رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ 13 ديسمبر، 2010 0 تعليق

وقفات فقهية (2)- تعريف الإعراض عن القرآن وعن تدبره

يقول الله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} (ص: 29)، ويقول الله تعالى: {ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا} (الجن: 17). وهنا وقفات لابد من مراعاتها:

أولاً- الإعراض: مشتق من العرض بالضم، وهو الجانب؛ لأن المعرض عن الشيء يوليه بجانب عنقه صادّا عنه، يقول الله تعالى: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه} (الإسراء: 83). أما التدبر فقيل: هو التأمل في أدبار الأمور والنظر فيها وما تؤول إليه في عاقبتها، ومعرفة ما جاء من الحق من أدلة العقيدة والتعبد والتذكر، فمن ترك التدبر في المعاني فقد حرم نفسه ثمار معرفة الحق وذلك عين الخسران، قال علي - رضي الله عنه -: لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا خير في قراءة لا تدبر فيها. وقال الشاعر:

إذا لم يكن للمرء عين صحيحة

                                    فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر

     فالتدبر غالبا يفضي إلى العمل، ومما يذكر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وجد لوحا فيه سورة طه عند أخته فأخذ يقرأ ويتدبر حتى آمن.

ثانياً - الإعراض عن دين الله تعالى أي: لا يتعلمه ولا يعمل به، يقول الله تعالى: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون} (السجدة: 22). وفي الصحيح عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أن رسول الله[ قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، وفي قوله: {يتلونه حق تلاوته} أي يقرؤونه كما يجب من التدبر له والعمل به، فيتبعونه حق اتباعه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وقد شكت الرسل إلى ربها: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} (الفرقان: 30).

ثالثاً - يقول الله تعالى: {خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا} أي: واسمعوا ما تؤمرون به سماع طاعة وتفهم مع تدبر واستجابة للأمر، وليس مجرد السماع للقول فقط، فعاند من عاند من الأولين: {قالوا سمعنا وعصينا} فهل جواب بعض المتأخرين بلسان حالهم أنهم سمعوا فخالفوا؟! ويقول تعالى: {ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين} (النور: 34)، لتمييز الحق من الباطل لاتباعه، ويقول الله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} (محمد: 24)، دعوة صريحة إلى التدبر والتعقل، فقوله تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: 18)، يخالف وضع الأضرحة في المساجد، أو بالقرب منها ووضع القباب لتعظيمها ومنافستها لمساجد الله وجعلها أماكن مقدسة واللجوء إليها بالدعاء والقرابين مع قوله تعالى: {فلا تدعوا مع الله أحدا}، فإصرارهم على الضلال مع قوله تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} مع تبرير غير معقول: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (يونس: 18)، إنه لعجب؛ بل وإن تعجب فعجب عملهم، فإبليس أقسم بعزة الله: {قال فبعزتك لأغوينهم} (ص: 82)، والذين كفروا أقسموا بالله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت} (النحل: 38)، بينما يقسم بعضهم بغير الله (بالنبي، والحياة، والأمانة) وقد ورد النهي عن ذلك، فعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله[ يقول: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» وكذا فقد سمى الله بيوت عبادته بالمساجد: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر} (التوبة: 18)، فخالفوا ذلك وعددوا الأسماء من حسينيات، أو مزارات شريف - إلى - ضريح فلان، أو مشهد السيد، أو مقام السيدة، وقد سماهم الله بالمسلمين: {ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل} (الحج: 78)، فتسموا بأسماء شيوخ الطرق - فهذا تيجاني وهذا نقشبندي.. إلخ - أي تابع للطريقة تلك، وأتوا بما لم يأذن به الله فأين التدبر مع ذلك السلوك؟!

رابعاً: كتاب الله هو البيان، يقول الله تعالى: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم} (التوبة: 115)، فلو أخذنا بعض آيات الله للتأمل والتدبر والحفظ ما أمكن مثلا من سورة النمل ابتداء من قول الله تعالى: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون} (النمل: 59).. إلى قوله تعالى: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون} (النمل: 59 - 65)، فنكون من: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون} (البقرة: 121).

خامساً: هذا الإعراض وعدم التدبر لكتاب الله تعالى وسنة رسوله[، واعتقاد الاستغناء عنهما بتلك الطرق المبتدعة التي عمت كثيرا ممن في المعمورة من أعظم المآسي والمصائب، التي دهمت المسلمين من قرون عديدة، ولا ريب أن النتائج الوخيمة الناشئة عنه قد فصلتهم عن دينهم، وما أضافه الغزو الفكري عن طريق الثقافة وإدخال الشبه والشكوك في دين الإسلام، لم يكن لو كان المسلمون يتعلمون كتاب الله وسنة رسوله[ ويعملون بما فيهما ولكان ذلك حصنا منيعا لهم من تأثيره في عقائدهم ودينهم ودنياهم. والله أعلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك