رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: هيام الجاسم 13 يوليو، 2010 0 تعليق

هل يمكنك الثناء على نفسك؟!

 «لسان ثناء المرء على نفسه قصير»!!

 

بلا شك قال ربنا - عز وجل -: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} وبلا شك من جمّل نفسه بكثرة الحديث عنها فقد أذهب رونقها أمام غيره، وبلا شك الناس تمقت من يلمّع نفسه فإنه متهم بالغرور والكبر، وأيضا بلا شك أن الحيّ لا يأمن على نفسه الفتنة والانتكاس، حقيقة تلك مفاهيم غاية في الروعة والحكمة والرشد، من التزمها ذاق سلامة النفس وحلو الإخلاص لربه.

عزيزي القارئ، ليس في كل الأحوال نحن ملزمون بعدم امتداح أنفسنا، صحيح أن المرء مطلوب منه نكران ذاته والتخفّي وراء شرع الله في حال العبادات، وأيضا هو منهي عن أن يتصدر المجالس ليبرق نفسه فقد نهينا عن التبريق والتزليق كما يذكر ابن عقيل فيما يكتب يرحمه الله ، صحيح أن المرء منهي عن أن يتفاخر بما يملك ولكننا في المقابل نحتاج في مواقف كثيرة أن نظهر قدرتنا على الاعتزاز بديننا ونفتخر بقوة اعتدادنا به ونبدي أمام الآخرين قوة أعلى وأكبر نعبر بها عن تمكننا لتعاطينا مع واقعنا وفق ثباتنا على مبادئنا، وإلا لماذا قال ربنا - عز وجل -: {خذوا ما آتيناكم بقوة}؟! كيف يعرف الخصم قوتك إن لم تبدها له قولا وفعلا؟! ولماذا نبينا المصطفى[ يمدح المؤمن القوي أن له الخيرية على المؤمن الضعيف؟! نحن يلزمنا كمحافظين أن نظهر لمن يعجز عن فرملة حياته وفق شرع الله أن نظهر له قدرتنا على ترجمة وإنزال كل أحكام شرعنا على دنيانا، لا نماري ولا ننافق ولا نرائي، بل نريد قتل الثقافة السائدة في البلاد أننا عاجزون عن تطبيق كل جزئيات وتفاصيل ديننا لمستجدات واقعنا، فضلا عن أن شرائح من المجتمع يقتاتون على لحومنا ! يعيشون بيننا ويتصيدون لنا في الماء العكر وقد لا يكون عكرا وإنما هم يرونه عكرا فالعكر في قلوبهم ونفوسهم!! لابد أن نمدح أنفسنا دون تزكية لها في داخل قلوبنا ونتحدث مع الآخرين أن لنا انضباطا بشرعنا عمدا وقصدا بلسان حالنا ومقالنا، هذا أمر مطلوب فنحن مأمورون به أصلا، ولكن انتبه انتباها عظيما يدك اليمنى تقبض بها على سلامة ثباتك على دينك، ولا تنس في المقابل أن تحمل في يدك اليسرى تلطّفات كثيرة ومرونة بديعة! وابتسامات هي صدقات لغيرنا نصبها صبا دوما وأبدا مهما كان خصومنا الذين هم أمامنا! ومع اتساع صدورنا لترّهات عقول من يعكرون سمعتنا! في ذات الوقت ونفسه نبدي لهم أننا لسنا على استعداد للتنازل عن منهاج ربنا في كل مستجدات حياتنا.

عزيزي القارئ، قلبي يحدثك لا قلمي «خلّك قوي! خلّك قوي!» ليس كل مدح لأنفسنا هو بضاعة مذمومة في ديننا ، خاصة في زماننا هذا الذي كثرت وحامت شبهات به حولنا لا نرتضيها لأنفسنا ولا نقبل أن تعشعش في قلوب من يسمعها عنّا؛ لذا نحن نحتاج لأن نجمّل أنفسنا بما جمّلها لنا ربنا وأن نلمّعها بما ألصقناه بها من أحكام شرعتنا قولا وفعلا مترجما، أما أن نمتنع عن امتداح ذواتنا أمام غيرنا بحجة أننا مأمورون فقط بنشر مبادئ ديننا والصحة في منهجنا، ولا يتحدث الواحد منا عن كيانه، ونترك غوغاء الناس يطعنون والبسطاء يصدقون فلا أبدا، لذا كان لإمامنا الفطحل ابن القيم كلام ذهب وفقه عجيب أسطره لك عزيزي القارئ فإنه يستثني أحوالا يحق للمرء فيها أن يجمّل نفسه ويلمّعها ويزيّنها في أعين الآخرين كي يضمن هذه المرة سلامة عيشه وحماية نفسه من أن يغبنه غيره من الناس، أعجبني كثيرا وكثيرا جدا ما قرأته بالأمس في كتابه مفتاح دار السعادة في جزئه الأول يرحمه الله رحمة واسعة، يكتب وهو حاضر بين جنبينا، معايش لأحوال حياتنا، أنا شخصيا أعتبره رفيق دربي في إنارة نهجي، لا أقوى على السير في ملمّات حياتي دون أن أطلع على ما قنّنه لمفردات دنيانا كيف نحياها وفق ضوابط شرعنا دون اعتزال الناس ودون انفراط عقد الانضباط، طبعا هو يستوحي اعتداله في الإمساك بالعصا من الوسط  ترجمة من كتاب ربنا وهدي نبينا[، لذا سأوقفك معي عزيزي القارئ وقفات فيما نظّر لنا تنظيرا دقيقا ذاكرا الفروق اللطيفة بين فضل المال وفضل العلم الشرعي إذ يكتب قائلا «.."قوله: آه، إن هاهنا علما" - وأشار إلى صدره - يدل على جواز إخبار الرجل بما عنده من العلم والخير ليقتبس منه، ولينتفع به، ومنه قول يوسف الصديق عليه السلام: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم}، فمن أخبر عن نفسه بمثل ذلك ليكثّر به ما يحبه الله ورسوله من الخير فهو محمود، وهذا غير من أخبر بذلك ليتكثّر به عند الناس ويتعظّم، وهذا يجازيه الله بمقت الناس له، وصغره في عيونهم، والأول يكبره في قلوبهم وعيونهم، وإنما الأعمال بالنيات».

عزيزي القارئ، كلامه ذهب في ذهب ولا أغلى من سبائك الذهب، من فضلك أكمل معي القراءة مستمتعا بحلو كلامه إذ يكتب مقننا لك ولي متى يمكننا أن نمدح أنفسنا أمام الآخرين؟ إذ يقول: «وكذلك إذا أثنى الرجل على نفسه ليخلص بذلك من مظلمة وشر، أو ليستوفي بذلك حقا له يحتاج فيه إلى التعريف بحاله، أو ليقطع عنه أطماع السفلة فيه، أو عند خطبته إلى من لا يعرف حاله، والأحسن في هذا أن يوكل من يعرّف به وبحاله؛ فإن لسان المرء على نفسه قصير، وهو في الغالب مذموم؛ لما يقترن به من الفخر والتعاظم» انتهى النقل لكلام العالم ابن القيم وما انتهت فوائده ولا قول لي بعد قوله!!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك