رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سلوى عبدالحميد أبوشعيشع 22 أغسطس، 2016 0 تعليق

آداب إفشاء السلام وأحكامه

 حضت السنة النبوية على إفشاء السلام كلما لقي المسلم فرداً أو جماعة لما له من الأثر الكبير في توثيق عرى الألفة والمودة والتقارب والتصافي

 المسلم حين يلقي السلام على أخيه كأنه يقول له عش آمناً مطمئنا ولا تخش مني على نفسك وعرضك ومالك وهذا بدوره يحقق الأمن والأمان بين أفراد المجتمع المسلم

  

إفشاء السلام - إلقاء ورَدًّا- من أساليب الخير والصلاح التي أرشدتنا إليها السنة النبوية، ومن تلك المعاني الإيمانية التي ظل الرسول صلى الله عليه وسلم طيلة حياته يرسخها في قلوب المسلمين، وإفشاء السلام من الأعمال التي تقرب العبد من الله تعالى، وتزيد المحبة والمودة بين العباد، وتذهب البغضاء والشحناء من قلوبهم، وقد يتساهل كثير من المسلمين في إلقاء السلام أو رده، بل قد يتساءل إنسان ويقول: وهل يستحق موضوع كهذا بالبحث والدراسة؟ أقول: نعم، يستحق هذا الاهتمام وأكثر، ولم لا؟ وهو عمل رئيس وسبب أصيل في الفوز بالجنة، وهي أغلى أمنية يتمناها العبد ويعيش لتحصيلها؛ لذلك سنتناول هذا الموضوع في حلقات نظرًا لأهميته في حياة المسلمين.

     فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم».

     والمسلم حين يلقي السلام على أخيه كأنه يقول له بلسان حاله: عش آمناً مطمئناً، ولا تخشَ مني على نفسك وعرضك ومالك، وهذا بدوره يحقق الأمن والأمان بين أفراد المجتمع المسلم.

     وإفشاء السلام مع كونه أدباً نبوياً فهو ذكر لله -تعالى-؛ ولهذا شرع - بل استحب - في الأماكن التي يغلب عليها الله والغفلة كالأسواق وغيرها.

     والحق أن لإفشاء السلام معاني وآداباً وأحكاماً كثيرة، أحاول - بإذن الله تعالى وتوفيقه- تجليتها في هذا البحث من خلال مشكاة السنة النبوية.

الإفشاء: الإظهار، والمراد نشر السلام بين الناس ليحيوا سنته.

      قال النووي: أقله أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه، فإن لم يسمعه لم يكن آتيا بالسنة، ويستحب أن يرفع صوته بقدر ما يتحقق أنه سمعه فإن شك استظهر.

     قلت: ويدعمه ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن عبد الله بن عمر قال: «إذا سلّمت فأسمع؛ فإنها تحية من عند الله مباركة طيبة».

     والسلام يطلق بإزاء معان، منها:السلامة، ومنها التحية، ومنها أنه اسم من أسماء الله، قال: وقد يأتي بمعنى التحية محضاً، وقد يأتي بمعنى السلامة محضاً، وقد يأتي متردداً بين المعنيين، كقوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} فإنه يحتمل التحية والسلامة، وقوله تعالى: {ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم} وقوله: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}.

     وقد اختلف في معنى اسم الله -تعالى- السلام، فقيل هو: السالم من النقائص، وقيل: ذو السلامة لعباده، وقيل: المُسلِّم على أوليائه.

     وقال القرطبي: ومعنى السلام في حقه -تعالى- أنه المنزّه عن النقائص والآفات التي تجوز على خلقه، وعليه فمعنى قول المسلم السلام: أي: مطلع عليك وناظر إليك، فكأنه يذكره باطلاع الله -تعالى- عليه ويخوفه، ليأمن منه ويسلم من شره، وإفشاء السلام يعني إلقاءه ورده؛ لأنهما متلازمان، وإفشاء السلام ابتداء يستلزم إفشاءه جوابا.

إفشاء السلام في القرآن الكريم والسنة النبوية

     إن من أدب المسلم الحق إفشاء السلام - ابتداء وجواباً -، وإفشاء السلام في الإسلام ليس تقليداً اجتماعياً يتغير ويتطور تبعاً للبيئة والعصر، وإنما هو أدب ثابت ومحدد، أمر الله -عز وجل- به في كتابه، ووضع قواعده وآدابه رسوله  صلى الله عليه وسلم .

     ففي القرآن الكريم أمر الله -تعالى- المؤمنين بإلقاء السلام، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النور/27).

     وأمر برد التحية بأحسن منها أو بمثلها، فقال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} (النساء/86).

     أي: إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم، أو ردوا عليه بمثل ما سلم، فالزيادة مندوبة، والمماثلة مفروضة.

     وزكى هذه التحية في كتابه، ووسمها بالبركة والأمان، وأمرنا - نحن المؤمنين - بإلقائها على أهلنا، لا نعدل عنها إلى غيرها. فقال: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (النور/61).

      قال قتادة: إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم، وإذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلم، يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك».

والمعنى أن: السلام سبب زيادة بركة وكثرة خير ورحمة.

     إن تحية السلام تعبير عن احترام المسلم للطرف الآخر، في أنه لا يضمر حياله سوءاً، وأنه يحترم محضره فلا يسمعه لغواً، وأنه يريد له حياة كريمة طيبة، وأنه يودعه بكرامة واحترام، ومن ثم كانت هذه التحية هي التي اصطفاها الله لآدم عليه السلام، وأرادها لذريته على اختلاف عصورهم وأمصارهم وشرائعهم.

     عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك؛ فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن».

      قوله «فقال: السلام عليكم» قال ابن بطال: يحتمل أن يكون الله علمه كيفية ذلك تنصيصا، ويحتمل أن يكون فهم ذلك من قوله له: «فسلم».

      قال ابن حجر: ويحتمل أن يكون ألهمه ذلك، ويؤيده ما تقدم في باب حمد العاطس في الحديث الذي أخرجه ابن حبان من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه: «إن آدم لما خلقه الله عطس فألهمه الله أن قال الحمد لله.. الحديث» فلعله ألهمه أيضا صفة السلام.

      قال القرطبي: هذا الكلام دليل على تأكد حكم السلام، فإنه مما شرع وكلف به آدم، ثم لم ينسخ في شريعة من الشرائع؛ فإنه تعالى أخبره أنها تحيته وتحية ذريته من بعده، ثم لم يزل ذلك معمولا به في الأمم على اختلاف شرائعها، إلى أن انتهى ذلك إلى نبينا محمد  صلى الله عليه وسلم ، فأمر به وبإفشائه، وجعل سبباً للمحبة الدينية، ولدخول الجنة العلية.

     وقال المناوي: وهذا أول مشروعية السلام، وتخصيصه؛ لأنه فَتْح لباب المودة، وتأليف لقلوب الإخوان المؤدي إلى استكمال الإيمان.

     لقد حضت السنة النبوية على إفشاء السلام كلما لقي المسلم فرداً أو جماعة؛ لما له من الأثر الكبير في توثيق عرى الألفةوالمودة والتقارب والتصافي، بل جعله رضي الله عنه سبب المحبة التي تفضي إلى الإيمان الموصل إلى الجنة.

      عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله  صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، وقيل قدم رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، قدم رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، قدم رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استثبت وجه رسول الله  صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به أن قال: «أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلون الجنة بسلام».

     وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك