رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 21 أغسطس، 2023 0 تعليق

من أخــلاق  أهل العلم 1

   

هذه محاضرة ألقاها سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -يرحمه الله- في جامعة أم القرى بمكة المكرمة في شهر رجب عام 1409هـ (مارس 1989). (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز: 4/ 79) بين فيها أخلاق العلماء وما ينبغي أن يسيروا عليه؛ تأسيا بإمامهم الأعظم وقدوتهم في كل خير، نبينا محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم -، رسول رب العالمين، وقائد الغر المحجلين، وإمام الدعاة إلى سبيل الله أجمعين، وكانت المحاضرة بعنوان (أخلاق أهل العلم)، ومجلة الفرقان تستعرض هذه المحاضرة القيمة على ثلاث حلقات رغبة في نشر العلم وتعزيز دور العلماء.

 

العلماء خلفاء الأنبياء

      ولا يخفى على كل ذي مسكة من علم أن العلماء هم خلفاء الأنبياء؛ لأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، والعلم هو ما دل عليه كتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا قالت عائشة -رضي الله عنها- لما سئلت عن خلق النبي -  صلى الله عليه وسلم -، قالت: «كان خلقه القرآن». فهذه الكلمة العظيمة من عائشة -رضي الله عنها- ترشدنا إلى أن أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - هي اتباع القرآن، وهي الاستقامة على ما في القرآن من أوامر ونواه، وهي التخلق بالأخلاق التي مدحها القرآن العظيم وأثنى على أهلها، والبعد عن كل خلق ذمه القرآن وعاب أهله، وهي كلمة جامعة مختصرة عظيمة.

العناية بكتاب الله

     فجدير بأهل العلم من الدعاة والمدرسين والطلبة، أن يعنوا بكتاب الله، وأن يقبلوا عليه حتى يأخذوا منه الأخلاق التي يحبها الله -عز وجل-، وحتى يستقيموا عليها، وحتى تكون لهم خلقا ومنهجا يسيرون عليه أينما كانوا، يقول -عز وجل-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء:9) فهو الهادي إلى الطريقة التي هي أقوم الطرق وأهدى السبل، وهل هناك هدف للمؤمن أعظم من أن يكون على أهدى السبل وأقومها وأصلحها؟

بناء الخلق العظيم

     ولا شك أن هذا هو أرفع الأهداف وأهمها وأزكاها، وهو الخلق العظيم الذي مدح الله به نبيه محمدا  صلى الله عليه وسلم  في سورة القلم، حيث قال -سبحانه وتعالى-: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:1-4) فعلى جميع أهل العلم وطلبته أن يعنوا بهذا الخلق، وأن يقبلوا على كتاب الله قراءة وتدبرا وتعقلا وعملا، يقول -سبحانه وتعالى-: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص:29) وهم أصحاب العقول الصحيحة الذين وهبهم الله التمييز بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، ومن أراد هذا الخلق العظيم فعليه بالإقبال على كتاب الله -عز وجل-، والعناية به تلاوة وتدبرا وتعقلا، ومذاكرة بينه وبين زملائه، وسؤالا لأهل العلم عما أشكل عليه، مع الاستفادة من كتب التفسير المعتمدة، ومع العناية بالسنة النبوية؛ لأنها تفسر القرآن وتدل عليه، حتى يسير على هذا النهج القويم.

تدبر القرآن والعمل به

     وحتى يكون من أهل كتاب الله قراءة وتدبرا وعملا، فاليهود عندهم كتاب الله، والنصارى عندهم كتاب الله، وعلماء السوء من هذه الأمة عندهم كتاب الله، فماذا صار هؤلاء؟ صاروا من شر الناس لما خالفوا كتاب الله، وغضب الله عليهم وهكذا أتباعهم من كل من خالف كتاب الله على علم وسار على نهج الغاوين من اليهود والنصارى وغيرهم، حكمه حكمهم، والمقصود أن نعمل بكتاب الله، وأن يكون خلقا لنا كما كان خلقا للذين آمنوا قبلنا وهدى وشفاء.

الدعوة إلى الله على بصيرة

      وقد قال الله -جل وعلا- لنبيه صلى الله عليه وسلم : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف:108) وهذا أيضا من أخلاقه - صلى الله عليه وسلم -، ومن أخلاق أهل العلم جميعا، أهل العلم والبصيرة، أهل العلم والإيمان، أهل العلم والتقوى، أما أهل العلم من غير تقوى وإيمان فليس لهم حظ في ذلك؛ لأن أهل العلم من أخلاقهم الدعوة إلى الله على بصيرة، مع العمل وبيان الحق بأدلته الشرعية قولا وعملا وعقيدة، فهم دعاة الخلق وهداتهم على ضوء كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، بل يبلغون الناس دين الله، ويرشدونهم إلى الحق الذي بعث الله به نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ويصبرون على الأذى في جميع الأحوال.

الدعوة الجاهلة ليست من خلق العلماء

     وبهذا يعلم أن من دعا على جهالة فليس على خلق النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس على خلق أهل العلم، بل هو مجرم؛ لأن الله -سبحانه- جعل القول عليه بغير علم فوق مرتبة الشرك؛ لما يترتب عليها من الفساد العظيم، قال تعالى في كتابه المبين: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (الأعراف:33) فجعل -سبحانه- القول عليه بغير علم في القمة من مراتب المحرمات؛ لأن هذه الآية فيها الترقي من الأدنى إلى ما هو أشد منه، فانتهى إلى الشرك ثم القول على الله بغير علم، وبهذا يعلم خطر القول على الله بغير علم، وأنه من المنكرات العظيمة والكبائر الخطيرة لما فيه من العواقب السيئة وإضلال الناس.

خطورة القول على الله بغير علم

      وفي آية أخرى من سورة البقرة بين -سبحانه- أن القول عليه بغير علم مما يدعو إليه الشيطان ويأمر به، فلا ينبغي لطالب العلم أن يسير في ركاب الشيطان، يقول -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (البقرة:168-169) انظر يا أخي ما ذكره الله عن هذا العدو المبين، وأنه يأمر بالسوء والفحشاء والقول على الله بغير علم، لما يعلم من عظيم الخطر والفساد في القول عليه سبحانه بغير علم؛ لأن القائل على الله بغير علم يحل الحرام ويحرم الحلال، وينهى عن الحق ويأمر بالباطل لجهله.

الخشية من الله

      فالواجب على أهل العلم وطلبته الحذر من القول على الله بغير علم، والعناية بالأدلة الشرعية، حتى يكونوا على علم بما يدعون إليه أو ينهون عنه، وحتى لا يقولوا على الله بغير علم، والعلماء بالله هم أعظم الناس خشية لله، وأكملهم في الخوف من الله والوقوف عند حدوده، قال -تعالى-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر:28) فكل مسلم يخشى الله وكل عالم يخشى الله، لكن الخشية متفاوتة، فأعظم الناس خشية لله، وأكمل الناس خشية لله هم العلماء بالله، العلماء بدينه، ليسوا علماء الطب، وليسوا علماء الهندسة، وليسوا علماء الجغرافيا، وليسوا علماء الحساب، وليسوا علماء كذا وكذا، ولكنهم العلماء بالله وبدينه وبما جاء به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى رأسهم الرسل -عليهم الصلاة والسلام.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك