
{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}
- الكلمة الطيبة لها أثر بالغ وعظيم في حياة الناس ولا سيما إذا خرجت من قلب صادقٍ مفعم بالإيمان ومحب الخير للآخرين
- إن أولى الناس بالكلمة الطيبة هما الوالدان فهما المستحقانِ لكل قولٍ طيبٍ وفعل حسنٍ ودعاء نابع من القلب فهما سبب وجودنا وصاحبا الفضل بعد الله علينا
- الكثير من الألفاظ والتصرفات السلبية سببها إما الرفقة السيئة أو متابعة بعض مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي ولا سيما السلبيين منهم الذين لا يتورعون عن بعض الألفاظ والعبارات السلبية
الكلمة الطيبة لها أثر بالغ وعظيم في حياة الناس، ولا سيما إذا خرجت من قلب صادقٍ مفعم بالإيمان، ومحب الخير للآخرين، وقد حث الشارع الكريم على الإكثار منها، قال -تعالى-: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}(البقرة:83)، قال السعدي -رحمه الله-: ومن القول الحسن: «أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتعليمهم العلم وبذل السلام والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب، ولما كان الإنسان لا يسع الناس بماله أُمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق وهو الإحسان بالقول، فيكون من ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار».
وهي شجرة طيبة وارفة الظلال، لا ينضب معينها، ولا يختفي ظلها، ودائم أكلها بإذن ربها يقول الله -تعالى-: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (إبراهيم: 24-25) والكلمةُ الطيبةُ تعبر عن مكنون صاحبها من رجاحة عقلٍ، وصفاء قلبٍ، وحُسن سريرة، فهي ألفاظ حسنة تخرج من فم يحمل الخير والحب والنفع للآخرين، وتبتعد كل البعد عن البذاءة والفحش، والإضرار والشتم والاستهزاء بالناس؛ لذا قال -صلى الله عليه وسلم -: «والكلمة الطيبة صدقة» (متفق عليه).من أولى الناس بالكلمة الطيبة؟
إن أولى الناس بالكلمة الطيبة هما الوالدان، مصداقًا لقوله -تعالى-: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (الإسراء:23)، فهما المستحقانِ لكل قولٍ طيبٍ وفعل حسنٍ ودعاء نابع من القلب، فهما سبب وجودنا، وصاحبا الفضل بعد الله علينا، والكلمة الطيبة أيضا تكون بين الزوجين؛ فالحياة الزوجية أساسها حُسن الكلام والمودة والرحمة وكذا التقدير والاحترام، والبعد كل البعد عن كل ما هو قبيح من قول أو فعل. ولا ننسى أن علاقاتنا المختلفة مع الآخرين مبنية على الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة، بدءاً بالأرحام وأولهم الإخوة والأخوات والأهل والأقارب والجيران، وفي بيئة العمل، وفي البيع والشراء، بل بكل معاملة نعامل الناس بها على مختلف مشاربهم وبلدانهم وثقافاتهم، حتى الكافر أمر الله -سبحانه وتعالى- بالكلمة الطيبة معه، قال -تعالى- لموسى وهارون -عليهما السلام-: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: 43-44).أهمية الكلمة الطيبة في حياتنا
1- الكلمة الطيبة شعبة من شُعب الإيمان: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم جارَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه» متفق عليه. 2- وهي سِمَة المؤمنين وشعارهم: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (الفتح: 26). 3- أنها تؤلف بين القلوب، وتهذب النفوس، وتذهب الحزن، وتزيل الغضب، وتشعر بالرضا والسعادة، لا سيما إذا رافقتها ابتسامة صادقة، فعن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:» تبسُّمُك في وجه أخيك لك صدقة» رواه الترمذي، وصححه الألباني. 4- فهي مفتاح لكل خير، ودافعة للشر: قال -تعالى-: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (فصلت: 34، 35). 5- بها تكون النجاة من النار: عن عديِّ بن حاتم - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اتقوا النار ولو بشق تمرةٍ، فمن لم يجد، فبكلمةٍ طيبة» رواه البخاري ومسلم. 6-الكلمة الطيبة سبب دخول الجنة: عن المقدام بن شُرَيح عن أبيه عن جدِّه -رضي الله عنهم- قال: قلت: يا رسولَ الله، حدثني بشيء يوجب لي الجنة، قال: «موجبُ الجنة: إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وحسنُ الكلام» رواه الطبراني. وفي المقابل فإن الكلمة السيئة منفِّرة: قال -تعالى-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران/159). والكلمة السيئة قدح في الإيمان: عن عبداللَّهِ بْنَ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قال: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» رواه البخاري ومسلم. وهي سبب لدخول النار: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ» رواه البخاري.كيف نتخلص من الكلام السلبي؟
قد يتساءل بعضنا، كيف نتخلص من الكلام السلبي؟ وللتخلص من الكلام السيئ أو السلبي هناك خطوات عدة: 1- التحكم في الغضب غالبًا ما يكون أصحاب الكلام السلبي أشخاصا سريعي الغضب؛ فالإنسان حين غضبه أو انفعاله قد يفقد السيطرة على ألفاظه ويبدأ في السب والشتم واستخدام أي لفظ سيئ؛ لذا فإن أهم خطوة للتخلص من تلك العادة السيئة أن يحاول التحكم بأعصابه، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوصي بعدم الغضب، روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -» أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصني، قال: لا تغضب فرَّدد عليه مراراً، قال: لا تغضب» رواه البخاري. 2- أن يراقب ألفاظه راقب ألفاظك، قد تخرج منك ألفاظاً لا ترغب بها دون أن تشعر؛ لذا يجب عليك أن تراقب ألفاظك وأن تفكر قبل أن تنطق بها؛ فإن ذلك يساعدك على عمل توازن لكلماتك قبل أن تخرج منك، قد يكون الأمر صعباً في البداية، لذا استعن بصديق أو بأحدٍ من أفراد أسرتك؛ بحيث يقوم بتذكيرك إذا نطقت بتلك الألفاظ حتى تتراجع عنها أو تتخلص منها بإذن الله. 3- حاسب نفسك قم بمحاسبة نفسك في حال القيام بقول أو فعل سلبي أو سيئ، يقول أحد الأشخاص: كنت أفرض على نفسي مبلغاً من المال أقوم بالتبرع به عندما أتلفظ بلفظ سلبي أو أُسيء إلى أحد؛ حيث كنت أحدد مبلغاً مؤثراً حتى أشعر بتأثيره عليَّ، كي لا أعود لهذا الأمر لاحقاً. 4- الابتعاد عن مسببات هذه الألفاظ الكثير من الألفاظ والتصرفات السلبية سببها إما الرفقة السيئة أو متابعة بعض مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما السلبيين منهم الذين لا يتورعون عن بعض الألفاظ والعبارات السلبية؛ فيتلقفها صغار السن والشباب دون وعي منهم؛ لذا لابد من الحرص على مرافقة الأصدقاء الإيجابيين وأهل الدين وأصحاب الأخلاق والقيم الرفيعة؛ فالصاحب ساحب، يؤثر في صاحبه سلباً أو إيجاباً، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح. 5- استبدال الألفاظ السلبية بأخرى إيجابية حاول استبدال الألفاظ السلبية التي تثير استياء الناس من حولك بألفاظ إيجابية، وعندما تنجح في تلك الخطوة، جرّب التخلص تدريجياً من تلك الألفاظ، عليك بالصبر والمثابرة، فمع المحاولة والصبر تستطيع التخلص منها بإذن الله، مع الابتعاد عن كل المسببات، سواء كانوا من الأصدقاء أم مما يشاهده في وسائل التواصل الاجتماعي، أم حتى المجالس التي يقلُّ فيها ذكر الله ويكثر فيها القيل والقال.
لاتوجد تعليقات