رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 12 ديسمبر، 2023 0 تعليق

نُصْرَة المظلومين

  • حِلْف الفضول معاهدة وُقِّعت في مكة المكرمة قبل البعثة النبوية بين عشائر مِنْ قريش، وقد شهِده النبي صلى الله عليه وسلم لِمَا اشتمل عليه مِنْ خير وعدل ونُصرة للمظلومين
  • حلف الفضول كان تجمُّعًا وميثاقًا إنسانيًّا تنادَت فيه المشاعر الإنسانية وإضاءة العقول لنُصرة الإنسان المظلوم والدفاع عن الحق المضيع
  • السيرة النبوية بما فيها مِن مواقف وأحداث دالة دلالة واضحة على حرص نبينا صلى الله عليه وسلم على نُصرة المظلومين والمُسْتَضْعَفين
  • من فضائل الصحابة الكرام سرعة الاستجابة لنصيحة النبي صلى الله عليه وسلم كما فعل أبو مسعود البدري
  • مِنْ شمائل نبينا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم أنه كان ينتصر للمظْلومين والمُسْتَضْعَفِين
  • شارك النبي صلى الله عليه وسلم قومه في حلف الفضول لأنه كان حقا وعدلا ونصرة للمظلومين
  • قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا مسعود ألم تعلم أن الله أقْدَر عليك مِنْ قدرتك على هذا الغلام؟ يعني تذكر قدرة الله -عز وجل- فإنه أقدر عليك من قدرتك على هذا الغلام

مِنْ شمائل نبينا مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - أنه كان ينتصر للمظْلومين والمُسْتَضْعَفِين، وقد قالت له زوجته خديجة -رضي الله عنها لما خاف على نفسه في بداية نزول الوحي عليه-: «كلا، والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لَتَصِلُ الرحِم، وتحمل الكَل، وتكَسب المعدوم، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق» رواه البخاري. قال الكرماني: «لَتَصل الرحم» معناه وتحسن إلى قراباتك، وصلة الرحِم الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول إليه، فتارة تكون بالمال، وتارة تكون بالخدمة، وتارة تكون بالزيارة والسلام وغير ذلك. و(الكَل) بفتح الكاف وتشديد اللام الثِقل وهو مِنَ الكلال الذي هو الإعياء، أي يرفع الثقل، أي يعين الضعيف المُنْقَطَع به».

والسيرة النبوية -بما فيها مِن مواقف وأحداث دالة دلالة واضحة على حرص نبينا - صلى الله عليه وسلم - وحثه على نُصرة المظلومين والمُسْتَضْعَفين.. والمواقف والأحاديث النبوية في ذلك كثيرة، ومنها:

 حِلْف الفُضول

        حِلْف الفضول معاهدة وُقِّعت في مكة المكرمة قبل البعثة النبوية، بين عشائر مِنْ قريش، وقد شهِده النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لِمَا اشتمل عليه مِنْ خير وعدل ونُصرة للمظلومين.. وهذا الحِلف كان تجمعا وميثاقا تنادت فيه المشاعر الإنسانية لنصرة المظلوم، والدفاع عن الحق، ويُعْد مِنْ مفاخر العرب قبل الإسلام، كان حلف الفضول في شهر ذي القعدة لخمس عشرة سنة مِنْ عمره -[-، وسببه أن رجلا مِنْ زُبيد (بلد باليمن) قدِم مكة ببضاعة، فاشتراها منه العاص بن وائل، ومنعه حقه؛ فاستعدى عليه الزبيدي أشرافَ قريش، فلم يعينوه لمكانة العاص فيهم، فوقف عند الكعبة واستغاث بآل فهر وأهل المروءة، فقام الزبير بن عبد المطلب فقال: ما لهذا مَترك؛ فاجتمعت بنو هاشم، وزهرة، وبنو تَيْم بن مُرة في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعامًا، وتحالفوا في شهر حرام، وهو ذو القعدة، فتعاقدوا وتحالفوا بالله ليكونُنّ يدًا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يُرَدَّ إليه حقه.. وفي رواية ابن هشام في (السيرة النبوية): «فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكَّة مَظْلومًا مِنْ أهلها وغيرهم ممَّن دخلها مِن سائر النَّاس إلا قاموا معه، وكانوا على مَنْ ظَلَمه حتى تُرَدَّ عليه مَظْلمته، فسمَّت قريشٌ ذلك الحِلْف: حِلْف الفُضُول».

مشاركة النبي - صلى الله عليه وسلم 

        وقد شارك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحِلف، فإنه صلوات الله وسلامه عليه من قبل بعثته، كان يشارك قومه حيثما رأى في هذه المشاركة حقا وعدلا، ونصرة للمظلوم، رافضا - مِن جهة أخرى - كل تصوراتهم الخطأ، ومعتقداتهم الشركية، وأخلاقياتهم الفاسدة، وإنّ بريق الرضا والفرح بهذا الحِلف ظهر في ثنايا الكلمات التي عبّر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه بقوله فيما رواه أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لقد شَهِدتُ مع عمومَتي حِلفًا في دار عبد الله بن جُدعانَ ما أُحبُّ أن لي بهِ حُمْرَ النَّعَم، ولَو دُعيتُ به في الإسلام لأجَبتُ». وفي رواية: «شَهِدْتُ حِلفَ المطيَّبينَ معَ عُمومتي وأَنا غلامٌ، فما أحبُّ أنَّ لي حُمرَ النَّعَمِ، وأنِّي أنكثُه». والمراد بالمطيبين: حلف الفضول، الذي كان في دار عبد الله بن جُدْعان، وحضره النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمره خمس عشرة سنة.

تجمُّعًا وميثاقًا إنسانيًّا

         إن حلف الفضول كان تجمُّعًا وميثاقًا إنسانيًّا تنادَت فيه المشاعر الإنسانية، وإضاءة العقول، لنُصرة الإنسان المظلوم، والدفاع عن الحق المضيع، لم تُحدثه سلطات ولا قوى دولية، بل أنشأته قوى اجتماعية بدوافع إنسانية، وإحساس وجداني عميق بضرورة نصرة المُستضعَفين والمظلومين، فهذه الوثيقة التاريخية تكشف لنا عن أبرز مبادئ الإسلام الإنسانية على المستوى الدولي، وهي نصرة المظلوم، والدفاع عن الحق، بغضِّ النظر عن دين المظلوم ومذهبه وعشيرته وقوميته ووطنه.

تنظيم الإسلام للعلاقات الإنسانية

         ويُعطينا هذا الحلفُ والميثاق أصلاً قانونيًّا، ودليلاً على تنظيم الإسلام للعلاقات الإنسانية على المستوى الدولي، والحث على الاشتراك في المنظمات الدولية الإنسانية التي تعمل على إغاثة المظلومين ونصرتهم، والدفاع عن حقوقهم، ومقاومة الظلم والطغيان في أي بقعة من بقاع العالم.

كيف يُقدس الله أُمَّة لا يؤخذ لضعيفهم مِنْ شديدهم

        وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «لما رجع مهاجرو البحر (الحبشة» إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟! قال فتية منهم: بلى يا رسول الله، بينما نحن جلوس؛ إذ مرت عجوز مِن عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قُلَّةً مِنْ ماء، فقام إليها فتىً مِنْ فِتْيانهم فوضع إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت (وقعت) على ركبتيها، فانكسرت قلتُها، فلما ارتفعت، التفتت إليه فقالت: سوف تعلم، يا غُدر (يا غادر، يا ظالم)، إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف يكون أمري وأمرك عنده غداً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صدقت.. صدقت، كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم مِن شديدهم؟!» رواه ابن ماجه. قال السِّندي: «(يقدِّس الله) أي: يُطَهِّرهم من الدَّنس والآثام»، وقال المناوي: «(كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟!): استخبار فيه إنكار وتعجُّب، أي: أخبروني كيف يُطهِّر الله قومًا لا ينصرون العاجز الضَّعيف على الظَّالم القويِّ، مع تمكُّنهم من ذلك؟! أي: لا يطهِّرهم الله أبدًا، فما أعجب حالكم إن ظننتم أنَّكم مع تماديكم في ذلك يُطهِّركم!».

