل الصحابة، وفتاوى من أخذ عنهم من التابعين»، إذا فُهم ذلك؛ فإنه لا يستغرب هذا العدد من الأحاديث التي اطلع عليها الإمام البخاري.

- ثانيًــا: إن العــدد المذكــور مــن الأحاديــث، ليــس المقصــود بــه سـتمائة ألـف حديـث مفـردة، وأن كل حديـث بإسـناد ومتـن يختلفـان عـن أسـانيد الأحاديـث الأخـرى ومتـونها، بـل المقصـود الأحاديـث بأسـانيدها المكـررة، وطرقهـا المتعـددة؛ لأن متـن الحديـث الواحـد الـوارد عـن عـدد مـن الصحابـة يعده المحدثـون المتقدمـون بعـدد أولئـك الصحابـة، بـل بعضهـم يعد الحديـث الـوراد عـن الصحابـي الواحـدإذاجـاء مـن طرق عـن التابعيـن؛ فهـو عندهـم بعـدد أولئـك التابعيــن، وكذلــك الحــال فيَمــن بعــد التابعيــن ومــن بعدهــم؛ فالحديــث الواحــد إذًا ربمــا يصــل إلــى عشــرات الأحاديــث فــي اصطلاح المحدثيـن المتقدميـن.

يقـول ابـن الصلاح - شـارحا قـول البخـاري: «أحفـظ مائـة ألف حديــث صحيــح، ومائتــي ألــف حديــث غيــر صحيــح»-: «هــذه العبـارة قـد ينـدرج تحتهـا عندهـم آثـار الصحابـة والتابعيـن، وربمـا عـد الحديـث الواحـد المـروي بإسـنادين حديثيـن»

وقال نجم الدين القمولي: «مراده بما ذكره تعدد الطرق والأسانيد وآثار الصحابة والتابعين وغيرهم؛ فسمى الجميع حديثًا، وقد كان السلف يطلقون الحديث على ذلك».

- ثالثًـا: إن هنـاك جـوابًا مـن ابن حجـر على َمن اسـتغرب حفـظ الإمـام البخـاري لمائـة ألـف حديـث صحيـح، ومائتـي ألـف حديـث غيـر صحيـح، وهـذا الجـواب مـن ابـن حجـر يعد رداً علـى هـذه الشـبهة التـي نحـن بصـدد دحضهـا.

     قــال ابــن حجــر - بعــد أن ذكــر قــول ابــن الصلاح السـابق فـي شـرح كلام البخـاري-: «ويزيـد ذلـك وضوحـا أن الحافـظ أبـا بكـر محمـد بـن عبـد الله الشـيباني المعـروف بالجوزقـي ذكـر فـي كتابـه المسـمى بالمتفـق أنـه اسـتخرج علــى جميــع مــا فــي الصحيحيــن حديثًــا حديثًــا؛ فــكان مجمــوع ذلــك خمســة وعشــرين ألــف طريــق وأربعمائــة وثمانيــن طريقــا؛ فــإذا كان الشــيخان مــع ضيــق شــرطهما بلـغ جملـة مـا فـي كتابيهمـا بالمكـرر هـذا القـدر؛ فمـا لـم يخرجـاه مـن الطـرق للمتـون التـي أخرجاهـا لعلـه يبلـغ هذا القـدر أيضـا، أو يزيـد، ومـا لـم يخرجـاه مـن المتـون مـن الصحيـح الـذي لـم يبلـغ شـرطهما لعلـه يبلغ هـذا القـدر أيضـا، أو يقـرب منـه؛ فـإذا انضـاف إلـى ذلـك مـا جـاء عـن الصحابـة والتابعيـن، تمـت العـدة التـي ذكـر البخـاري أنـه يحفظهــا».

- رابعـا:  إن الإمـام البخـاري كان جبلا فـي الحفـظ، وشـهدت لـه الأمـة بالعبقريـة والنبـوغ، وأفنـى عمـره فـي حفـظ السـنة ودراسـتها، ومعرفـة الرجـال والعلـل، ومـن كان بهـذه المنزلـة لا يحتـاج إلـى كثيـر وقـت لدراسـة حديـث مـن الأحاديـث، هـو سـلًفا يحفـظ سـنده ومتنـه، ويعـرف رجالَـه وعللَـه، هـذا مـع بركـة فـي الوقـت يتفضـل الله بهـا علـى العلمـاء الصادقيـن، ونحسـب الإمـام البخـاري منهـم، والواقـع المشـاهد أثبـت لنـا إنجـازات لعلمـاء ُكثـر، الواحـد منهـم يُنجـز عملا يعِجـز عنـه طائفـة مـن النـاس، ويحتـاج فـي إنجـازه إلـى عقـود، بـل قـرون.

     فالإمـام النـووي علـى سـبيل المثـال ألـف مؤلفـات كثيـرة محررة ومدققـة، ومنهـا مطـولات فـي الحديـث والفقـه، واللغـة، والإعلام وغيرهـا، مـع أنـه طلـب العلـم متأخـرا، ومـات مبكـرا! طلـب العلـم وعمـره تسـع عشـرة سـنة، ومـات وعمـره خمـس وأربعـون سـنة.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك