رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود عبد الحفيظ البرتاوي 1 أبريل، 2024 0 تعليق

هل سيشفع لك الصيام والقرآن؟

  • إن القرآن يشفع لمن قرأه وعمل به وأحلَّ حلاله وحرَّم حرامه واستقام على أحكامه وشرائعه
  • إنما يشفع الصيام لمَن أتقنه وصانه عن اللغو والرفث فليس الصيام أن يصوم العبد عن الحلال الطيب ثم هو يقارف المحرمات
  • الصبر وصلة الرحم والرضا، فلنصبر على قضاء الله وقدره برضا وحب، وليكن صلاحنا يبدأ من أهلنا وأرحامنا من حولنا.
 

إن الله -تعالى- مِن رحمته، أعان عباده على طاعته ومرضاته في رمضان أعظم إعانة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ».

        ففتح الله لعباده أبواب الجنة والرحمة ليدخلوا إليه مِن أوسع الأبواب، وأغلق أبواب النيران حتى لا ينزعجوا، وصفَّد لهم الشياطين حتى لا تشوش عليهم، ثم مع ذلك يعتقهم مِن النار بقليلٍ مِن الجهد والعمل في هذه الأيام المعدودات، التي لله -تعالى- في كل يوم وليلة منها عتقاء من النار.

الصيام والقرآن يشفعان

       وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، فقال: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ»، وهي شفاعة حقيقية، فيجسد الله -تعالى- بقدرته ثوابهما، ويخلق الله فيهما النطق، فيقول الصيام: «أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ»؛ لأن الصائم يمتنع عن الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، قربة وعبادة لله -تعالى-، (فَشَفِّعْنِي فِيهِ) أي: اقبل شفاعتي ووساطتي فيه. ويقول القرآن: (مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ)، لأن قائم الليل يمنع نفسه من النوم، إقبالًا على الله، ووقوفًا بين يديه بصلاته بالليل وطول قيامه. وقد قُرن بين الصيام والقيام في هذا الحديث، لأن الصيام غالبًا يلازمه القيام فيه، ولا سيما في شهر رمضان. (فَيُشَفَّعَانِ) أي: يقبل الله شفاعتهما للعبد، وهذا دليل على عظمتهما ومنزلتهما ومكانتهما.

لمن تكون الشفاعة؟

ولكن هل كل مَن صام وقرأ القرآن يشفع فيه الصيام والقرآن؟ إن كثيرًا من الناس يغفلون عن حقيقة الصوم الذي شرعه الله -تعالى-، فيقفون عند حدِّ الإمساك والامتناع عن الطعام والشراب، ولا يحققون الإمساك عن الشهوات، فكم مِن صائم عن الطعام والشراب ولا يصوم عن شهوة الكلام مِن قول الزور والعمل به، والتكلم بالكذب والغِيبة والنميمة، ولا يصوم عن شهوة النظر إلى المحرمات والعورات، والمتبرجات من النساء، ولا يصوم عن شهوة السماع، بل يصغي إلى سماع الكذب والغيبة، والزور، والمعازف، والتلذذ بأصوات النساء الأجنبيات، ولا يصوم عن شهوة المال الحرام فيتعامل بالغش والخيانة والخديعة في البيع والشراء وأخذ الرشوة، ولا يصوم عن شهوة التسلط على الناس وإيذائهم بالقول أو العمل، إلخ.

الصيام يشفع لمَن أتقنه وصانه

فهل يشفع الصيام لهذا الذي ينتهك حرمة الصيام بارتكاب المحرمات والموبقات؟! إنما يشفع الصيام لمَن أتقنه وصانه عن اللغو والرفث، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ» (رواه الحاكم، وصححه الألباني)، وقال: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» (رواه البخاري)، وقال: «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ» (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني). فليس الصيام أن يصوم العبد عن الحلال الطيب، ثم هو يقارف المحرمات الأصلية في شرع الله -تعالى-، بل لا بد مِن صوم القلب والجوارح عن المحرمات. قال جابر بن عبد الله: «إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً». وصدق القائل: «كم مِن صائم مفطر، وكم مِن مفطر صائم!»، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ» (رواه مسلم).

القرآن يشفع لمن قرأه وعمل به

فهل يشفع القرآن لمن يقرأ القرآن أو يصلي القيام وهو مع ذلك يعكف على مشاهدة البرامج والمسلسلات مع ما فيها من فجور وفساد؟ إن القرآن يشفع لمن قرأه، وعمل به، وأحلَّ حلاله، وحرَّم حرامه، واستقام على أحكامه وشرائعه، فهو إما حجة للعبد إن جعله أمامه إمامًا له وقائدًا، أو حجة عليه إن قرأه وجعله وراءه ظهريًّا. فعلى الصائم أن يكون منتبهًا لصومه، وأن يصونه عما يشوبه، وأن يقرأ القرآن منقادًا له متبعًا لما فيه، وأن يعظم حرمة الصيام والزمان، مِن ليل رمضان ونهاره، ليكون فيه من الرابحين المفلحين، الفائزين بشفاعة الصيام والقرآن بين يدي المَلِك الديان.

لا تَجْعلنْ رمضان شهر فُكاهةٍ

                                     تلهيك فيه مِن القـبيــح فنونـه

واعـلم بـأنـك لا تـنـال قـبــوله

                               حتى تكون تصومه وتـصـونه

   

عبادات خفية في رمضان

 
  • من العبادات الخفية في شهر رمضان التيسير على الناس في الأعمال وفي قضاء المصالح، وسط عناء الصوم وشدته وطول النهار وعطشه، وجهد الأعمال، فيسروا على الناس في أعمالهم الدنيوية، فإذا كنت صاحب منصب أو في وظيفة يغدو ويروح عليك جماهير المسلمين، فسهل ويسر واقضِ وأنجز، ولك نية في هذا الأمر بحثًا عن الأجر في رمضان.
  • التفقد: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ويحبه ويقابله ويتابعه، ويتفقده إذا غاب ويسأل عنه وعن أحواله، ويقف معه في حزنه قبل فرحه، وشدته قبل رخائه؛ فليكن نصيبه في رمضان في التفقد أعلى، والسؤال عنه والاطمئنان عنه أكثر؛ فالدنيا إنما تحلو بصحبة الأبرار.
  • لين الجانب: كن وأنت صائم لينًا هينًا بسَّامًا، ضحاكًا بشوشًا في وجوه الخلق، فذلك صدقة منك عليهم، وتجمل بصفات النبوة وخلق النبلاء والعلماء، فاللين يخترق القلوب ويستقر فيها، وينبت ثمرة يُرى آثارها في الدنيا قبل الآخرة؛ فعش سهلًا سمحًا وتقبَّل الآخرين والتمس الأعذار، وتمنَّ الخير لكل الخلق، تكن عبدًا لله صالحًا بأمره -سبحانه وتعالى-، مأجورًا في رمضان.
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: خيرية هذه الأمة وسبيلها الرباني وطريقها التي زينها الله به لهداية الخلق وتعبيد الناس لرب الناس، فاركب في زمرة أهل العلم وتعلق بحبال أهل الدعوة، وعلِّم وتعلم، واعمل وانشر بحكمة وحلم وعلم، وابحث لك عن دور في رمضان وسط أعمالك وبيتك وأهلك وعشيرتك (زكاة العلم).
  • الخشوع في الصلاة: مقاس أجرها ومحدد ثوابها بأمر الله -تعالى.
  • التغافل عن زلات الآخرين، والانشغال بإصلاح النفس.
  • الصبر وصلة الرحم والرضا، فلنصبر على قضاء الله وقدره برضا وحب، وليكن صلاحنا يبدأ من أهلنا وأرحامنا من حولنا.
  • الكلمة الطيبة صدقة.
  • الاهتمام بشؤون المسلمين والدعاء لهم، والفرح بفرحهم، والحزن لحزنهم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك