رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 17 يناير، 2024 0 تعليق

من القواعد الفقهية الكبرى – اليقين لا يزول بالشك

 

  • الأصل في دم المسلم الحرمة وهذا يقين ولا يجوز أن يستباح دم المسلم بأمر مشكوك فيه وإنما بيقين من حال يحل به دمه
  • الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما ورد النص بتحريمه فالأصل في الطعام والشراب واللباس والمركب والمسكن والزينة والتجارة والبيوع الإباحة إلا ما فصل فيه
  • من اليقين المقطوع به تحقق وعد الله عز وجل في نصرة دينه وأوليائه وأن المستقبل للإسلام فلا يجوز الشك في هذا الوعد اليقيني بتأخر نصر الله لعدم توفر شروطه
 

من القواعد الكبرى التي ينطلق منها كثير من الأحكام في العبادات والمعاملات، أنَّ (اليقين لا يزول بالشك)، وقد قال بعض أهل العلم: إن المسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه أو تزيد، والدليل المشهور لهذه القاعدة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا، فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا»، قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: «وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام، وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها»، أي أن الأمر المتيقن ثبوته لا يرتفع إلى بدليل صحيح صريح، ولا يحكم بزواله لمجرد الشك، كذلك الأمر الذي تيقنا عدم ثبوته، لا يحكم بثبوته بمجرد الشك؛ لأن الشك أضعف من اليقين؛ فلا يعارضه ثبوتا وعدمًا.

القواعد المتفرعة عن هذه القاعدة الكبرى

  • الأصل بقاء ما كان على ما كان.
  • الأصل براءة الذمة.
  • ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين.
  • الأصل في الأشياء الإباحة عند الجمهور.
  • لا ينسب إلى ساكت قول.
  • الأصل في الأشياء الطهارة.

بعض التطبيقات الدعوية لهذه القاعدة

  • أولا: على المفتي ألا يفتي في مسألة إلا بعد التثبت واليقين من أدلتها وكذلك طالب العلم.
  • ثانيا: الأصل في المسلم الصلاح والتقوى العدالة؛ وهذا يقين، والفسق طارئ عليه، فلا يجوز أن ينتقل من اليقين إلا بيقين مثله، وألا يقدح في عدالته ببعض الأخطاء والمعاصي، أو بظنون ومعاص قلبية، ونقيض هذا لزوم منهج التثبت، والحذر من الشائعات، والانسياق وراء الظنون والشكوك له آثار سيئة على الدعوة والدعاة، ومنها: أنها توهن الصف المسلم بنشر الإشاعات، ولا سيما إذا كانت موجهة لرموز الدعوة والإصلاح، وكلها ظنون وشكوك لا يقين فيها.
  • ثالثا: الأصل براءة الذمة؛ فلا يجوز للدعاة تعميم الأحكام على المؤسسات بمجرد خطأ فرد أو أكثر من أفراد المؤسسة، وكذلك لا يجوز الحكم على جميع أفراد المؤسسة بمجرد خطأ من أخطاء المؤسسة.

المستقبل للإسلام

  • رابعا: من اليقين المقطوع به تحقق وعد الله -عز وجل- في نصرة دينه وأوليائه، وأن المستقبل للإسلام فلا يجوز الشك في هذا الوعد اليقيني؛ بتأخر نصر الله لعدم توفر شروطه.

الموازنة بين المصالح والمفاسد

  • خامسا: ومن تطبيقاتها الموازنة بين المصالح والمفاسد، وذلك عند التزاحم، وهنا نقدم ما كان يقينيا من المصالح أو المفاسد على ما كان مشكوكا فيه أو متوهما.
  • سادسا: ومن تطبيقاتها ضرورة جمع الأدلة عن المسألة التي يراد تحديد الحكم والوصف فيها، سواء كانت أدلة شرعية، أم أدلة توثيقية وحقائق وإحصاءات وأرقام، ليجعل الحكم منطلقا من يقين ودراسة دقيقة، وليس من شائعات وأوهام وظنون وانفعالات.

اعتماد الدليل والبرهان في الأفعال

  • سابعا: تربية النشء من خلال سلوك المربين على اعتماد الدليل والبرهان في الأفعال والقرارات التي يتخذونها.
  • ثامنا: عند اتخاذ موقف من الأخطاء التي تترتب عليها عقوبة، كأخطاء الأولاد والطلاب أو المعاصي التي يرتب عليها الشرع عقوبة، يجب التثبت من حصول الخطأ والتثبت من ملابسات وقوعه حتى يحصل اليقين الموجب لإنزال العقوبة.

العلم بالأدلة علما يقينيا

  • تاسعا: يجب على المتعلم أن يكون على علم بالأدلة على أحكام دينه علما يقينيا؛ وألا يقلد مخلوقا بلا علم بمجرد حبه لشيخه أو ثقته به وتعصبه له، أي أن يبني علمه على فهم صحيح واضح ويقين به، لا على شبهات وظنون وانفعالات، وإذا لم يتيقن له الأمر، فيجب عليه أن يسأل ويناقش حتى يتيقن أنه الحق.
  • عاشرا: ينبغي للمعلم والداعية أن يكون في طرحه وتعليمه للناس واضحا داعما لما يقول بالأدلة اليقينية الواضحة، لا على أدلة ظنية ضبابية لا تفيد اليقين والاطمئنان، كما ينبغي له أن يتجنب الألفاظ الحمالة والمجملة التي قد يساء فهمها وتطبيقها.

تحديث الناس بما تبلغه عقولهم

  • حادي عشر: تحديث الناس بما تبلغه عقولهم من الأمور اليقينية، وتجنب المشتبهات أو الأمور التي تثير في أذهانهم الشكوك والاضطراب، وهذا معنى قول عَلِي - رضي الله عنه -: «حَدِّثُوا النَّاسَ، بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ وَرَسُولُهُ» أخرجه البخاري.
  • ثاني عشر: على المسلم البعد عن الشبهات واتقاؤها، فهو أبرأ للعرض والدين، وألا يجعل للناس مدخلا في أن يقدحوا في دينه وعرضه؛ فيصبح الشك يقينا.

التثبت في إطلاق أحكام الكفر

  • ثالث عشر: التثبت في إطلاق أحكام الكفر على الناس ممن ثبت إسلامه بيقين، فلا يجوز تكفيره إلا بأمر يقيني يخرجه من الإسلام؛ فإن اليقين لا يزول بأمر مشكوك، أو شبهة من شبهات الكفر، أو وجود مانع من موانع تكفيره، وفي المقابل التثبت من دلالة دخول الكافر في الإسلام؛ فلا ينتقل من أنه كافر بيقين؛ إلا بيقين يثبت به إسلامه.

الأصل في الأشياء الإباحة

  • رابع عشر: الأصل في الأشياء الإباحة، إلا ما ورد النص بتحريمه؛ فالأصل في الطعام والشراب واللباس والمركب والمسكن والزينة والتجارة والبيوع … إلخ الإباحة، إلا ما فصل فيه، وأما الشيء إذا كان أصله التحريم وإنما يستباح على شرائط وعلى هيئات معلومة كالنساء لا تحل إلا بعد النكاح أو ملك اليمين، وكالشاة لا يحل لحمها إلا بالذكاة فإنه مهما شك في وجود تلك الشرائط وحصولها يقينا على الصفة التي جعلت علما للتحليل، كان باقيا على أصل الحظر والتحريم.

الأصل في دم المسلم الحرمة

  • خامس عشر: الأصل في دم المسلم الحرمة، وهذا يقين ولا يجوز أن يستباح دم المسلم بأمر مشكوك فيه، وإنما بيقين من حال يحل به دمه، والأصل في ذلك عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: « لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ».
  • سادس عشر: لا يقدم الواجب المشكوك في وجوبه على الواجب المقطوع والمتيقن وجوبه، كمن يقدم الجهاد المشكوك والمختلف في وجوبه العيني على طاعة الوالدين المقطوع والمتيقن وجوبه العيني.

لا تترك الدعوة المتيقن نفعها

  • سابع عشر: لا تترك الدعوة المتيقن نفعها وأثرها، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأمر مشكوك فيه أو متوهم، وذلك بأن يتوهم ترتب منكر على الأمر والنهي أكثر من المصالح، أو أن يتوهم وقوع الأذى على الآمر الناهي فيترخص بترك الأمر اليقيني لأمر ظني، نعم لو تيقن وقطع بوقوع المفاسد أو الأذى أو غلب على الظن ذلك، فلا بأس بالترخص في ترك ذلك؛ لأن الأمر اليقيني يرفعه أمر يقيني، وإن كان الأفضل هو الأخذ بالعزيمة ولو ترتب على ذلك الأذى، مالم يغلب على الظن ترتب مفاسد على الدعوة وأهلها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك