آفاق التنمية والتطوير (٤) قوة القراءة في توسيع المعارف وتنمية الذات والمجتمعات
نسعد بلقائكم عبر هذه النافذة (آفاق التنمية والتطوير)، لنقدم لكم آفاقًا جديدة من التفكير والتطوير؛ وذلك قيامًا بواجب نشر العلم وحمل الأمانة لإعمار الأرض، وتطوير نمط الحياة بما يحقق التنمية المستدامة، ونسعد بتلقي اقتراحاتكم وتعليقاتكم على بريد المجلة.
تعد القراءة من أهم الأدوات التي تسهم في توسيع المعرفة وتعزيز التطور الشخصي، وتنمية الذات؛ فالقراءة ليست مجرد هواية أو تسلية، بل هي مفتاح أبواب المعرفة والتفكير العميق، ونقدم لكم من خلال هذه المقالة أدلة مقنعة وأرقاما ملموسة؛ لإظهار القوة الحقيقية للقراءة في تحقيق التطور الشخصي والمعرفي، واسمحوا لي على الإطالة؛ نظرا لأهمية الموضوع للشباب والدعاة وأولياء الأمور وعامة الناس.
توسيع المعرفة
أكد تقرير صادر عن منظمة اليونسكو أن هناك أكثر من 750 مليون شخص في العالم أميين لا يستطيعون القراءة والكتابة، في حين توصل الباحثون في جامعة نيويورك إلى أن الأشخاص الذين يقرؤون بانتظام، يمتلكون معرفة أوسع وأعمق في مجموعة متنوعة من المواضيع، مقارنة بأولئك الذين لا يقرؤون بانتظام؛ فانظر إلى هذه المفارقة واحكم بنفسك.
تطوير المهارات اللغوية
بحسب دراسة أجريت في جامعة كامبريدج، تبين أن الأطفال الذين يقرؤون كثيرًا يمتلكون مهارات لغوية أفضل وأقدر على التعبير عن أفكارهم بوضوح ودقة، ويشير تقرير صادر عن المنظمة العالمية للصحة إلى أن القراءة المنتظمة تسهم في تطوير الذاكرة، وتعزيز القدرة على التركيز والتحليل العقلي.
تعزيز التفكير النقدي
وتشير دراسة -نُشرت بمجلة (العقل واللغة)- إلى أن القراءة النشطة تعزز التفكير النقدي، وتطور القدرة على التمييز بين الأفكار المختلفة، وتقييمها بناءً على الأدلة المتاحة.
ووفقًا لتقرير صادر عن الجمعية الأمريكية لتعليم اللغة الإنجليزية، يعدّ (القراء) المتمرسون قادرين على اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً واستنادًا إلى معرفة أعمق وفهم أوسع للعالم من حولهم.
القراءة والإبداع
- تعزز القراءة من القدرة على التخيل والإبداع، ما يسهم في تشجيع الابتكار والاختراع لدى النابغين والموهوبين؛ حيث تُظهر الدراسات أن الأشخاص الذين يمارسون القراءة بانتظام يكونون عادةً أكثر قدرة على حل المشكلات وابتكار الحلول الجديدة.
- وعند قراءة الكتب والمواد المكتوبة، يتعرض الشباب لمجموعة متنوعة من الأساليب اللغوية والأدبية، ويتعلمون كيفية التعبير عن أفكارهم بطريقة دقيقة وإبداعية، وهذا يساهم في تطوير مهاراتهم اللغوية وتنمية قدرتهم على التعبير عن أنفسهم.
- كما يتيح لهم الوصول إلى مصادر متعددة للمعرفة والمعلومات؛ حيث تطالعهم القصص والروايات والمقالات والكتب غير التقليدية والثقافات المختلفة، ما يؤدي إلى توسيع آفاقهم وتحفيزهم على التفكير بطرائق مبتكرة.
- وتسهم القراءة في تنمية خيالهم وقدرتهم على التفكير خارج الصندوق؛ وبذلك يتعلمون كيفية إبداع القصص والأفكار الخاصة بهم وتجسيد رؤيتهم في الحياة.
تأثير القراءة على التعليم
- وجدت دراسة أجريت في الولايات المتحدة أن الطلاب الذين يقرؤون بانتظام خارج الصف الدراسي يظهرون تحسنًا في مستوى القراءة بنسبة 50٪ أكثر من الطلاب الذين لا يقرؤون بانتظام.
- تشير دراسات أجريت في العديد من البلدان إلى أن الطلاب الذين يقرؤون بانتظام يظهرون أداءً أفضل في الامتحانات ويتفوقون في الدروس على غيرهم.
- تعزز القراءة الفهم والحوار مع الثقافات المختلفة، وتسهم في تحطيم الحواجز الثقافية بين الأفراد والشعوب، ولا سيما لدى الأجيال الناشئة، في ظل ثورة الاتصالات التي نشهدها.
- وفقًا لدراسة نُشِرت في مجلة (SOCIAL SCIENCE RESEARCH) في عام 2016، وجد الباحثون أن الطلاب الذين يقرؤون كثيرا يحققون نتائج أفضل في الاختبارات المعيارية.
- دراسة أجريت في الولايات المتحدة ونُشِرت في مجلة (CHILD DEVELOPMENT) في عام 2010، أظهرت أن الأطفال الذين قرؤوا لمدة 30 دقيقة في اليوم كانوا أكثر نجاحًا في المدرسة، وتحصلوا على درجات أفضل في الاختبارات.
القراءة النشطة
يشير مصطلح (القراءة النشطة) إلى أنها عملية تفاعلية ومبتكرة تنطوي على مشاركة القارئ بنشاط مع المادة المقروءة، ويشمل هذا المفهوم استخدام مجموعة متنوعة من المهارات والاستراتيجيات لفهم النصوص وتحليلها واستيعاب المعلومات استيعابا أكثر تفصيلاً وتطبيقها على الحياة العملية.
ويعدّ القارئ النشط مشاركًا في توجيه معرفته وتوظيفها وفهمه القرائي للتفاعل مع النصوص بنهج نقدي وإبداعي.
ويستخدم القارئ النشط استراتيجيات، مثل التساؤل والاستنتاج والتوقعات والملخصات والربط بين المعلومات والتحليل النقدي للأفكار والمواضيع المطروحة في النص.
وتستهدف القراءة النشطة تعزيز التفكير النقدي والإبداعي للقارئ، وتطوير قدراته في تحليل النصوص واستخلاص المعلومات الرئيسية وتطبيقها في سياقات مختلفة.
كما تعزز القراءة النشطة المهارات اللغوية والثقافية وتوسع آفاق المعرفة والتفاهم.
تحديات القراء
تواجه العديد من الدول العربية تحديات في تعزيز القراءة، وتشمل هذه التحديات عوامل مثل ارتفاع معدلات الأمية في بعض المناطق، أو قلة الموارد المخصصة لتعزيز القراءة ونشر الكتب، أو نقص الثقافة القرائية والتحفيز لدى الشباب.
كما تعد قضية الترجمة إحدى التحديات في المجال القرائي في العالم العربي؛ حيث يعاني القراء في الدول العربية من نقص ترجمة الكتب من العربية وإليها، ما يقيد وصولهم إلى مجموعة أوسع من الأعمال الأدبية والمعرفة من خلال الكتب المترجمة.
مبادرات وفعاليات
وعلى الرغم من ذلك فإن هناك جهودًا مستمرة لرفع الوعي بأهمية القراءة في العالم العربي؛ حيث تنظم العديد من المؤسسات والمبادرات الثقافية فعاليات ومهرجانات لتعزيز القراءة وتشجيع الأفراد على استكشاف الكتب والمعرفة.
وهناك العديد من المبادرات التي تستهدف تعزيز القراءة في العالم العربي، وتشمل إنشاء المكتبات العامة والمدارس القرائية، وتنظيم الحملات والفعاليات القرائية، وتوفير الكتب والموارد التعليمية عبر الإنترنت، ولعل من أهم المبادرات في ذلك ما يلي:
- «مبادرة القراءة العربية» (ARAB READING CHALLENGE): تعد مبادرة رائدة تستهدف تحفيز القراءة وتعزيز ثقافة الكتاب في العالم العربي، وتشمل المبادرة تحدي القراءة العربي الذي يشارك فيه طلاب المدارس في جميع أنحاء العالم العربي.
ومن أهم توصيات المبادرة تعزيز ثقافة القراءة في المجتمع، وتوفير المكتبات المدرسية المجهزة، وتطوير برامج تعليم القراءة وتدريب المعلمين، وقد أظهرت النتائج تحسنًا ملحوظًا في مستوى القراءة لدى الطلاب المشاركين.
- «مبادرة تعزيز القراءة في العالم العربي (READING FOR ALL): وهي مبادرة قطرية تستهدف تشجيع القراءة ونشر الثقافة القرائية في العالم العربي، ومن أبرز توصياتها تعزيز ثقافة القراءة في المدارس والمجتمعات، وتوفير المكتبات العامة والمدرسية المتنوعة، وتنظيم فعاليات وأنشطة قرائية متنوعة، وقد أحدثت المبادرة تغييرًا إيجابيا في سلوك القراءة والاهتمام بالكتب في العديد من البلدان العربية.
- (مبادرة مليون كتاب) (MILLION BOOK INITIATIVE): وتستهدف المبادرة توزيع مليون كتاب في الدول العربية، ولا سيما في المناطق ذات الظروف الصعبة؛ بحيث توزع الكتب في المدارس والمكتبات العامة والمستشفيات والمؤسسات التعليمية الأخرى، وتعمل المبادرة على تعزيز ثقافة القراءة وتوفير الوصول المجاني إلى المواد القرائية.
- ومن الجدير بالذكر هنا أن بعض الدول العربية تقدمت في مجال القراءة للأطفال، وذلك وفقًا لتقرير مؤسسة (القراءة والمعرفة) في الإمارات العربية المتحدة في عام 2016؛ حيث يبلغ معدل القراءة للأطفال في دولة الإمارات العربية المتحدة 92٪، فيما يبلغ معدل القراءة للأطفال في المملكة العربية السعودية حوالي 80٪.
حقائق صادمة
- وفقًا لمنظمة اليونسكو، وجد في عام 2018 أن نصف سكان الدولة العربية لا يقرؤون أي كتاب خلال العام.
- وفقًا لتقرير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وجد أن معدل قراءة الكتب في العالم العربي منخفض، وتشير الأرقام إلى أن الشخص العربي يقرأ حوالي 1.5 كتاب في السنة، وهذا يعد أقل من المتوسط العالمي.
- ووفقًا لتقرير اليونسكو الإقليمي للتعليم في الدول العربية، فإن هناك تحديات كبيرة تواجه الأطفال في العالم العربي فيما يتعلق بالقراءة؛ حيث يشير التقرير إلى أن نحو 22 مليون طفل في العالم العربي في سن الدراسة لا يتلقون تعليماً ولا يعرفون القراءة أو الكتابة بطريقة جيدة.
- وفي المقابل أوضح تقرير نشره مركز القراءة الأمريكي في عام 2018، أن 43٪ من الأمريكيين البالغين يقرؤون على الأقل بشكل شبه يومي.
لاتوجد تعليقات