رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 29 أغسطس، 2023 0 تعليق

من أخــلاق  أهل العلم    2- على طالب العلم الاجتهاد في تحري الحق والإخلاص وسؤال الله التوفيق والإعانة

هذه محاضرة ألقاها سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -يرحمه الله- في جامعة أم القرى بمكة المكرمة في شهر رجب عام 1409هـ (مارس 1989). (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز: 4/ 79) بين فيها أخلاق العلماء وما ينبغي أن يسيروا عليه؛ تأسيا بإمامهم الأعظم وقدوتهم في كل خير، نبينا محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم -، رسول رب العالمين، وقائد الغر المحجلين، وإمام الدعاة إلى سبيل الله أجمعين، وكانت المحاضرة بعنوان (أخلاق أهل العلم)، ومجلة الفرقان تستعرض هذه المحاضرة القيمة على ثلاث حلقات رغبة في نشر العلم وتعزيز دور العلماء.

الرسل والأنبياء هم رأس العلماء

         فالرسل والأنبياء هم رأس العلماء، وهم قدوة العلماء، وهم الأئمة، ومن بعدهم خلفاء لهم، ورثوا علمهم ودعوا إلى ما دعوا إليه، جاء في الحديث: «العلماء ورثة الأنبياء» فجدير بأهل العلم -وإن تأخر زمانهم كزماننا هذا جدير بهم- أن يسلكوا مسلك أوائلهم الأخيار في خشية الله، وتعظيم أمره ونهيه، والوقوف عند حدوده، وأن يكونوا أنصارا للحق ودعاة للهدى، لا يخشون في الحق لومة لائم، وبذلك ينفع علمهم وتبرأ ذمتهم وينتفع الناس بهم، فقوله -سبحانه-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر:28) يعني الخشية الكاملة، فالخشية الكاملة لأهل العلم، وأعلاهم الرسل والأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل من أهل العلم على حسب تقواهم لله، وعلى حسب سعة علمهم، وعلى حسب قوة إيمانهم وكمال إيمانهم وتصديقهم.

نبينا هو القدوة في كل الأمور

       ولما سأل بعض الصحابة عن عمل الرسول - صلى الله عليه وسلم- في السر، فكأنهم تقالوه: «أين نحن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر»؟ كما في الصحيح من حديث عائشة -رضي الله عنها- فقال بعضهم: «أما أنا فأصلي ولا أنام»، وقال الآخر: «أما أنا فأصوم ولا أفطر»، وقال الآخر: «أما أنا فلا أنام على فراش»، وقال الآخر: «أما أنا فلا آكل اللحم»، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم-، فخطب الناس وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».

عصمة الأنبياء وكمالهم

       فبين - صلى الله عليه وسلم- أنه أخشى الناس - صلى الله عليه وسلم-، وأنه أتقى الناس لله وأعلمهم بما يتقى - صلى الله عليه وسلم، وهكذا الرسل قبله هم أعلم الناس بالله، وأتقاهم لله، ثم يليهم العلماء على مراتبهم، ولكن لا يلزم من كمال خشية الله والخوف منه أن يكونوا معصومين من الخطأ، بل كل عالم قد يخطئ، فمتى بان له الحق رجع إليه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون».

تحري الحق بالدليل من الكتاب والسنة

       فعلى طالب العلم أن يتحرى الحق بدليله، ويجتهد في ذلك، ويسأل ربه التوفيق والإعانة، ويخلص النية، فإن أخطأ مع ذلك فله أجر واحد، وإن أصاب فله أجران، كما صحت بذلك السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

الوقوف عند حدود الله

      فالخشية لله تقتضي الوقوف عند حدود الله والسير على منهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فإذا زاد على ذلك صار تنطعا وغلوا لا يجوز، فالعالم هو الذي يقف عند حدود الله في الإباحة والمنع، وفي العمل والترك، لكنه مع ذلك يكون شديد الحذر أن يقول على الله بغير علم، أو يعمل بخلاف ما علم، فيشابه اليهود في ذلك.

عِبَرُ الصالحين في التاريخ والقصص

       وقد ذكر الله -سبحانه- عن بعض أهل الكتاب العاملين الأتقياء خصالا حميدة؛ تذكيرا لنا بذلك، فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (يوسف:111) ففي التاريخ والقصص عبر كما قال عز وجل، وقال -سبحانه-: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} (آل عمران:113، 114) وهذا نموذج من أعمالهم الطيبة، وهذه الصفات الحميدة ذكرها الله -سبحانه- عنهم لنقتدي بهم فيها، ولنسلك هذا المسلك، ونتأسى بأهل الخير، وهكذا في آخر سورة آل عمران، يقول جل وعلا: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (آل عمران:199)

عدم جحد الحق أو كتمانه

       فهذه الخصال الحميدة التي أخذ بها خيار أهل الكتاب ومن هداهم الله من علمائهم، إيمان بالله، خشوع وخضوع لله، وطاعة لله -سبحانه-، وذل بين يديه -سبحانه- وتعالى، ثم مع ذلك لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، ولا يجحدون الحق ولا يكتمونه كما فعل علماؤهم الضالون، كتموا سيرة محمد - صلى الله عليه وسلم، وكتموا كثيرا من الحق من أجل حظهم العاجل وما أرادوا من متاع الدنيا، أما أهل العلم والإيمان من الأولين والآخرين، أهل الخوف من الله، فإنهم ينطقون بالحق ويصرحون به، ولا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، بل إن من أعمالهم العظيمة بيان الحق والدلالة عليه والدعوة إليه، والتحذير من الباطل والترهيب منه، يرجون ثواب الله ويخشون عقابه -سبحانه- وتعالى.

لا يستوي من يعرف الحق ومن لا يعرفه

        وقال -عز وجل-: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الرعد:19) وقال -تعالى-: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر:9) وبين -سبحانه- في هاتين الآيتين أنه لا يستوي من يعلم الحق المنزل من عند ربنا -وهو الهدى والصلاح والإصلاح لا يستوي هؤلاء- مع من هو أعمى لا يعرف الحق ولا يهتدي إليه لفساد تصوره وانحراف قلبه وفساد لبه، لا يستوي هؤلاء وهؤلاء، ولهذا قال: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الرعد:19) فأوضح أن التذكر والتبصر إنما يكون من أولي الألباب، وهم أولوا العقول الصحيحة السليمة.

صفات أصحاب العقول السليمة

      ثم ذكر صفاتهم العظيمة فقال: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} (الرعد:20) هذه صفات أهل العلم والإيمان، وهم الذين يوفون بعهد الله والذي عهد إليهم، يؤدون حقه ويستقيمون على دينه قولا وعملا وعقيدة، ولا ينقضون الميثاق، بل يوفون بالمواثيق والعهود، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، يصلون ما أمر الله به أن يوصل من الاستقامة على أمر الله، والإخلاص لله -سبحانه وتعالى-، واتباع سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم-، لا بد من هذا وهذا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك