رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 24 مارس، 2019 0 تعليق

آداب إهداء النصيحة


في مرحلة الصبا يزداد ارتباط الفتاة بمجوعة الصديقات وزميلات الدراسة والقريبات اللاتي في مثل عمرها؛ فتصير أوقاتها معهن من أسعد الأوقات؛ ولأن الفتاة في هذه المرحلة تنزع إلى المثالية في نظرتها إلى الحياة وفي حكمها على الأشخاص وفي فهمها للقيم والأخلاق؛ لذلك قد يحدث أحيانًا بعض المواقف التي تعكّر صفو صداقاتها، نتيجة هذه النظرة المثالية التي تجعلها تريد أن تعلق على أخطاء صديقتها وتنصح لها وتأبى أن تراها على خطأ، ولكن يخونها الفهم أحيانًا أوالأسلوب في معظم الأحيان!

     وقد أحسنت كل فتاة تبتغي النصيحة لأختها في الله وصديقتها؛ فهي بذلك توافق هدْي الإسلام؛ فعن تميم بن أوْس الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: «الدين النصيحة» (رواه مسلم)؛ فالمسلم في قانون الإسلام شخص إيجابي مؤثر في مجتمعه، يقوّم الاعوجاج، وينقد ما يراه من عيب أو خلل، يقول ابن القيم -رحمه الله-: «نهاية الكمال أن يكون الشخص كاملاً في نفسه مكمّلاً لغيره».

معاني طيبة

وفي المعنى اللغوي لكلمة (النصيحة) وردت الكثير من المعاني الطيبة، قال ابن منظور -رحمه الله-: «نَصَحَ الشيءُ، خَلَصَ، والنَّاصِحُ: الخالص من العمل وغيره، وكل شيء خَلَصَ، فقد نَصَحَ. والنصح: نقيض الغِش».

وفي الاصطلاح جاء في معنى النصيحة: قال ابن الأثير -رحمه الله-: «هي إرادةُ الخير للمنصوح له». ومن معانيها الجامعة أيضًا: قال ابن الصلاح: «النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلاً».

وهكذا ترين أيتها الحبيبة أن معاني النصيحة كلها تدور حول الصدق والإخلاص في محبة الخير للمنصوح وإرادة إزالة الشر عنه.

أهمية خلق النصيحة

     إنّ خلق التناصح يعد من الأسس المتينة التي تقوم عليها علاقة الفرد المسلم بباقي أفراد المجتمع الذي يعيش فيه؛ ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع من دخل في الإسلام جديداً على جملة من الأسس الإسلامية المتينة، ويجعل النصيحة للمسلمين إحدى هذه الأسس؛ فعن جرير بن عبد الله البجلي رضي اللله عنه قال: «بايعت النبي على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم» (رواه البخاري، كتاب: الإيمان)؛ فالنصيحة أساس في حياة البشر، وما بعث الله -تعالى- الأنبياء عليهم جميعاً السلام إلا ناصحين لخلقه؛ فهذا نبي الله هود يقول  لقومه: {وأنا لكم ناصح أمين}؛ وذاك نبي الله نوح يقول لقومه: {وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون}،  وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء والمرسلين نصح أمته؛ فكان خير ناصح لهم، وأرشدهم إلى ما يسعدهم في الدنيا والآخرة.

النصيحة ثقيلة

     النصيحة ثقيلة على النفس إلا من الماهرِ في إسدائها، وعلى الرغم من أنّ إسداء النصح واجب في دين الله -تعالى- ومكاشفة الغافل، وتنبيه الناسي من أصول الأخلاق الإسلامية، إلا أن المشكلة التي تواجهنا أن النصيحة غالباً ما تكون ثقيلة على النفس وكثير من الناس يرفضون النصيحة أو النقد؛ إذ ينظر معظم الناس إلى ذواتهم على أنها شيء مصون مقدس لا يجب المساس به، أو أن أسلوب النصيحة قد يكون جارحاً غير لائق في كثير من الأحيان؛ ولذلك عليكِ أن تتعلمي الأساليب واللمسات التي تجعل نصيحتك مقبولة عند الآخرين، وأهديك تلك الباقة المزهرة من آداب النصيحة التي تمهد لك طريق القبول:

قدمي النصيحة سرّاً

لا أحد منّا يحب أن تظهر عيوبه، أو أن تنكشف سوءاته التي سترها الله عليه وجعل الناس لا يعلمون عنها شيئاً، وإذا قام أحد بنصحنا على ملأٍ من الناس؛ فإننا حتماً سنغضب منه وسنشعر بالكثير من الحرج، حتى لو كان ذلك أمام أقرب الناس إلينا!

     لذلك - أيتها الحبيبة- لا تنصحي أحداً على الملأ أبداً؛ فنصيحة العلانية فيها استفزاز للمنصوح يجعله يغلق قلبه وأذنه عنكِ، ولكن اجعلي نصيحتك سرّاً بينك وبين صديقتك أو زميلتك أو حتى أشقائك؛ فإن ذلك أدعى لقبولها عند المنصوح، فضلا عن شعوره بالامتنان تجاهك؛ إذ حافظت على مشاعره، يقول الإمام الشافعي -رحمه الله:

تعمدني بنصحك في انفرادي                                                   وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوعٌ                                                   من التوبيخ لا أرضى استماعه

اذكري المحاسن أولاً

     إذا كان لصديقتك التي تنصحيها مزايا، فلماذا لا تثني عليها بها أولا ؟ وإذا كان لها حسنات؛ فلماذا لا تبرزيها قبل أن تتعرضي للأخطاء التي تودين التعليق عليها؟ قال -تعالى-: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم}(الأعراف: 85)؛ فلا يجب أن تهاجميها وكأنها غُمست في بحر من العيوب، بل أثني على ما فيها من خير أولًا ثم تعرضي بلطف إلى محل الانتقاد والنصيحة، تماماً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يوجه الصحابي عبد الله بن عمر إلى الاهتمام بقيام الليل؛ فقال صلى الله عليه وسلم : «نعم الرجل عبد الله بن عمر لو كان يصلي من الليل»؛ فلما وصلت هذه الكلمة إلى الصحابي رضي الله عنه لم يترك قيام الليل أبداً بعد ذلك!

تخيري الوقت المناسب

     هناك أوقات لا يستحب فيها تقديم النصيحة، كوقت الغضب، أو التوتر أو انشغال الذهن في أمر مهم، واختيارك للوقت المناسب الذي تتوقعين فيه القبول من الطرف المنصوح عامل مهم لنجاح النصيحة وتحقيق أهدافها؛ فربما كنت على حق ولكن صديقتك غضبت وردت عليكِ نصيحتك؛ لأنك أخطأت في اختيار الوقت لا أكثر.

انتقي ألطف الكلمات

إذا أهديتِ ورداً لأحبابك؛ فليكن بلا أشواك، وإذا قدمت النصيحة فدققي في انتقاء واستخدام ألطف وأرق الكلمات والألفاظ المناسبة التي لا تجرح من تقومين بنصيحتها.
 

لا تقدمي النصيحة من برجٍ عاجيٍّ

     فلا تنصحي وصوتك تعلوه نبرة استعلاء وكأنك لم تخطئي في حياتك؛ وليكن أسلوبك هيناً، ونصيحتك حارة صادقة، يُروى أن واعظًا قال للخليفة المأمون: إني واعظك؛ فمغلظ لك القول؛ فقال المأمون: مهلاً؛ فإن الله قد أرسل من هو خير منك، وهو موسى -عليه السلام- وأخوه هارون، إلى من هو شرّ مني، وهو فرعون، وقال لهما: {فقولا له قولاً ليّناً لعله يتذكر أو يخشى}.

كوني قدوة حسنة

     كوني قدوة حسنة في قبول النصيحة بل واطلبيها من غيرك؛ لأنّ تطابق القول مع الفعل يفتح لكِ باب القبول لنصيحتك، وإذا كنت ممن لا يقبل النقد أو النصيحة ولا يعترف بخطئه؛ فتوقعي ألا يقبل الآخرين نصائحك؛ فلا يزال قبول النصح من الصفات التي يحمد بها المرء، ورحم الله الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أدرك إيجابية النصيحة؛ فقال: «رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي»، أي: نصحني وقومني ووجهني إلى الخير.

لا تنصحي في أمر قد فات وانتهى

     إذا كانت النصيحة تتعلق بأمر قد انتهى، مثال: «رسبت صديقتك في مادة دراسية كانت تهملها وتؤجل مذاكرتها دائما»؛ فالأسلوب الصحيح هنا هو عدم الإسراف في اللوم والتقريع؛ فالأمر قد انتهى ولن ينفع اللوم، ولكن خذي بيدها لتبدأ من جديد في استذكار هذه المادة، وشجعيها لتعوض ما فاتها.

لا تدققي على كل خطأ

واحذري أن تكوني كمن يمسك بيده عدسة مكبرة يبحث بها عمّا دقّ وخفيِ من الأخطاء ولا يريد أن تفوته شاردة ولا واردة قبل أن يعلق عليها؛ فالناس لا يحبون التعامل مع أولئك الباحثون عن الأخطاء المفتشون عن العيوب.

التلميح والإشارة

قد يغني التلميح والإشارة عن التصريح بالعبارة!، إن استطعت أن تشيري للخطأ بالتلميح دون التصريح فافعلي؛ فهذا من كرم الأخلاق، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يلمح دون أن يصرح حفاظا على المشاعر 

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى أحد من أصحابه على خطأ يقوم على المنبر، ويقول: «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ويذكر الخطأ» تلميحا لا تصريحاً.

وأخيرًا ابنتي الحبيبة، احرصي على أن تختمي نصيحتك بطريقة ودودة تجعل صديقتك تشكرك على اهتمامك بها، ورعايتك لمصالحها، مثل أن تثني على قبولها لكلامك بصدر رحب، أو الدعاء لها بكل خير.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك