رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 7 سبتمبر، 2023 0 تعليق

من أخــلاق  أهل العلم 3

هذه محاضرة ألقاها سمـاحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -يرحمه الله- في جامعة أم القرى بمكة المكرمة في شهر رجب عام 1409هـ (مارس 1989). (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز: 4/ 79) بين فيها أخلاق العلماء وما ينبغي أن يسيروا عليه؛ تأسيا بإمامهم الأعظم وقدوتهم في كل خير، نبينا محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم -، رسول رب العالمين، وقائد الغر المحجلين، وإمام الدعاة إلى سبيل الله أجمعين، وكانت المحاضرة بعنوان (أخلاق أهل العلم)، ومجلة الفرقان تستعرض هذه المحاضرة القيمة على ثلاث حلقات رغبة في نشر العلم وتعزيز دور العلماء.

أهل الإيمان والعلم يصبرون على الشدائد في طاعة الله وفي ترك معصيته وتبليغ رسالته

  • إن الفوز بالجنة والنجاة من العذاب يحصل بعد توفيق الله ورحمته بأسباب الصبر على طاعة الله والصبر عن محارمه والإقبال عليه والإخلاص وطلب التوفيق والهداية مع الصبر في سبيل الحق.
  • لابد من توحيد الله ومن اتباع الرسول [ ولابد من وصل هذا بذاك وذلك بتحقيق الشهادتين: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
  • من صفات العلماء أن يتبعوا الإيمان بالعمل ومن ذلك بر الوالدين وصلة الرحم وخشية ربهم الخشية التي تعينهم على طاعة الله وتمنعهم من معاصيه بحيث يخشونه -سبحانه- خشية حقيقية
  • هكذا أهل العلم والإيمان يخشون ربهم الخشية التي تثمر المتابعة وتؤدي إلى الحق وترك الباطل وخوفهم من سوء الحساب ولهذا أعدوا العدة واستقاموا على الطريق
  • من أسباب صلاح العبد وصلاح آبائه وأزواجه وذريته واجتماعهم في دار كرامته وزيارة الملائكة لهم مسلمين عليهم الاستقامة على أمر الله وأداء حقه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والثبات على الحق والصبر في ذلك ودرء السيئة بالحسنة
 

توحيد الله واتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم 

        لابد من توحيد الله ومن اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولابد من وصل هذا بذاك، وذلك بتحقيق الشهادتين: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وهكذا يُتبعون الإيمان بالعمل، ومن ذلك بر الوالدين وصلة الرحم، ويخشون ربهم الخشية التي تعينهم على طاعة الله، وتمنعهم من المعصية، يخشونه -سبحانه- خشية حقيقية، لا مجرد دعوى تؤثر في قلوبهم، وتجعلها خاشعة لله خاضعة له، معظمة لحرماته تاركة نواهيه، ممتثلة أوامره، هكذا أهل العلم والإيمان، يخشون ربهم الخشية التي تثمر المتابعة، وتؤدي إلى الحق وترك الباطل {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} (الرعد:21) هذا من كمال الخشية وخوفهم من سوء الحساب؛ ولهذا أعدوا العدة واستقاموا على الطريق خوفا من سوء الحساب يوم القيامة.  

الصبر على الشدائد والصلاة

        ثم ذكر -سبحانه- الصفتين السادسة والسابعة، فقال -سبحانه وتعالى-: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} (الرعد:20) الآية، صبروا على طاعة الله، وصبروا عن محارم الله، لا تجلدا ولا عن رياء، ولكن ابتغاء وجه الله، وابتغاء الزلفى لديه، هكذا أهل الإيمان وأهل العلم بالله، يصبرون على الشدائد في أداء طاعة الله، وفي ترك المعاصي، وبتبليغ رسالة الله، مع إقامتهم للصلاة وعدم التفريط في شيء مما أوجب الله عليهم من هذه العبادة العظيمة التي هي عمود الإسلام، وأدوها كما أمر الله.  

الاحسان ودرء السيئة بالحسنة

        ثم ذكر -سبحانه- الصفة الثامنة والتاسعة فقال: {وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} (الرعد:22) والمعنى أنهم مع هذا ينفقون في مرضاته وفي الإحسان لعباده سرا وعلانية، شيء يراه الناس وشيء لا يراه الناس، يبتغون فضل الله ويبتغون رحمته وإحسانه من الزكاة وغيرها، يؤدون الزكوات، وينفقون في وجوه الخير مما أعطاهم الله -سبحانه-، وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ، يدرءون بالحسنات السيئات لكمال صبرهم وتحملهم وكظمهم الغيظ، هكذا العلماء بالله وهكذا الصلحاء من عباده، قال الله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار} (الرعد:22) لهم العاقبة الحميدة، فسرها -سبحانه- بقوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} (الرعد:23) من ثوابهم على هذه الأعمال السابقة أن الله يشملهم وآباءهم وذرياتهم وأزواجهم بفضله -سبحانه وتعالى- ورحمته؛ فالاستقامة على أمر الله وأداء حقه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والثبات على الحق والصبر في ذلك ودرء السيئة بالحسنة، كل هذا من أسباب صلاح العبد وصلاح آبائه وأزواجه وذريته، واجتماعهم في دار كرامته، وزيارة الملائكة لهم مسلمين عليهم ومرحبين بهم.  

هداية الوالدين والزوجة والذرية

         ومن نعم الله العظيمة على العبد أن يكون سببا لهداية أبيه وأمه وزوجته وذريته، وهكذا من نعم الله العظيمة على المرأة أن تكون سببا لهداية زوجها وأبيها وأمها وأولادها، ويعلم من الآية الكريمة أن دخول الآباء والأزواج والذريات الجنة مع أقاربهم، إنما هو بسبب صلاحهم لا لمجرد النسب والقرابة، ولكن بسبب الصلاح والاستقامة والاجتهاد في طاعة الله، التي هي أعظم واسطة في صلاح العبد وأقربائه وزوجاته وذرياته، واجتماعهم في دار كرامته، وهذه الآية الكريمة تشبه قوله -تعالى في سورة سبأ-: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} (سبأ:37) وقوله -تعالى في سورة الحجرات-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خبير} (الحجرات:13).  

الفوز بالجنة والسلامة من النار

         وهكذا ما جاء في معنى ذلك من الآيات الكريمات، كلها تبين أن المنازل العالية والفوز بجنات النعيم والسلامة من عذاب الله وغضبه، كل ذلك لا يحصل بمجرد الأماني والدعوة، ولا بالأنساب والدعوة، إنما يحصل ذلك بعد توفيق الله ورحمته بأسباب الصبر على طاعة الله، والصبر عن محارمه، والإقبال عليه -سبحانه وتعالى-، والإخلاص له في العمل، والضراعة إليه بطلب التوفيق والهداية، مع صبرهم على الشدائد والمشاق في سبيل الحق، وصبرهم على المصائب، بهذا كله حصل لهم الخير العظيم والفوز بدار النعيم، وهكذا ينبغي لأهل الإيمان وأهل العلم والهداية أن يتخلقوا بهذه الأخلاق العظيمة، ويسيروا عليها حتى تكون لهم العاقبة الحميدة، وحتى تكون لهم عقبى الدار، فلا بد من صبر ولا بد من إخلاص، ولا بد من صدق، قال -تعالى في سورة الإنسان-: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} (الإنسان:12) وقال -سبحانه في سورة المؤمنون-: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} (المؤمنون:111) وقال في سورة الفرقان لما ذكر صفات عباد الرحمن العظيمة: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَاا تَحِيَّةً وَسَلامًا} (الفرقان:75).  

الخير لا يحصل من دون عمل وصبر

        فهذه الخصال الحميدة التي ذكرها في قوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} (الفرقان:63)، حصلت لهم بصبرهم على طاعة الله، وصبرهم عن محارم الله، وصبرهم على المصائب، فلابد من العناية بهذا الأمر، وأن نعد له عدته، ولابد أن يعلم طالب العلم أنه لا بد من الصبر، وأن الأعمال العظيمة والخير الكثير لا يحصل بمجرد الدعوى والرغبة والتمني من دون عمل وصبر.  

العلم النافع والعمل الصالح

        أسأل الله -تعالى- بأسمائه وصفاته أن يوفقنا وسائر المسلمين للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يرزقنا جميعا التخلق بأخلاق أهل العلم والإيمان، أخلاق الرسل وأتباعهم بإحسان، وأن يزيدنا وجميع المسلمين من العلم النافع والعمل الصالح والبصيرة النافذة، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، كما نسأله -سبحانه- أن يوفق القائمين على أمور المسلمين في كل مكان لكل ما فيه رضاه وصلاح العباد، وأن يصلح قادة المسلمين ويعينهم على طاعة الله ورسوله، وأن يوفقهم لتحكيم شريعته، والالتزام بها والتحاكم إليها، والحذر مما يخالفها، كما أسأله -عز وجل- أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يعينهم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يعيذنا وسائر المسلمين من كل ما يخالف شرعه، إنه -جل وعلا- ولي ذلك والقادر عليه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك