رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: راشد سعد العليمي 31 يوليو، 2010 0 تعليق

نظــــرة حـــــول الكــــــفالـــــة

 

 

اهتم ديننا بالعمال، وحرص على رعاية حقوقهم، فجاءت النصوص الشرعية لتؤكد هذا، ومن ذلك قول النبي [: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» رواه ابن ماجة.

وجاء التشديد على وجوب رعايتهم والاهتمام بهم وعدم الظلم، ومن ذلك ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام: «قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره» رواه البخاري.

ولربما يحل بالأمة البلاء وسخط الله في حال تفشي الظلم بين الناس وخصوصا على الضعفاء، ومنهم العمال؛ فعن أبي سعيد] قال: قال رسول الله[: «لا قُدست أمة لا يعطى الضعيف فيها حقه غير متعتع». رواه أبويعلى ورواته رواة الصحيح.

وقصة هذا القول أنه جاء أعرابي إلى النبي[ يتقاضاه دينا كان عليه، فاشتد عليه حتى قال: أحرّج عليك إلا قضيتني؛ فانتهره أصحابه، فقالوا: ويحك تدري من تكلم؟ فقال: إني أطلب حقي. فقال النبي[: «هلا مع صاحب الحق كنتم؟» ثم أرسل إلى خولة بنت قيس، فقال لها: إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمر فنقضيك. فقالت: نعم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله. فاقترضه فقضى الأعرابي وأطعمه، فقال: أوفيت أوفى الله لك. فقال عليه الصلاة والسلام: «أولئك خيار الناس، إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع» رواه البزار من حديث عائشة مختصرا.

 

حق العامل في وجوب

الحصول على حقوقه:

يجب على صاحب العمل أن يوفي العامل حقوقه التي اشترطها عليه، وألا يحاول انتقاص شيء منها، فذلك ظلم عاقبته وخيمة؛ ولذلك يجب على صاحب العمل ألا ينتهز فرصة حاجة صاحب العمل الشديدة إلى العمل فيبخسه حقه، ويغبنه في تقدير أجره الذي يستحقه نظير عمله؛ فالإسلام يحرم الغبن ويقرر: «لا ضرر ولا ضرار»، ولا نغفل أن ديننا أمر بالوفاء بما تم عليه التعاقد بين الأجير والمستأجر، قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} (المائدة: 1).

ويجب على صاحب العمل حفظ حق العامل كاملا إذا غاب أو نسيه، وعليه ألا يؤخر إعطاءه حقه بعد انتهاء عمله، أو بعد حلول أجله المضروب.

ويجب على صاحب العمل ألا يضن على العامل بزيادة في الأجر إن أدى عملا زائدا على المقرر المتفق عليه؛ فإن الله يأمرنا بتقدير كل مجهود ومكافأة كل عمل.

ويجب على صاحب العمل عدم إرهاق العامل إرهاقا يضر بصحته ويجعله عاجزا عن العمل، ولقد قال العبد الصالح لموسى عليه السلام حين أراد أن يعمل له في ماله: {... وما أريد أن أشق عليك} (القصص: 27)، فإذا كلفه صاحب العمل بعمل يؤدي إلى إرهاقه ويعود أثره على صحته ومستقبله، فله حق فسخ العقد، أو رفع الأمر إلى المسؤولين ليرفعوا عنه حيف صاحب العمل.

ومن أعظم الحقوق التي ينبغي توفيرها للعامل: إعانته في أداء ما افترضه الله عليه، فيجب على صاحب العمل أن ييسر للعامل أداء ما افترضه الله عليه من طاعة كالصلاة والصيام، فالعامل المطيع لربه أقرب الناس إلى الخير وسيؤدي عمله بإخلاص ومراقبة وأداء للأمانة، وصيانة لما عهد إليه به.

والحذر أن يكون صاحب العمل في موقف من يصد عن سبيل الله ويعطل شعائر الدين: {الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال مبين} (إبراهيم: 3).

 

حق العامل في الشكوى والتقاضي:

لم تقتصر الأحكام الإسلامية الخاصة بعلاقات العمل على تنظيم القواعد الموضوعية المتصلة بحقوق العمال فحسب، وإنما تناولت هذه الأحكام أيضا القواعد الإجرائية التي تنظم حق العامل في الشكوى وحق التقاضي، فالإسلام لم يترك أطراف العقد فرطا، بل يسر لهم سبيل اقتضاء حقوقهم إن رضاءً أو اقتضاءً، كما حرص أشد الحرص على المحافظة على حقوقهم، واتخذ لذلك جميع الوسائل التي تحفظ هذه الحقوق وتصونها جميعا، وقد جاءت الآيات والأحاديث داعية إلى العدل، ومحذرة من الظلم ومحرمة له، والله سبحانه وتعالى لا يظلم؛ الناس شيئا بل لا يريد الظلم؛ يقول تعالى: {وما الله يريد ظلما للعباد} (غافر: 31). وفي الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما؛ فلا تظالموا».

وما هلكت الأمم السابقة إلا بظلمها وبغيها؛ قال تعالى: {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا} (يونس: 13)، ويقول تعالى: {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا} (النمل: 52).

وفي الحديث: «اتقوا المظلوم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة»، وفي حديث آخر: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته».

ولنتذكر أن من أسباب حفظ الله لأنفسنا وبلادنا، وعونه لنا في النصرة على من ظلمنا: عدلنا مع الضعفاء، فعن أبي الدرداء] عن النبي [ قال: «ابغوني في ضعفائكم؛ فإنما ترزقون - أو تنصرون - بضعفائكم». روه أبوداود، وهذا ما ينبغي أن نحققه بما يحبه الله ووفق الشرع في قضية مهمة في تعاملاتنا الفقهية وهي: «الكفالة».

 

ما الكفالة؟

حتى نتبين صورة المسألة في قضية الكفالة بوضوح، فواجب علينا أن نلتفت إلى العلم بها في أبواب الفقه.

فالكفالة: ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق الواجب حالا أو مستقبلا، أو بمعنى موجز: ضم ذمة إلى ذمة، فهذا العامل داخل البلد أصبحت ذمته ضمن ذمة الكفيل؛ فهو المسؤول عنه وعليه الضمان تجاهه. وبدراسة الأنظمة والتعليمات الواردة في كفالة الاستقدام يتضح أنها من قبيل كفالة النفس، وهي جائزة في الفقه الإسلامي.

 

أشكال الكفالة:

يتفرع عن القول بكفالة الاستقدام وصحتها ما يأتي من الأمثلة الواقعية:

1- أنه قد يتفق الكفيل مع العامل على أن يعمل عنده بسعر أقل من السعر السائد، وهذا جائز؛ لأنه اتفاق عن رضا منهما.

2- أنه قد يتفق الكفيل مع العامل على أن يقوم بالأعمال الإدارية وتأمين ما يحتاج إليه من العمل، من أدوات وأخشاب وغيرهما، وأن يقوم العامل بالعمل ببدنه، ويتفقا على نسبة معينة من الدخل للكفيل، وهذا جائز؛ لأنه من باب المشاركة، والأصل في العقود الإباحة والجواز، وذلك إن لم تخالف نظاما قد وضع لمصلحة البلد الذي يعملان فيه.

3- أنه قد يتفق الكفيل مع العامل على أن يترك الكفيل العامل يعمل كيف يشاء، وعند من يشاء، ويأخذ الكفيل مقابل ذلك مبلغا من المال، أو نسبة من دخل العامل، وهذا لا يجوز؛ لأنه يقلل عامل المشاركة بين الكفيل والعامل؛ فيكون أخذا للمال دون استحقاق. وهذا بناء على ما رآه مجلس هيئة كبار العلماء في السعودية، في دورته الرابعة عشرة المنعقدة في شهر شوال (1399هـ) بمدينة الطائف، وتم منع هذا؛ لأنه أكل للمال بالباطل؛ ولأنه مخالف لأنظمة الدولة التي وضعت لرعاية المصلحة العامة.

وعلينا ألا يغيب عن أذهاننا قضية مهمة في موضوع الكفالة، وهي أنها من عقود التبرعات، فلا يبيعها ولا يتصرف بها صاحبها؛ لأنها من التبرع، ودليله ما فعله سلمة بن الأكوع] عنه قال: كنا جلوسا عند النبي[ إذ أُتي بجنازة فقالوا: صل عليها؟ قال: «هل ترك شيئا؟» قالوا لا. قال: «فهل عليه دين؟» قالوا: ثلاثة دنانير. قال: صلوا على صاحبكم. قال أبوقتادة: صل عليه يا رسول الله وعلي دينه. فصلى عليه. رواه البخاري

فهذا تحمل من أبي قتادة] لما على الميت من ديون، ابتغاء وجه الله تعالى، وهذا الأمر هو دليل على الكفالة.

فالكفيل عليه أن يبتغي وجه الله في مقابل خسارته لمن تحمل كفالته؛ لأن الأصل في الكفالة ليس الربح، وإنما التيسير على المحتاج؛ فعن أبي أمامة الباهلي ] قال: سمعت رسول الله[ يقول: «الزعيم غارم، والدين مقضي» رواه ابن ماجة.

والزعيم هو الكفيل، ومعناه أنه خاسر من ماله في مقابل التيسير ورفع الحرج عن أخيه.

لكن لو أخذ الكفيل مقابلا لما تحمل من أتعاب نظير استقدامه العامل، فهذا مما لا بأس فيه، لكن لا يزيد على ما دفعه وبذله، أو مثل ذلك العامل الذي أراد نقل الكفالة إلى كفيل آخر فطلب كفيله مبلغا من المال نظير هذا الانتقال، فهذا أمر محرم وأكل للمال بالباطل.

ولهذا فالقضية ليست بيعا وشراء في الذمم أو الناس، وهذا ما انتقدته بعض المنظمات الخارجية على سياسة الكويت تجاه العمالة الخارجية من وجود ظلم عليهم، ونحن لسنا بحاجة إلى تنبيه من المنظمات الأجنبية؛ إذ لدينا ديننا وشرعنا المبارك الذي كفل الحقوق لكل فرد في المجتمع، فمن لم تنفعه نصائح القرآن أو هدي النبي [، فسنذكره بقوله تعالى: {أم على قلوب أقفالها}، ومثله لن يفيق من سكرة المال إلا بهيبة وعصا القانون.

 

من أمثلة الظلم على العمال:

ومن صور الظلم الواقع على العامل أمور عدة:

1- التأخير في تسليم الراتب، وهذا ملاحظ أمره وينشر خبره في الجرائد، من تجمع أصحاب الحقوق عند السفارات أو عند إحدى الوزارات للمطالبة بحقهم من المال الذي يتأخر لأشهر عديدة، حيث يستفيد صاحب الكفالة من رواتبهم في أمره ويؤخرها عن أصحابها أشهرا عديدة، والأمر متحقق حتى عند بعض الأفراد، حيث سمعت بأذني عن ذاك الشاب الذي عنده خادمة ولا يعطيها راتبها إلا في ختام السنة، أو قبيل سفرها، ويخصم تذكرة السفر من راتبها، ويظن أن هذه الطريقة فيها حفظ لحقه في تواجد الخادمة عنده، لكنه يغفل عن حفظ حق الخادمة عنده.

2- تحميل العامل ما لا ذنب له فيه، فلا أغفل عن مثال ذاك العامل الذي يشتغل في محل بيع الدجاج الحي، وكانت الشركة تحضر له أعدادا تفوق طاقة التخزين في المحل، وغالب الدجاج يكاد يكون قد شارف الموت، فتلزمه الشركة بالبيع، والذي ينفق (يموت) من الدجاج فإن ثمن الدجاجة النافقة يكون من راتب هذا العامل، فهل هذا يعقل على عامل استدان في بلده ليحضر الكويت؟! ولما حضر على كفالة الشركة تلزمه الشركة بهذه النوعية من التعامل الجائر، فأي معيشة سيحققها؟!

3- ظلم العمال بأخذ ما لا يجوز من المال، وهذا متحقق في قضية الكفالة؛ حيث نجد أن هناك فئة في المجتمع قادهم الجشع وحب المال إلى استغلال قضية الكفالة بصورة سيئة؛ حيث إنهم يحضرون العمال، إما بمكاتب وهمية وتحت مسميات كثيرة من أنواع التجارة، أو يحضر العدد المسموح له من العمالة ثم يطلقهم داخل البلد ليفتشوا عن أرزاقهم، ثم يطلب منهم شهريا أجرة نظير كفالته الصورية أمام الحكومة.

ومن الأمور السيئة الناتجة عن هذا الصنيع أن نجد العامل لا يجد الرعاية من كفيله ولا المال لأكله أو طعامه خلال الأشهر الأولى، أو حتى لسنة كاملة؛ فيلجأ إلى طرق غير مشروعة في البلد، إما إلى التسول، أو السرقة، أو إلى غير ذلك من الأعمال المخالفة للشرع والقانون، وليس الأمر مقتصرا في البحث على فئة معدودة محدودة، لكن تجاوز الأمر إلى أعداد بلغت الآلاف من العمالة المتشردة في الشوارع، والمتسببة في الكثير من المشكلات والقلاقل داخل البلد، والجرم يرجع ابتداء إلى أولئك الذين سعوا إلى جني المال بأي وسيلة وسبيل ولو كان فيه مخالفة للشرع، ثم لقانون ولي الأمر، لكن داء الطمع يقود إلى كل قبيح.

 

عدم سؤال أهل العلم

وحين نتكلم عمن ظلم العامل بكفالة جائرة، لا نتكلم عن إنسان غير مسلم، ولكن حديثنا عن إنسان مصل وصائم ولربما في كل سنة يتوجه إلى الحج، ومنهم من أطلق لحيته، وله سمة أهل التدين، لكنه في باب التعامل بالمال نجده لا يهتم بأي طريق يأتيه منه المال، وهذا الفاعل لم يتق الله في تحريه للمال: هل من الحرام أم من الحلال؟ لكن الجشع والتعلق بالدنيا جعلاه يتشبث بأي وسيلة تدر عليه المال، ولو سأل مَن يثق بعلمه، أو بدينه مثلما يسأل عن الصلاة والصيام، أو أرسل لهيئة الفتوى في وزارة الأوقاف قبل أن يقدم على مثل هذا العمل لوجد عندهم الجواب الكافي والبلسم الشافي لمثل هذه التعاملات.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك