رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 15 أبريل، 2019 0 تعليق

آيات الله (18) هل إعجاز القرآن بآياته أم بسوره؟

 

- يقول الله -تعالى- في سورة البقرة: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)}.

     في هاتين الآيتين تحدى الله -عز وجل- الكفار أن يأتوا بسورة مثل سور القرآن المائة وأربع عشرة سورة، من الفاتحة إلى الناس، مهما قصرت السورة، مثل سورة العصر أو سورة الكوثر أو النصر التي عدد آياتها ثلاث آيات فقط، وحاول بعضهم أن يأتي  بسور قصيرة فكان (قرآنه).

1- والليل الدامس، والذئب الهامس، ما قطعت أسد من رطب ولا يابس.

2- لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشا.

3- إن بني تميم قوم طهر لقاح، لا مكروه عليهم ولا إتاوة، نجاورهم ما حيينا بإحسان، نمنعهم من كل إنسان، فإذا متنا فأمرهم إلى الرحمن.

4- والفيل، وما أدراك ما الفيل، له زلوم طويل.

5- والمبذرات زرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما، إهالة وسمنا، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، رفيقكم فامنعوه، والمعتر فآووه، والناعي فواسوه.

6- يا ضفدع بنت الضفدعين، نقي كم تنقين، لا الماء تكدرين، ولا الشارب تمنعين، رأسك في الماء وذنبك في الطين.

7- وقد ذكر ابن كثير أن عمرو بن العاص -قبل إسلامه- قابل مسيلمة فسأله مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذا الحين؟ فقال له عمرو: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة. فقال: وما هي؟ قال: أنزل عليه: {والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر (2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (3)}، قال: ففكر مسيلمة ساعة، ثم رفع رأسه فقال: ولقد أنزل علي مثلها. فقال له عمرو: وما هو؟. قال مسيلمة: «يا وبر يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حقر نقر». ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال عمرو: والله إنك لتعلم أني أعلم إنك لتكذب.

قاطعني صاحبي وقد علت وجهه ابتسامة ساخرة.

- أنا الذي لا أعرف من العربية سوى قراءتها، دون بلاغتها ولا فصاحتها، ولا شعرها ولا نثرها، أضحك من صف هذه الكلمات.

- وهكذا يحصل مع كل من يحاول أن يأتي بشيء يشبه القرآن، هذا كلام الله -سبحانه وتعالى-، وفضل كلام الله على كلام المخلوقات -الإنس والجن- كفضل الله على خلقه، ولا مقارنة.

كنت وصاحبي في المركبة، في جو ممطر، أكثر منه ربنا هذا العام؛ فانتشرت الخضرة في الصحراء القاحلة، وتوزعت تجمعات المياه على جنبات الطرق الرئيسة المؤدية إلى جنوب البلاد وشمالها، بعضها اتسع كأنه بحيرة صناعية.

- واستمع إلى ما ورد في تفسير آيات التحدي:

{وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)}.

     وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصحة ما جاء به، فقال: وإن كنتم معشر المعاندين للرسول، الرادين دعوته، الزاعمين كذبه، في شك واشتباه، مما نزلنا على عبدنا، هل هو حق أو غيره ؟ فهاهنا أمر نصف، فيه الفيصلة بينكم وبينه، وهو أنه بشر مثلكم، ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم، لا يكتب ولا يقرأ، فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله، وقلتم أنتم أنه تقوّله وافتراه، فإن كان الأمر كما تقولون، فأتوا بسورة من مثله، واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم، فإن هذا أمر يسير عليكم، خصوصا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة، والعداوة العظيمة للرسول، فإن جئتم بسورة من مثله، فهو كما زعمتم، وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز، ولن تأتوا بسورة من مثله، ولكن هذا التقييم على وجه الإنصاف والتنزل معكم، فهذا آية كبرى، ودليل واضح جلي على صدقه وصدق ما جاء به، فيتعين عليكم اتباعه، واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة والشدة، أن كان وقودها الناس والحجارة، ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد بالحطب، وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله. فاحذروا الكفر برسوله، بعد ما تبين لكم أنه رسول الله.

وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات التحدي، وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قال -تعالى-: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء:88).

     وكيف يقدر المخلوق من تراب، أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب؟ أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه، أن يأتي بكلام ككلام الكامل، الذي له الكمال المطلق، والغنى الواسع من كل الوجوه؟ هذا ليس في الإمكان، ولا في قدرة الإنسان، وكل من له أدنى ذوق ومعرفة بأنواع الكلام، إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء، ظهر له الفرق العظيم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك