وقفات مع أسماء الله الحسنى – اســــم اللـــــه المهيمن
قال الشيّخ السعدي -رحمه الله-: «إنّ الإيمان بأسماء الله الحسنى، ومعرفتها يتضمّن أنواع التوحيد الثلاثة، توحيد الربوبيّة، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء، والصفات، وهذه الأنواع هي رَوح الإيمان وروحه، وأصله وغايته فكلّما ازداد العبد معرفة بأسماء الله، وصفاته ازداد إيمانه، وقوي يقينه»، ومن أسمائه الجليلة -تبارك وتعالى- المهيمن، وقد ورد هذا الاسم مرة واحدة في القرآن الكريم في سورة الحشر قال -تعالى-: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
وفي معناه قال ابن حجر -رحمه الله-: أصل الهيمنة الحفظ والارتقاب، تقول هيمن فلان على فلان،إذا صار رقيبا عليه فهو مهيمن، وقال السعدي -رحمه الله-: المهيمن المطلع على خفايا الأمور، وخبايا الصدور، الذي أحاط بكل شيء علماً.
والمهيمن -سبحانه- من خلق الأشياء بقدرته، وبرأها بمشيئته، وقهرها بجبروته، وذللها بعزته، فأمره نافذ في سائر مخلوقاته، فوقهم بذاته، له علو القهر والشأن،وهو -سبحانه- على عرشه لا يخفى عليه شيء في مملكته،يعلم جميع أحوال الخلق ولا يعزب عنه شيء من أعمالهم، قال ابن كثير: قال ابن عباس: المهيمن هو الشاهد على خلقه بأعمالهم بمعنى هو رقيب عليهم كقوله: {والله على كل شيء شهيد} وقوله -تعالى-: {ثم الله شهيد على مايفعلون}، وقوله: {أفمن هو قائم على كل نفس}، فهو محيط بالعالمين مهيمن بقدرته على الخلائق أجمعين، وهو -سبحانه- على كل شيء قدير، وكل شيء إليه فقير، وكل أمر عليه يسير، لا يعجزه شيء ولا يفتقر إلى شيء؛ لأنه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
فجميع المخلوقات دقت أم جلت صغرت أم عظمت لا تخرج عن دائرة ملكه وتقديره وهيمنته، فالمهيمن يهيمن على الأكوان والأفلاك والكواكب والمجرات قال -تعالى-: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ}، ويهيمن على الشمس فيحفظ قدرها ومستقرها فلا تتقدم نحو الأرض فتشعلها ولا تتأخر فتذرها جامدة، يهيمن على الأرض ويسيرها بمسار دقيق ويحفظ ما أودع فيها من جبال وجداول وغدران، ويهيمن على البحر وأمواجه {وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ}، والكل يسير في نظام بارع دقيق من خلقه -سبحانه.
معاني اسم الله المهيمن
اسم الله المهيمن له معانٍ كثيرة نذكر منها ما يلي:
العلم
قال -تعالى-:{يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، ذات الصدور أي صاحبة الصدور وهي تشمل كل ما حوى الإنسان في باطنه من اعتقادات وإرادات،إسلام ونفاق، حب وبغض،وقال -تعالى-: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} فله كمال العلم -سبحانه-، ولا حد لعلمه، قال تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
يعلم ما نعلم وما لانعلم {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}، يعلم كل ما يدور في خلقه وأكوانه قال ربنا -تبارك وتعالى-: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ}.
القدرة
والمعنى الثاني هو القدرة مع العلم وهي كما قال الله -تعالى-: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وفي هذه الآية تسلية للمحزون المبتلى وإنذار للظالم الباغي، فالله المهيمن يعلم وقادر على كل مظلوم وظالم، والإحاطة هي تطويق المحيط للمحاط به؛ بحيث لا يستطيع أن يفلت منه علماً بحاله التي هو عليها، ولا قدرة على أن يفلت مآلاً وعاقبة، فهو محيط علماً بكل تفاصيله الدقيقة فلا تخفى عليه خافية.
الرحمة
من معاني الهيمنة الرحمة والشفقة، قال -تعالى-: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وعلماً}، قال ابن القيم: «فوسعت رحمته كل شيء، ووسعت نعمته كل حي، فبلغت رحمته حيث بلغ علمه»، والله -عز وجل- يهيمن على هذا الكون بما حواه من مخلوقات عظيمة، ويمسكه برحمته التي لا يمكن للعقول أن تدركها ولا تحصرها، فرحمته عامة للخلق، والله -عز وجل- يقول:{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ}، ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، قال -تعالى-:{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}. يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: «أما المؤمنون فرحمتهم رحمة أخص من هذه وأعظم، لأنها رحمة إيمانية دينية دنيوية»، وقال -تعالى-: {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}، وقد خلق الله -عز وجل- مائة رحمة، وأنزل على أهل الأرض رحمة واحدة منها، فالعالم كله يتراحم بهذه الرحمة من هوام ودواب وطيور وحيوانات وحيتان وسباع، ومنها يتراحم البشر الكبير على الصغير والأب على الولد، والإسلام والقرآن والرسل رحمة من الله على خلقه.
الأمن
قال بعض العلماء أصل المهيمن المؤيمن، وقلبت الهمزة هاء للتخفيف، وهي بمعنى المؤمن الذي يؤمن غيره من الخوف، فلا خوف ولا قلق لما يجدونه من أمرهم، قال موسى وهارون -عليهما السلام-: {قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى} فأجابهم الرب المهيمن {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}، فسبحانه الذي يربط على قلوب عباده ويؤمنها من الخوف.
آثار التعبد باسم الله المهيمن
إيماننا باسم الله المهيمن يثمر في القلب أمورًا عدة منها ما يلي:
المراقبة
لأن الله -سبحانه- يهيمن على قلوب عباده يعلم ما يقع فيها وما يصدر عنها، ويعلم البواطن كما يعلم الظواهر، وجب على العبد في أفعاله وأقواله مراقبة الله، وأن يجعل حياته كلها لله، قال -تعالى-:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
ثانياً: التوكل
يستقر في القلب التوكل متى ما استقر معنى الهيمنة لله -عز وجل- في القلب، وأن مقاليد الأمور كلها بيده -سبحانه-،حينها يصبح المرء ثابتاً قوياً بالله متوكلاً عليه في جميع أموره، {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، فيعتمد القلب عليه ويسكن إليه؛ بحيث لا يكون مضطربا مشوشا ولا خائفاً قلقاً، فيفوض أمره إلى الله وينزل حاجاته عند بابه، لعلمه التام أن الله المهيمن عليم قدير بيده الأسباب، أقداره نافذة فلا راد لقضائه ولامعقب لحكمه، {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}.
حسن الظن بالله
وما من عبد تعلم اسمه المهيمن -جل في علاه-،إلا ازداد حبا وتعظيما، وأحسن ظنه في خالقه الذي هيمن على كل شيء، قال -تعالى-: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
لاتوجد تعليقات