أبو مسعود البدري

        عن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: «كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي، فَسَمِعْتُ مِن خَلْفِي صَوْتًا: اعْلَمْ، أَبَا مَسْعود، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْك مِنْكَ عليه، فَالْتَفَتُّ فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلتُ: يا رسول الله، هو حُرٌّ لِوَجْهِ الله، فقال: أَما لو لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّار» رواه مسلم. قال الهروي: «(أمَا): بالتخفيف للتنبيه (لو لم تفعل): أي لو ما فعلتَ ما فعلتَ مِنَ الإعتاق (للفحتك النار): أي أحرقتك (لمستك النار): أي أصابتك إن ضربته ظلما ولم يعف عنك. قال النووي: فيه الحث على الرفق بالمماليك وحُسْن صحبتهم، وأجمع المسلمون على أن عتقه هذا ليس واجبا، وإنما هو مندوب وجاء كفارة ذنبه فيه، وإزالة إثم ظلمه عنه». وقال الشيخ ابن عثيمين: «حديث أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - أنه كان يضرب غلاما له، فسمع صوتا من الخلف يقول: (اعلم أبا مسعود) ولم يفقه ما يقول من شدة الغضب، فإذا الذي يتكلم هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا أبا مسعود، ألم تعلم أن الله أقْدَر عليك مِنْ قدرتك على هذا الغلام؟ يعني تذكر قدرة الله -عز وجل-؛ فإنه أقدر عليك من قدرتك على هذا الغلام.. فلما رأى أنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكَّره بهذه الموعظة العظيمة، أن الله أقدر عليه من قدرته على هذا العبد، سقطت العصا مِنْ يده هيبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أعتقه، أعتق العبد، وهذا مِنْ حُسْن فهمه - رضي الله عنه ».

نُصرة المسلم لأخيه حق واجب

  نُصرة المسلم لأخيه إذا ظُلِم، حق واجب وليس مِن قبيل النوافل. قال ابن تيمية: «نصر آحاد المسلمين واجب بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» وبقوله: «المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه». وقال الشوكاني: «يجب نصر المظلوم، ودفع مَنْ أراد إذلاله بوجه من الوجوه، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً، وهو مندرج تحت أدلة النهي عن المنكر».. وهذه النُصْرَة للمظلوم يُشْتَرط لوجوبها ما يُشْتَرط لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مِنَ القدرة والاستطاعة، وأمْن الضرر، قال النَّووي: «وأمَّا نَصْر المظْلوم، فمِن فروض الكِفاية، وهو من جُمْلة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وإنَّما يتوجَّه الأمر به لمن قَدِر عليه، ولم يخَفْ ضررًا»، وقال ابن حجر: «هو فرض كِفَاية، وهو عامٌّ في المظْلومين، وكذلك في النَّاصرين، بناء على أنَّ فرض الكِفَاية مُخَاطب به الجميع، وهو الرَّاجح، ويتعيَّن أحيانًا - على مَنْ له القُدْرة عليه وحده، إذا لم يترتَّب على إنكاره مَفْسدةٌ أشدُّ من مفسدة المنكَر، فلو علم أو غَلَب على ظنِّه أنَّه لا يفيد، سَقَط الوجوب». وقال ابن بطَّال: «وأمَّا نَصْر المظْلوم، ففرضٌ على مَنْ يقدر عليه، ويُطَاع أمره»، وقال: «نَصْر المظْلوم فرض واجب على المؤمنين على الكِفَاية، فمن قام به، سقط عن الباقين»..

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك